الدكتور سعيد بن محمد الصقري- رئيس الجمعية الاقتصادية العمانية
الدعم هو شكل من أشكال المساعدات المالية أو التسهيلات يقدم بهدف تعزيز بعض السياسات الاقتصادية والاجتماعية مثل التصنيع أو التصدير أو التعليم. والدعم يشمل المنح النقدية، والقروض بدون فوائد أو المنخفضة الفوائد، والإعفاءات الضريبية وغير ذلك من التسهيلات. والدعم مهم للصناعات الوليدة والناشئة، لكنه في الوقت نفسه يعدّ سلاحا ذا حدين وضره أكثر من نفعه أحيانا ويصبح خسارة على الاقتصاد.
وتقوم دول الخليج بدعم الطاقة وبشكل كبير سواء كان ذلك للإنتاج أو للاستهلاك. وحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، فإن دعم الطاقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يعادل نحو 50% من دعم الطاقة العالمية، ومع ذلك هذا القدر الكبير من الدعم لا يفيد قطاعات اقتصادية بحاجة ماسة إليه، ويذهب لفائدة الأغنياء وأصحاب الدخل العالي[1].
وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى ان تكلفة دعم الطاقة في المنطقة بلغت حوالي حول 237 مليار دولار في العام في 2011م وبما يعادل 9 % من الناتج المحلي الإجمالي لدول المنطقة، أي حوالي 22 % من الإيرادات الحكومية. ويفوق دعم الطاقة الدعم المقدم للقطاعات الاقتصادية الأخرى. على سبيل المثال، قدر دعم المواد الغذائية بما يساوي 0.7 % من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2011 في المنطقة.
ومع أن الدعم يقلل من تكلفة استخدام الطاقة في المنازل والتنقل وفي إنتاج السلع والخدمات وبخاصة تلك الصناعات التي تستخدم الطاقة كمدخل أساسي للإنتاج، المستفيد الأكبر من الدعم أصحاب الدخل المرتفع. على سبيل المثال، وجد الصندوق في بعض دول المنطقة التي تمت دراستها، بأنه أفقر 20٪ من السكان يستفيدون بحوالي 3% فقط من دعم الوقود، في حين أن أغنى 20 % من السكان يستفيدون بما يزيد على 50% من الدعم. والوضع مماثل في العديد من البلدان الأخرى في جميع أنحاء المنطقة.
إذًا، دعم الطاقة يثقل كاهل الميزانيات الحكومية وعلى حساب استثمارات يمكن ان توظف لدعم قطاعات مهمة مثل الرعاية الصحية، والتعليم، والبنية الأساسية. فضلا عن ذلك، فإن الدعم، وحسب رأي صندوق النقد الدولي، يؤدي إلى تشجيع الصناعات كثيفة رأس المال على حساب الأنشطة الاقتصادية كثيفة اليد العاملة، ويؤدي الى الاستهلاك المفرط للطاقة وإلحاق الضرر بالبيئة. ولذلك، فإن الغاء الدعم مفيد وسيسهم في نمو العديد من القطاعات الاقتصادية والنمو إجمالا.
ما أهمية توصيات مجلس الشورى لدعم أسعار الوقود؟
مع ارتفاع الأصوات التي تطالب بتثبيت سعر المحروقات بعد أن تم الإعلان عن أسعار المحروقات لشهر فبراير والتي زادت إجمالا بما يساوي حوالي 49% عن السعر الذي كانت عليه قبل منتصف يناير 2016، أوصى مجلس الشورى بتثبيت سعر أنواع الوقود الثلاثة (بنزين M91, M95 والديزل) حتى تستكمل اللجنة المكلفة بمتابعة أسعار النفط الإجراءات التنفيذية لدعم “الفئات المستحقة” من المواطنين. ومع التسليم بأهمية توصيات مجلس توصيات مجلس الشورى والمتعلقة بضرورة حماية الفئات المستحقة، فإن تثبيت السعر غير مناسب في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة إلى ترشيد الإنفاق وتنويع مصادر الدخل العامة.
دعم المحروقات وحده وحسب تصريح معالي الوزير المسؤول عن الشؤون المالية كلّف في العام 2013م مليار ريال عماني وفي العام 2014 حوالي 450 مليون ريال عماني. وإذا تم حساب الدعم الذي يذهب للكهرباء والموجه للقطاع الصناعي والزراعي وغيره من الأنشطة التجارية والاستخدام المنزلي سترتفع نسبة دعم الطاقة بشكل كبير وستبلغ مبالغ طائلة. فمن المستفيد الأكبر من هذا الدعم؟ وهل هذا الدعم الكبير للطاقة حقق النتائج المرجوة منه مثل توسيع قاعدة الإنتاج الاقتصادي وتقليل الواردات وتوليد فرص عمل للباحثين عن عمل من العمانيين؟
ومن المفيد التذكير، في هذه العجالة، بأن الحديث الذي كان يتم عن مشكلة الزحام في محطات المناطق الحدودية، وسرعة انتهاء الوقود من تلك المناطق، والتهريب أصبح من الماضي ولا ذكر له بعد رفع الدعم عن المحروقات. ومن المفيد أيضا التذكير بأن التحول من اقتصاد يعتمد على النفط إلى اقتصاد متنوع المصادر ومستدام يحتاج إلى الاستمرار في سياسات الإصلاح الاقتصادي وإن طال الزمن وتطلب الأمر تضحيات مؤلمة. ورفع الدعم عن الطاقة خطوة نحو الاتجاه الصحيح وفرصة لتوجيه الموارد المالية المتوفرة نحو القطاعات الاقتصادية التي ستشجع الاستثمار وتولد فرص عمل، وليس الاستهلاك وزيادة الواردات.
https://www.imf.org/external/np/fad/subsidies/pdf/menanote.pdf