أثير–عبدالرزّاق الربيعي
قال الشاعر شوقي عبد الأمير: ” أمضيت عامين في مسقط اكتشفت خلالهما الشخصية الإنسانية، والتاريخية، والحضارية لعمان، كما اكتشفت عبقرية المكان العماني، وحضور الجبل، والبحر، والصحراء في ثلاثية نادرة، وعرفت أصدقاء، وزملاء، وموظفين، وغرباء، وكنت صديقا، وزميلا، وموظفا غريبا”
جاء ذلك في أمسية توديع الشاعر الكبير شوقي عبد الأمير التي أقامتها السفارة العراقيّة بمسقط في مقرّها بمناسبة مغادرته السلطنة بعد أن أقام بها للعمل مستشارا في صحيفة “الزمن” عائدا إلى “بغداد”،
وحول علاقته بمسقط قال لـ”أثير” : ” أحببت مسقط لأني وجدت فيها الكثير من نفسي ويسعدني في اطار عملي الوظيفي إنني أسهمت في ميدان” الاعلام والثقافة” ،فعُمان هي اليوم في أمسّ الحاجة له بعد إنجازاتها المتميزة في ميادين البنى التحتية، وبناء الدولة، ومؤسساتها، والتطور العمراني الهاديء، والساحر”
وختم كلمته بقوله “أغادر مسقط لا مودّعا، ولا راحلا، وأكتفي بشطر من بيت المتنبي:
لك يا منازل في القلوب منازل”
وحول الذي تعني له “مسقط” قال “الشاعر لا يفصح عنه غير الشعر ” وأضاف ” أن تكون في مسقط
هو أن تسند ظهرك إلى جبل
وتدلي قدميك في بئر
في التاريخ قالوا
خرج هنا جبل على الجغرافية…
بيت الغرانيتيّ
وبين اللازورديّ
أتعثّر بمومياءات الوقت
أعرف أنّه لا يمكن استثناء الجبل
ولا إسكات الموجة..
ألهذا وجدتني هنا
قبل أن أصل”
وفتحت حوارا معه أمام الحضور حول الشعر، والنصوص الأخيرة التي يكتبها هذه الأيّام وكان أحدثها” قيامة الكرّادة” ، متسائلا عن جدوى الشعر في هذه المرحلة ، وكيفيّة حفاظ الشاعر على الجانب الفنّي عند تناوله لمثل هذه الأحداث ، فأجاب:
” إنّ الحدث بكتابته النثرية مرتبط بالديمومة، أي بالتاريخية، لكن عندما ينجح الشاعر في نقله بنفس الأدوات، أي اللغة إلى الزمن ككل يعني الماضي، والحاضر، والآتي يتحول الحدث من صيغته المنثورة إلى كينونة شعرية عابرة لليومي التاريخي، مرتبطة بجذر الحدث، ودلالاته الإنسانية، والجمالية يعني بتجرد الحدث اليومي التاريخي الذي يسير وفق حركة أفقية منثورة، والشاعر هو من يحوّلها إلى حركة عمودية مرتبطة بين الجذر، والآتي المجهول، ويعني القفز من الأفقي إلى العمودي”
ونفى أن تكون تلك المواكبة واجبا وطنيا، ولا أخلاقيا ولا تاريخيا، بل “مسؤولية تأسيسيّة بين الشاعر، والشعر، وبهذا المعنى، فإن القيمة الشعرية هي الأساس، كل الصفات التي يمكن أن تلحق بها كأن تقول وطني، أخلاقي، إنساني، فتبقى ثانوية ولا أهميّة لها”
وحول الأداء في استعمال اليومي في النص قال “أميل لكتابة المكان بمفردات المكان لأنها هي الأكثر تعبيرا والأكثر التصاقا لكنها الأصعب أداء، فعلى الشاعر أن يخرجها من نثريتها اليومية بمعنى ما إلى جوهرها الشعري، من هنا وردت مفردات “السوق”، و”الكوستر”، و”المقهى” بمفرداتها ذاتها”
وعن الجدوى من كتابة تلك النصوص، ومساحة التأثير المعوّل عليه في الجمهور، قال شوقي الذي له رصيد أدبي حافل بالعديد من الإصدارات التي تنوف على الثلاثين إصدارا في اللغتين العربيّة، والفرنسية، وكانت أحدث اصداراته الأعمال الشعرية التي تقع في مجلّدين صدرا عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت، ومجموعته” أنا والعكس صحيح” ” التأثير ليس مباشرا ، فأنا لا أريد أن أدفع الناس بالنص للذهاب الى جهة او فكرة او موقف بعيد أريد في مثل هذه النصوص ان اعطي للحظة المتفجرة أوسع وأعمق دلالاتها وأبعد اشعاعاتها عند ذلك يفعل المتلقي ما يشاء “
وحول مشاريعه القادمة قال ” لدي مشروعان الأول مع الفنان فادي مصري زادة في عمل كتاب عن الجبل العماني بين نصين فوتوغرافي بعدسة فادي ونص شعري بقلمي، والثاني: معرض فني أيضا مع الفنانة نادرة محمود لعمل معرض بين نصين تشكيلي لنادرة ونص شعري بقلمي”
وردا على سؤال لأحد الحضور هو :لو عاد الزمن بك إلى الوراء ،فكيف سترسم حياتك؟ أجاب” سأعود الى المنفى لأن المنفى هو الولادة الجديدة، لولا المنفى لما اكتشفت العالم، لما عرفت اللغات، لما سبرت الكثير من أسرار الكينونة، والكون، وبهذا المعنى، لما عرفت نفسي كما أعرفها الآن”
وتضمّنت الأمسية عدّة فقرات، إذ ألقت الدكتورة آمال موسى حسين كلمة تحدّثت فيها عن المكانة التي يحتلها الشاعر شوقي عبد الأمير الشاعر، والدبلوماسي والخبير في العلاقات الثقافية والإعلامية الدولية، وأشارت إلى أن هذا الحفل يأتي بالتزامن مع فرحة إدراج لجنة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو الأهوار، والمواقع الأثرية فيها إلى لائحة التراث العالمي، علما بأن الشاعر شوقي كان أول مسؤول عراقي يعين مندوب دائم مساعد في اليونسكو في ديسمبر2004م وكان أول مسؤول عراقي بحث وقام بالخطوات الأولى لدخول الأهوار وسامراء وعدد من المواقع الاثرية في لائحة التراث العالمي .
أعقبها الشاعر المحتفى به الذي وجّه في بدايتها كلمة شكر بها السفارة والحضور،
وتضمّنت الأمسية شهادات لعدد من الحضور كان من بينهم الشاعر سعيد الصقلاوي رئيس الجمعيّة العمانيّة للكتّاب والأدباء، ود. سعيدة بنت خاطر، والكاتب يوسف الحاج مدير تحرير جريدة “الزمن” والإعلامي زاهر العبري، والشاعر عادل العوادي الذي وجّه تحيّة شعرية للشاعر شوقي عبد الأمير الذي ترجمت قصائده للعديد من اللغات العالمية وكتب وترجم باللغة الفرنسية وأصبحت له مكانة مرموقة في خارطة الشعر الفرنسي ونال جائزة (ماكس جاكوب) العالمية للشعر بعد صدور ديوانه (مسلة أنائيل) باللغة الفرنسية في باريس.
وتخللت الأمسية قراءته لعدد من النصوص من بينها “الطريق إلى مسقط” التي يقول فيها:
الى أين تمضي
وكلُّ الذين مضوا
كتَموا عِشقَهم كالجرارِ الدفينةِ
واستوحشوا منكَ ذكرى
…
الى أينْ ،
أما تَعبتْ من خُطاكَ الجهاتُ
أما شبعتْ من دماكَ الرّماةُ
وما أودعتْ تحت جَنحيكَ تلك السماواتُ
سرّا
فكُنْ سيّدَ القولِ في الجبهاتِ
وكنْ حجرَ الصمتِ في الكلماتِ
وكنْ أنتَ
كالفجرِ أندى
وكالليلِ أدرى
وكنْ ما عرفتُكَ الا اغتراباً
وعشقاً وسحرا”