فضاءات

د.حارث الحارثي يكتب: كيف يمكننا تغيير ثقافة العمل؟

Processed with Rookie Cam

د. حارث بن عبدالله بن حمود الحارثي – كاتب عماني

د. حارث بن عبدالله بن حمود الحارثي – كاتب عماني

ثقافة العمل هي من أهم محددات نجاح المؤسسات ومن اقلها استحواذا على اهتمام المسؤولين. المسلم به ضمن من حاورتهم من المسؤولين ان تغيير ثقافة العمل هو من “أصعب الأمور” إن لم يكن أصعبها على الإطلاق وتتطلب موارد كبيرة واستثمارات طويلة الأمد لتغييرها إيجابا.

أنا لا أتفق مع هذه الرؤية وأعتقد أن ثقافة العمل يمكن “إصلاحها” بشكل سريع عبر تقصي أسباب الخلل التي أنتجتها من البداية. لتوضيح ذلك يجب علينا أولا التفريق بين “الثقافة” بتعريفها العام والتي اتفق مع من يقول بصعوبة تغييرها وثقافة العمل بشكل خاص والتي سأحاول توضيح إمكانية تعديلها سريعا من خلال التطرق الى مثال توضيحي تابعناه مؤخرا.

الثقافة بشكل عام تعرف على أنها “النسيج الكلي من الأفكار والمعتقدات والعادات والتقاليد والاتجاهات فـي مجتمع ما. و هي كذلك القيم من مقبول و مرفوض في أي مجتمع. وهي أساليب التفكير وأشكال السلوك والعادات و طريقة الملابس. والثقافة يتعلمها كل عضو من أعضاء المجتمع في عملية اسمها “التنشئة الاجتماعية”. النقاط المهمة التي علينا التركيز عليها في هذا التعريف ان الثقافة العامة هي “ناتجة عن تنشئة” وأنها تتعلق بـ “مجتمع” يتعدد في صفات مكوناته. ببساطة، ثقافة المجتمع هي جزء من موروثه المتعاقب منذ اجيال. تغيير او تعديل الثقافة العامة يتطلب منا التدرج واتباع استراتيجيات طويلة الأمد بمردود متغير ولذلك كثيرا ما نلجأ لتناول تداعيات الثقافة العامة عوضا عن التأثير على أصولها.

أما ثقافة العمل فتعرف على أنها “مجموعة من الاتجاهات المشتركة، والقيم، والأهداف، والممارسات التي تميز المؤسسة” وتهدف الى تمكينها من النجاح. كما تلاحظون فتعريف ثقافة العمل هو اضيق من تعريف الثقافة العامة وفي إطار مقنن ضمن نطاق المؤسسة بأهداف واضحة. ثقافة العمل ضمن المؤسسة هي ناتجة بشكل مباشر من الأطر الأخلاقية والقوانين والأنظمة التي تضعها إداراتها للوصول إلى أهدافها المحددة بغض النظر عن خلفيات المكونات البشرية المختلفة. ثقافة العمل هنا هي “وسيلة” فقط للوصول الى غاية نهائية.

الاختلاف أعلاه يجعل ثقافة العمل امرا قابلا للتغيير -وبسهولة- عبر وضعها ضمن إطار الإنتاجية العام وتأطيرها بممارسات منهجية ومنظمة تلتزم كل أطقم المؤسسة بها. الفشل في تبني بعض الممارسات -او النجاح في عدم تبنيها- من قبل قيادات المؤسسات هو من أهم أسباب فساد ثقافة العمل ضمن المؤسسات.

شركة أوبر العملاقة والمتخصصة في خدمات توصيل الركاب عانت من فقدان كفاءاتها وخصوصا ضمن فئة الإناث ونشرت الصحف الأمريكية تقارير تفصل ممارسات سلبية متعددة من تحرش جنسي وإساءات للموظفين وغيرها. تم تشكيل فريق مستقل لدراسة أسباب هذه الأعراض السلبية ضمن الشركة واستنجت اللجنة ان هناك “خللا في ثقافة العمل” لدى أوبر ناجم من ممارسات مؤسسها ورئيسها التنفيذي. لم يكن المؤسس والرئيس التنفيذي “واعيا” عن دوره في خلل ثقافة العمل لدى الشركة ولم يستطع تغيير نمط ادارته كما ينبغي فعمد كبار ملاك أسهم أوبرإلى اتخاذ قرار سريع وجريئ وهو تغيير مؤسسها ورئيسها التنفيذي بآخر قادر على اصلاح الخلل!.

أظهرت التقارير الأخيرة أن الرئيس التنفيذي الجديد لأوبر تمكن – وفي خلال وقت قصير- من “إصلاح ثقافة العمل” باستخدام أدواته القيادية والإدارية. اصلاح سريع لثقافة العمل لدى أوبر بدأ بالتعرف المبكر على الأعراض مرورا بالتشخيص الدقيق للخلل وانتهاء بالعلاج الناجع للمرض الذي اصاب ثقافة العمل. هذا ما يفترض بالمؤسسات المختلفة ان تتبعه لإصلاح ثقافات العمل لديها.

ما أود منكم التفكير فيه ونقاشه بينكم يا أعزائي القراء هو “لماذا لا يمكننا القيام بذلك ضمن مؤسساتنا الحكومية؟”

Your Page Title