د. رجب بن علي العويسي- كاتب ومؤلف وباحث في التنمية والأمن الاجتماعي والتطوير المؤسسي والفكر الشرطي والتعليم
يأتي الصيف وهو يحمل معه الكثير من الطموحات والتوجهات والفرص التي تستدعي مزيدا من الجهد ووضع الخطط والاستعداد للتعامل معها، وتوفير أدوات تحقيقها وفق شروط وضوابط تنشد التكامل وتبتغي المنافسة، وترنو إلى الجودة والكفاءة في نواتج العمل المتحققة، لتصبح واقعا ملموسا، لصيف يعبّر عن رغبات الشباب وتوقعاتهم، ويعزز التناغم مع اهتماماتهم وطموحاتهم، ونقل تجاربهم إلى مستوى التطبيق والممارسة لتتكشّف بدائل الحل ومنهجيات العمل، فالإجازة الصيفية لطلبة المدارس وبعض طلبة الجامعات والمؤسسات الاكاديمية الاخرى، فرصة لتطبيق تجاربهم وأفكارهم ومشروعات تخرجهم أو مبادراتهم، ومنطلقهم للوصول إلى صيف ممتع، يجدون فيه فرصتهم لمزيد من الابتكار والتأمّل في الممارسات التعليمية التعلمية، وتعزيز قيمتها المضافة في تكوينهم المعرفي، وبناء نموذج عملي لمشروعاتهم القادمة.
من هنا تأتي محورية دور التعليم في بناء شراكات عمل لإدارة المواهب الصيفية ، تنطلق من تشخيصه لواقع الموهبة التعليمية في المدارس والجامعات ومؤسسات التعليم العالي المختلفة، فإنّ ما يمتلكه التعليم من برامج وخطط وموجهات واستراتيجيات عمل ، ناتجة عن تشخيصه لواقع المواهب وحجم انتشارها وجوانب الاختصاص فيها، وموجهات عملها وطبيعة الاحتياج لديها، وشكل التنسيق الذي يتم مع المؤسسات والقطاعات الوطنية الاخرى، والفرص المتاحة في هذا الجانب ومجالات الدعم المطلوبة؛ موجّهات يمكن أن تعزّز من وجود إطار وطني لإدارة الموهبة، تضمن مشاركة الجميع فيها، بما يسهم في توجيه هذه المواهب وإدارة الكفاءات والخبرات والتجارب وحسن رعايتها والاهتمام بها وصقلها وربطها بواقع التجربة والخبرة، في ظل معايير ومنطلقات واضحة للعمل، ومحددات وضوابط تبني عليها برامج التنفيذ القادمة، بالشكل الذي يسهم في ضبط هذه البرامج، وربطها بنوع الاحتياج، وطبيعة المواهب ذاتها، والامكانيات والموارد المتوفرة ، بما يتناسب مع فتره الصيف المحدودة، بحيث توجه المؤسسات الحكومية والشركات ومؤسسات القطاع الخاص ،مواردها ومشرعاتها التدريبية والتطويرية والتأهيلية والبحثية، نحو بناء أرصدة وطنية تعزّز المواهب في مجال تخصصها، كما يوفّر التعليم ممثلا في مدارسه وجامعاته ومؤسساته البحثية والتدريبية والتأهيلية ومراكزه العلمية التخصصية، معلومات وبيانات ثرية يمكن الانطلاق منها لبناء استراتيجيات مواهب الصيف، وكيفية التعامل مع هذه المواهب وتصنيفها وتبويبها وتوجيه فرص الاستثمار الامثل فيه ، سواء تلك المرتبطة بأنشطة المؤسسات وبرامجها الاعتيادية ومهام عملها، أو المتعلقة بالعلوم الانسانية والنفسية والاجتماعية والفنون والآداب والمعارف، لتشمل أيضا إعداد قدرات وطنية في المجالات العلمية والتطبيقية المختلفة عبر تعميق فرص الاكتشاف والتجريب وتفعيل المختبرات العلمية والطبية والهندسية والبحثية، خاصة في ظل ما توفره بيئة محافظة ظفار في فترة الخريف من فرص تنشيط عمل المجموعات العلمية أو الفرق البحثية الاستكشافية ، في مختلف المجالات العلمية سواء في مجال التربة أو المعادن أو النباتات الطبيّة أو النباتات المستخدمة في الأدوية والعقاقير العلاجية لبعض الأمراض أو نباتات التجميل والزينة والعطور وغيرها.
عليه فإن إيجاد تناغم وطني ينطلق من التعليم في ادارة المواهب، يستدعي تهيئة البيئة الداعمة لها، والبحث في مسارات عمل متقدمة تقوم على تكامل جهود المؤسسات بالشكل الذي يمكن خلاله بناء القدرات الوطنية التي تترجم واقع التعليم وما يدور في قاعات التدريس وبيئة الصف الدراسي والمختبرات العلمية والجمعيات المهنية الطلابية بالمدارس والجامعات، ليبرزها الصيف بصورة أكثر فاعلية وتجدّدا، بحيث تتجاوز بيئات التعليم الى بيئات التعلم، وما يستدعيه واقع الحال، كمرحلة أولية من إعادة النظر في مسارات البرنامج الصيفي للطلبة وآليات عمله وغاياته، بشكل يقترب أكثر من استكشاف المواهب وصقلها وفتح مسارات نموها وتطورها، تأخذ في الحسبان تحقيق شراكة فعلية داخل مؤسسات التعليم وخارجه ضامنة للنجاح، تتكامل بشأنها أنشطة الجامعات الحكومية والخاصة، وكليات العلوم التطبيقية والكليات الخاصة، والأكاديميات المهنية والكليات التقنية العليا، والمؤسسات التعليمية والأكاديمية الفنية والتقنية والمهنية في المؤسسات العسكرية والامنية، لتقوم جميعها بدور فاعل في رسم خريطة الموهبة وتعميق حضورها المؤسسي وهويتها الوطنية، في ظل شراكة فاعلة لمؤسسات القطاع الخاص والشركات في إطار مسؤوليتها الاجتماعية تضمن لهذه الموجهات الاستدامة والتنوع والقوة والتمكن من تحقيق أهدافها لبناء صيف المواهب.