أثير- المكرم د. اسماعيل الأغبري
أثير- المكرم د. اسماعيل الأغبري
لا يوصد باب في عمان في وجه راغب في زيارتها، راغب في تقوية العلاقات معها، أو شارح لموقف من المواقف، أو عارض لقضية من القضايا للتشاور فيها أملا في إيجاد حل.
عمان لا تغلق بابا في وجه أي أحد يطلب منها تسخير علاقاتها الهادئة المقبولة من أجل تهيئة أجواء وحلحلة قضايا.
سلطانها أبيض المواقف في تقديم كل ما من شأنه تعزيز العيش المشترك ونشر الوئام وتمهيد سبل السلام في المنطقة والعالم، لأنه، أي جلالة السلطان، يراعي الإبعاد الإنسانية والحقوقية مع كافة الدول والأمم.
تتوالى على السلطنة زيارات ضيوف رغبة منهم في الاستفادة من منهج القيادة العمانية في تمكنها من نسج أفضل العلاقات الإقليمية والدولية، مع تمكنها من عدم الدخول في التجاذبات القائمة في الإقليم والعالم.
الأمين العام الجديد للأمم المتحدة وصل السلطنة وهي ليست دولة ذات صناديق مالية هائلة، وليست دولة نووية، وليست دولة ذات إنتاج صناعة حربية، ولكن الأمم المتحدة بأسرها تدرك أن قيادة جلالة السلطان عز مثيلها في الإقليم من حيث بذلها الجهد واستفراغها الوسع في سبيل صناعة السلام للكافة.
الأمين العام السابق بان كي مون زار السلطنة وكرر عن قناعة وإيمان، وليس عن سياسة ودبلوماسية، أن السلطنة لها ثقل كبير في إطفاء الفتن والجدية في التقريب بين الأطراف المختلفة في الدولة الواحدة أو بين الدول.
وزار المبعوث الأممي لليمن إسماعيل ولد الشيخ السلطنة مرات وصرّح أيضا تصريحات عن الدور الإيجابي لما تقوم به من وساطات ومقاربات بين الأطراف المختلفة.
السياسة العمانية موثوق بها اقليميا، وإن كانت بعض الدول لا تصرح بذلك، وموثوق بها دوليا لأنه لم يؤثر على مر عقود من الزمن أن السلطنة جزء من مشكلات ليبيا أو مصر أو تونس أو الصومال أو العراق أو اليمن، لا قبل ما يسمى بالربيع ولا بعد حلول الصيف الجاف الشديد الحرارة المدمرة أو ما يسمى بالربيع.
لم تدعم حركات مسلحة معارضة، ولا تنشأ فيها معسكرات تدريب لجماعات متطرفة، ولا تصف حكومات معترف بها أمميا بأن القائم عليها هو النظام الفلاني، بل هي حكومة قائمة معترف بها سواء اتفقت معها السلطنة أو اختلفت.
اليوم الأربعاء الرئيس الإيراني حل ضيفا بأرض السلطنة، فكان له الاستقبال اللائق، والسلطنة مستعدة للترحاب بزيارة أي سياسي أكان خليجيا أو مصريا أو شاميا أو عراقيا، اقليميا أو دوليا، ما دام القصد من ذلك نسج علاقات قوية بينية أو طلب مساهمة السلطنة تقريبا بين دول وأطراف أو توسطا في خلاف طال أمده.
العالم قلق من الوضع الإنساني المتدهور في اليمن، إذ بات أكثر من 12 مليون يمني على حافة شبح مجاعة، بل صار كافة أهل اليمن في حالة من ضنك العيش وتعطل الأعمال بسبب الحرب الضروس التي تدخل عامها الثالث.
العالم والإقليم قلق من حرب اليمن وصراع الإرادات فيها مخافة امتداد الحرب إلى ممرات عالمية.
العالم قلق من أن تتصارع دول حاليا بالوكالة في سوريا واليمن ليكون الصراع بينها مباشرة، أو استمرار الصراع بينها عن بعد في مرحلة كسر العظم ومن سوف يعض أصابعه أولا.
السلطنة لم تكن مسرورة فيما يقع بين أهل اليمن الموسوم بالسعيد سابقا، ليس لأنه جار فقط، ولكن لأن القيادة العمانية ذات أبعاد إنسانية، ولذلك فإنها مهيأة لكل ما من شأنه التقريب بين الأطراف، لأن حبلها لا يلتف في رقبة أحد خنقا أو حصارا، ولكنه حبل نجاة للجميع وسترة نجاة لكل غريق، ولذا فهي تعترف بالشرعية في اليمن لأنها معترف بها دوليا، وهي كذلك لن تنخرط في شن حرب إعلامية كلامية أو حرب محسوسة ضد أي طرف في اليمن إذ ذلك يفقدها صدقيتها.
العالم والإقليم قلق من احتمال تصاعد لغة الخطاب بين أمريكا، الدولة ذات الصولة والجولة البالغة النفوذ العسكري والاقتصادي والتقني، وبين إيران القوة الإقليمية الصاعدة الداخلة عالم صناعة الأسلحة والتكنولوجيا.
العالم يتخوف من التسرع في اتخاذ أي قرار سلبي ضد الاتفاق النووي التاريخي بين إيران وخمسة زائد واحد، وهو الاتفاق الذي أيده العقلاء لأنه يعني تجنيب المنطقة حروبا بات الناس في أمس الحاجة لنهاية لها.
الاتفاق النووي كان كل فيه ومنه رابح من القوى الغربية والإيرانية، بل دول الخليج هي الرابحة لأنه لو نشأ صراع فإنه لن يكون فقط في محيط الخليج بل داخل البيت الخليجي، إذ الصراع لن يكون داخل حلف الأطلسي ولا في عقر الدار الأمريكية، وإنما هنا في أرض الخليج والجزيرة العربية.
إن العالم قلق من تصريحات بعض الزعامات الجديدة المتعلقة بالنووي، فإن تصاعد الحرب الإعلامية قد يؤدي لا قدر الله إلى خطوات اختبار أو استعراض القوة، وعند ذلك لا يضمن أحد انفلات الأمر، لأن أكثر الحروب المحسوسة مبدؤها تراشق كلمات ثم مناوشات ثم خروج الأمر عن السيطرة وهنا تكون وقعت الواقعة.
إن فرح بعض الدول باحتمال إلغاء الاتفاق أو بتصاعد التوتر ما هو بموقف مدروس، ولا تصاحبه عمق النظرة الأمنية والسياسية، بل هو موقف مزاجي انفعالي عاطفي، ومتى ما تم إدارة أمر الدول بالعاطفة والمزاجية فإن ذلك يؤذن بمواقف غير محسوبة عقلا ولا سياسة.
إن القواعد الأمريكية منتشرة في دول الإقليم المجاور لإيران، فأي تصاعد للتوتر بين أمريكا وإيران ستكتوي بناره دول الإقليم، لأن تلك القواعد منها ستنطلق الشرارات لا قدر الله، وهذا يعني انطلاق الصواريخ الإيرانية في محاولة منها لإسكات تلك القواعد وليس من دولة خليجية تمتلك ما تمتلكه إيران من قوة.
أما التعويل على أمريكا في الحماية فإن ذلك حلم، لأن الغرب لا يعرف إلا لغة المصالح ولا يعرف الخدمات المجانية، إذ لا يعتبر نفسه جمعية خيرية تتبرع ولكن هو دول تعرف مبدأ (حمايتك بمقابل).
قد يكون تحول حرب الكلام إلى حرب السلاح بعيد، ومع ذلك يوجد احتمال إلى استعراض القوة، مما يعني ميلاد أزمة عسكرية واقتصادية واجتماعية دول الخليج في غنى عنها.
الدول الخليجية باتت تعاني بعد انخفاض أسعار النفط، وباتت صناديق بعض الدول السيادية تتناقص بسرعة فالخارج من الأموال كثير لكن الداخل قليل.
إن أي تطور سلبي عسكري سيؤدي إلى تطور سلبي اجتماعي في دول الخليج، فهي للأسف لم تقصر بواسطة التصريحات أو دعم مواقع الفتنة، أو بدعمها القنوات الموسومة بالاسلامية بتهيبج الشعوب واستحضار مفردات المذهبيات وبث روح الكراهية بين الشعوب تهييجا للعواطف من أجل تحقيق مصالح سياسية موهومة، وذلك يعني تصدع البنية الاجتماعية داخل تلك الدول لأنها بنفسها حفرتها.
السلطنة لا ترغب في تلاسن الإعلام بين الدول، فضلا عن رغبتها في نشر السلام وبقاء الاتفاق النووي، ومن هذا المنطلق فهي مع كل ما من شأنه نهاية الاضطرابات.
السلطنة تستقبل الرئيس الإيراني حسن روحاني وهو مد يد السلام بالاتفاق النووي، كما أنها يمكنها أن تستقبل الأمريكي والفرنسي والبريطاني والمصري والخليجي والسوداني، فهي مع كل ما يقوي العلاقات ويحفظ الكوكب الأرضي من خطر التجاذبات.
السلطنة لا يهمها أي الايدلوجيات تحكم الدول، لأنها أصلا تتعامل مع الدول وليس مع الايدلوجيات، وأيضا لا تحاكم الناس على مواقف ماضية، فالعمانيون غزاهم البرتغاليون، ولكن الساسة والشعب دفعهم عن عمان وتمكن منهم في الخليج ولحق بهم في الهند، ثم لم يتركهم في شرق أفريقيا لكسر شوكة كل محتل، ثم اليوم علاقات حسنة طيبة مع البرتغال لأنه لا عدوان منها علينا.
احتل الفرس عمان من قبل، ثم خاض العمانيون موجات التحرير خاصة في أيام مؤسس الدولة البوسعيدية الإمام أحمد بن سعيد، فكان تحرير عمان ثم كانت علاقات طيبة حسنة مع إيران، لأنه لا عدوان منها على أهل عمان.
إن عمان لا ولن تدور في فلك أحد، لأنها بذاتها قطب وفلك وكل من قال حيا إلى السلام رددت معه عمان أنشودة السلام، وكل من نادي هيا إلى الحرب والقتال فإن عمان تدعوه إلى إعادة النظر في ذلك النداء والدخول في نداء الله (يا أيها الناس ادخلوا في السلم كافة).
إذا حكمت دول أيدلوجيات ذات سمة دينية أو ليبرالية أو حتى شيوعية فإن ذلك لا يعيق إقامة علاقات معها، فهي ذات علاقات مع إيران أيام الشاه المحسوب على الرأسمالية، ثم ذات علاقات حسنة طيبة مع إيران أيام مرشد الجمهورية الإسلامية آية الله الخميني، ثم لم تتبدل علاقاتها مع إيران حتى أيام الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد المصنف بأنه من صقور المحافظين، وعلاقتها حسنة مع إيران أيام ولاية أمرها من الإصلاحيين محمد حاتمي وحاليا الرئيس حسن روحاني.
إن السلطنة لا تتدخل في محاولة فرض نظام حكم على دولة من الدول، ولذلك احتفظت بعلاقات حسنة مع مصر أيام الرئيسين أنور السادات وحسني مبارك المحسوبين على الرأسمالية، ثم كانت علاقاتها حسنة مع مصر أيام الرئيس السابق محمد مرسي المحسوب على الايدلوجية الدينية، ثم كانت علاقاتها حسنة مع مصر أيام عدلي منصور، ثم علاقاتها طيبة مع مصر وحسنة في عهد الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي.
إنها عمان لا تخبط خبط عشواء، وإنها السياسة العمانية الواقعية، وإنه السلطان قابوس ذو الإبعاد الإنسانية والحقوقية من حيث كره الحروب.
إنه السلطان قابوس الذي لن يستطيع مراقب أو محلل أو مطلع طوال 46 سنة الزعم بانخراط السلطنة في فتنة، أو دعمت فتنة، أو سلحت جماعة لتهز نظام حكم أو تطيح بحاكم.