أثير – موسى الفرعي
أثير – موسى الفرعي
بسم الله الرحمن الرحيم
“قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون”
صدق الله العظيم
من هذه القيمة تتبين أهمية الإحاطة بأي شيء علما قبل الخوض فيه بحيث تتضح الرؤية وتتكشف الأسرار العميقة والشؤون الصغيرة والكبيرة المتعلقة بأي أمر، على هذا الضوء الإلهي وبه يمكن للإنسان أن ينجو من شَرَكِ الفتنة ومأزق الجهل، فإن لم يتمكن الإنسان من الإحاطة بكل ذلك عليه أن يلتزم الصمت أو عليه قياس الأشياء للوصول إلى النتيجة التي ترضي القلب والعقل حتى لا يستسلم للأيدي التي تحاول جره إلى بئر لا يسكنها إلا الظلام الذي يشل حركة العقل ويوقف امتداد البصر فلا يبصر الحق ولا يهتدي إليه سبيلا.
ها قد عادت المهاترات في مواقع التواصل الاجتماعي نتيجة لما نشرته “رويترز” حول بحث السلطنة عن عدة مليارات من بعض دول الخليج الشقيقة مما أثار الألسنة وسمح لها بالتطاول عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وقد طرحنا من قبل فكرة مشابهة لذلك كي لا ننجر وراء هذه الفئة التي احترفت التعابير المسيئة فلا تلزمنا بأخلاقها وأساليب طرحها.
إن العالم كله يمر بمتغيرات وإعادة تشكيل ومصالح متنوعة وحسابات دقيقة وخوابي يعلم الإنسان أقلها ويجهل أكثرها لذلك وجب الوعي بتلك التفاصيل المتنوعة وإدراك حساباتها الكثيرة، وهذه المتغيرات تُعدُّ بيئة خصبة للإشاعات التي تنبت كرؤوس الشياطين، وسواء كان ذلك بقصد أو دون قصد، فإن العالم العربي لا ينقصه الشتات والتفرقة والانقسام الذي لا معنى له في عالمنا الإسلامي بشكل عام وخليجنا على وجه الخصوص، والإنسان لا حاجة له في رائحة الدماء والخوف بقدر ما يحتاج إلى المحبة بين بني الإنسان واحترام آدميته والنوم دون الخشية من رصاص طائش أو عبثية موت يتقنها هذا العالم الحديث وألزمها واأسفاه الكثير من بلادنا العربية إلى أن أكلت هذه الفوضى حياةً وشوهت ذاكرةً وأرواحا.
لقد نأت عمان بنفسها عن هذه الفوضى بإنسان يدرك أبعاد الحقائق ويؤمن بمبادئ أرضه وقبل ذلك كله يحمل مفهومه الحق عن الإنسان والحياة والدين، ولم تتمكن كل المحاولات في زعزعة إيمانه، ولم يقدر أحد على جر الإنسان العماني إلى التنازل عن مناقبه الحسنى التي تتجلى في سلوكه وقيمه وكل ما يقوم به. لقد أثبت الإنسان العماني أن حب الإنسان للإنسان هو السلاح القادر على هزيمة كل شيء، وأن الالتفاف حول أرضه وتشابكه مع تراب وطنه هو الأكثر قداسة، وأن الدين كل الدين هو الحب والسلام المطلق وجوهره هو الإنسان المحب القادر على صنع السلام وابتكار مساحة للحياة، وعزز ذلك تاريخ مضيء يقرأه الإنسان العماني في كل زاوية من هذا الوطن العملاق وتترجمه سلوكيات الإنسان هنا، تاريخ خصه الله لهذه الأرض وأكرم إنسانها به.
تلك هُوية الإنسان العماني وهذه عمان التي حاول الكثيرون قتلها فما سالت على الأرض غير دماء أحقادهم، وحاول الكثيرون إخفاءها فغابوا في ظلمات بئر سحيقة وبقيت عمان عروس الضوء، وحاول الكثيرون الإساءة إليها ففسدوا هم وشابوا وبقيت عمان الأكثر شرفا وفتنة وشبابا.
إن ظلم ذوي القربى أشدُّ مضاضة، وهذا الخذلان العميق من ذوي القربى والنسب والجوار الذي يمثله نصفنا الثاني في أجزاء من جسدنا الخليجي هو الأكثر إيلاما وخيبة في الوقت الذي لا ترتجي عُمان منهم أكثر من أن يكونوا مرآة لحبها لهم ووفائها لهم وخوفها عليهم مما ألم بهم أو مما يُجرون إليه، فقد شهد الجميع أساليبهم المتنوعة للنيل من عُمان، غير أنهم لم يفلحوا سوى بتضخيم خيبة عمان بهم ولم يكسبوا سوى خذلان أنفسهم بأنفسهم، ذلك لأن بعضهم ممن حاول ذلك قاصر عن قراءة الواقع العماني وطبيعة إنسانها الكبير وحكمة قيادتها، وغير قادر على قراءة معطيات الواقع وتحدياته التي تمر بها المنطقة وذلك نتيجة حداثة بعضهم ونزق رؤيتهم السياسية. إن هؤلاء لم يفقهوا بعد رغم ثقتهم بولاة أمرهم أن عمان حاضنة سلام وأنها تؤمن أن كل ما يضرهم سينعكس عليها بأي شكل من الأشكال.
إن من أحب الخير لغيره أحبه لنفسه وذلك ما تسعى عمان سعيا حثيثا إليه في شكل التقارب والاتصال لا الفرقة والشتات. إن الجسد الخليجي أحوج ما يكون في مثل الوقت إلى أن يكون حقا جسدا واحدا حكومات وشعوبا وأن نؤمن أن أي وهن يصيب بعض أطرافه سيصيب الجسد كله، وأن هذا التناحر العبثي والاختلاف الذي يمارس من البعض سيمد بساطه على الجميع، نعم هناك الكثير من الاختلافات وهذا أمر وارد وحق للجميع غير أن عمان تؤمن بأن الاقتراب أجمل من اختلاق المسافات وأن الحياة أحق من الموت والمحبة أقرب من الكراهية وتؤمن بالاختلاف لا الخلاف، لذلك تواجه عمان كل أساليب النيل منها بالعفو والصفح والكرم السمح من قيادتها، وما التوافق العماني مع الرياض مؤخرا في الانضمام للتحالف الإسلامي إلا تجسيدا لهذه الرؤية العمانية ومبدأ عيشها، فهذا التحالف هو انتصار الطرفين في ظل أزمات كثيرة يمرون بها ولصالح أطراف كثيرة، وهذا ما يتبين من تصريح الرياض نفسها الناتج عن أصحاب العقول منهم العارفين بالسياسة العمانية ومظاهرها وسعيها، عن انتصار الحكمة العمانية.
إن المهاترات تملأ مواقع التواصل الاجتماعي لذا يجب عدم الاكتفاء بنفي الخبر حين لا تتقن وسائل الإعلام شرف الإعلام وإيصال الحقيقة بل يجب أن ننصح بعضنا البعض بعدم الانجراف وراء تلك المهاترات التي لا تنتج سوى السب والشتائم وزيادة الشقاق وهذا ما يرضي معدة الشائعات التي ما كانت إلا لهذه الأهداف.
لقد مرت عمان بأزمات كثيرة كان من بينها الأنواء المناخية ” جونو ” وكان ما كان من أمر الله وكان العمانيون كما شاء الله لهم دائما أكثر التفافا على بعضهم وشكرت عمان رغبات الأخوة والأشقاء في التدخل ماديا بذلك، وعادت عمان كما كانت وأفضل بفضل الله وسواعد أبنائها فقط، ولو كانت بها حاجة لكان أولى بعمان قبول التدخل من أشقائنا الخليجيين في ظل تلك الأزمة وليس الآن، هذا ما يؤمن به العمانيون ويجهله الآخر، وهذه أنفة وكبرياء القيادة العمانية التي يحاول البعض أن ينال منها بشائعات مغرضة ومرض في النفس.
على كل واحد منا ألا يسمح لهذه الأمراض المستشرية في مواقع التواصل الاجتماعي أن تدنس الروح العمانية وأعلم سلفا أنها لن تتمكن من ذلك لأن محركهم في ذلك السواد المسيطر عليهم وقلة المعرفة، أما نحن فمحركنا هو الروح العمانية تاريخا وحاضرا، وبينهما إنسان يبني مشروعه الإنساني منتصرا بقيمه وبمبادئه العليا ولكن علينا أن نذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين.
لهم أن يرقصوا على إيقاعات فتنتهم ولنا نحن أن نقف ثابتين ثبات العارف الواثق كما هو شأننا أبدا.