الأولى

ليس مجرد حصن: ماذا تعرف عن حصن السنيسلة؟

حصن السنيسلة

أثير- تاريخ عمان

إعداد: د. محمد بن حمد العريمي

تتميز سلطنة عمان بوجود العديد من الاستحكامات الحربية المتنوعة ما بين قلاع، وحصون، وأبراج، وغيرها، منتشرة في جميع مدنها وولاياتها، وتأثرت بالتطور الحاصل في الأسلحة الحربية وظهور الأسلحة النارية الثقيلة، واستخدامها كسلاح رئيس في المعارك الحربية.

وقد تميزت محافظة جنوب الشرقية في سلطنة عمان بتنوع وثراء تراثها المعماري الذي من أبرزه العمائر الحربية الدفاعية؛ إذ تزخر بعدد كبير من التحصينات الدفاعية في أرجائها المختلفة وبخاصة ولاية صور التي اشتهرت بتحصيناتها الدفاعية العريقة ومنها حصن السنيسلة الذي سنتعرف عليه من خلال هذا التقرير.

حصن السنيسلة

موقع الحصن وتاريخ بنائه

تم تشييد الحصن على هضبة صخرية إلى جنوب حارة سنيسلة أثناء حكم الإمام ناصر بن مرشد (1624-1649)، وقد أدّى هذا الحصن دورًا كبيرًا في صدّ هجمات الغزو البرتغالي على السواحل العمانية الشرقيّة. وهناك رأي يشير إلى أن الحصن كان موقعًا برتغاليًا يشرف على الساحل ومصب وادي الفليج والطريق الرئيس المؤدي إلى الداخل، وأن القوات العمانية بقيادة سلطان بن سيف قد حاصرت الحصن عام 1648 واستولت عليه زمن إمامة ناصر بن مرشد.

وجاء اختيار موقع بناء الحصن بعناية، فالتل الجبلي الذي شيّد فيه جعله يشرف على الطرق البريّة في الجهتين الجنوبية والغربية، وعلى الطرق البحرية في الجهتين الشمالية والشرقية، وبهذا توافرت فيه ميزة رصد العدو أيًا كان طريقه من مسافات بعيدة.

رسمة للحصن بريشة الفنان ربيع بن عمبر العريمي

امتد بناء حصن سنيسلة قرابة أربع سنوات، حيث واجه البناة صعوبة في نقل الأحجار ومواد البناء إلى أعلى الهضبة الجبلية، واستيراد الأخشاب له من أفريقيا والهند حيث كانت تأخذ وقتًا طويلًا حتى وصولها عبر البحر. وقد كان الحصن معمورًا بأهله حتى بدايات القرن العشرين، حين هجره قاطنوه وأقاموا في قرية سنيسلة والقرى المحيطة.

من خلال تتبع الشواهد المعمارية في هذا الحصن يتضح أن هناك العديد من التعديلات والإضافات التي أقيمت فيه، كان آخرها الترميم الشامل في عام 1989م ليعد بعد ذلك واحدًا من أهم عوامل الجذب السياحي والثقافي بولاية صور، خصوصًا أنّه شيّد في الجنوب منه مسرح تقام فيه الفعاليات الثقافية، وقد أقيم فيه مهرجان الشعر العماني الرابع في عام 2004م.

جانب من الحصن قبل أعمال الترميم

أجزاء الحصن ومكوناته:

يشغل حصن السنيسلة مساحة مربعة مكشوفة، ويبلغ طول السور 55 مترا تقريبًا، وارتفاعه نحو 5.80 م، ويبلغ ارتفاع مبنى الحصن 35 مترا وعرضه 30 مترا، وحصن سنيسلة مستطيل، وتقدّر مساحته الإجمالية بـ 2500 متر مربع، وهو مبني بالحجارة والصاروج، وجدرانه مبلّطة بالجص، ومسقّف بأخشاب الكندل والساج، وجاءت أغلب وحدات الحصن الداخلي ملاصقة للسور في أضلاعه الأربعة.

السور الشمالي للحصن. تصوير د. محمد سامي القاضي
خارطة الحصن

ولعل أول ما يلفت الانتباه حين الدخول إليه هي المسافة الكبيرة التي تفصل البناء الأساسي عن السور الخارجي للحصن، ولعل أسبابها كانت إضفاء المزيد من الصعوبة لمهاجمي الحصن من الأعداء، بحيث يبقون لمسافة كبيرة دون غطاء تحت رحمة الحراس المتمركزين في الأبراج العالية للبناء، وهو يتكون من الأجزاء الآتية:

المدخل: يتوسط واجهة الحصن الشمالية وهو المدخل الوحيد له، وله بابٌ كبير صُنِع من أخشاب الساج، ويصل ارتفاعه إلى 6.5م، وهو يحتوي على مصطبات لاستراحة العسكر الذين يحرسون الحصن من خارجه.

البهو: ويسمى الصباح، ويدخل إليه من المدخل الكبير مباشرة، وقد بُنِي طوليًا، ويشمل على مصطبات في الجانبين لجلوس الحرس، وتتخلل جدرانه روازن (رفوف جدارية)، ويشتمل على مدخل يفضي إلى فناء الحصن.

البرزة: تقع إلى يمين الداخل من المدخل الرئيس، وتشغل مساحة مستطيلة الشكل يبلغ طولها نحو 10 أمتار وعرضها نحو 2.60م، وتشتمل جدرانها على ست روازن طوليّة، تتكون كل منها من حاملين خشبيين يؤديان الغرض الخدمي والزخرفي في آنٍ واحد، وكان مكانًا لاجتماع أهل الحل والعقد للتباحث في الشؤون العامة.

غرفة الشيخ: يدخل لها من البرزة، وتحتوي على روازن عديدة. كما أن جدارها الغربي به نافذتان وباب في الوسط يؤدي إلى فناء الحصن.

المسجد: يوجد في الجانب الغربي من فناء الحصن وتميز ببساطة تصميمه، وهو يشغل مساحة مستطيلة الشكل يبلغ طولها 7 أمتار، به صحن وغرفة الصلاة، وصمم في كلٍ منهما محراب، ويحتوي على جوانب جمالية تتمثل في العقود الموطّرة بالجص.

مسجد الحصن

غرفة التعليم: استعملت كمدرسة لتعليم العلوم الإسلامية وتحفيظ القرآن الكريم، وهي غرفة مستعرضة تتقدمها ساحة في الجانب الخلفي الجنوبي من الحصن. تشغل هذه المدرسة مساحة مستطيلة الشكل حيث يبلغ طولها 8.8م، بينما يبلغ عرضها 2.90م، ويبلغ ارتفاع سقفها نحو 4.10م.

الحصن من الداخل وتبدو غرفة التعليم وسط الصورة. تصوير د. محمد سامي القاضي

السجن: بني في الجانب الشرقي من فناء الحصن، وهو غرفة طولية بها ثلاث فتحات للتهوية، ويتوسطها عمود ينتصب من الأرض إلى السقف.

وقد كان هذا السجن مثل غيره من السجون الموجودة داخل حصون وقلاع سلطنة عمان مخصص للجرائم الكبيرة كالقتل وغير ذلك، حيث يصعب على المسجون الهرب لثقل القيود التي تمنع حركته، وأيضًا لمرتكبي الجرائم الصغيرة كأسرى الحروب، والسرقة والسلب.

سجن الحصن. تصوير د. محمد سامي القاضي

الأبراج: تتوزع في أركان حصن سنيسلة أربعة أبراج، ثلاثة منها دائرية، والأخير مربّع يطلق عليه مربّعة، ويقع في الركن الشمالي الغربي. وشـــيدت أســـطح أبــــرج المدفعيـــة مــــن الحجـــر كي تتحمل ثقل المدافع المستخدمة.

جانب من أبراج الحصن

وصممت أبراج حصن السنيسلة بأساليب معمارية تتماشى مع استخدام الأسلحة النارية الثقيلة؛ حيث صممت سلالم الأبراج بهيئة غير مرتفعة، كما يلاحظ سماكة جدرانها وصلابة أرضيتها، كما دعمت بعدد من الفتحات الملائمة لفوهات المدافع والبنادق، واشتملت الأبراج على فتحات للتهوية كما تم كشف المستوى العلوي منها؛ حتى تعمل على تطاير الدخان الصاعد من المدافع وتجديد الهواء أثناء استخدام تلك الأسلحة.

الخزان المائي: نظرًا لبناء الحصن في هضبة صخرية مرتفعة، فقد تعذر حفر بئر لتوفير الماء لقاطني الحصن، وقد استعيض عن ذلك بحفرة واسعة استعملت خزانًا لحفظ الماء، وذلك في أرض فناء الحصن في الجانب الشمالي منه، وكان الماء يجلب إليه من قرية سنيسلة المجاورة.

وهناك مجموعة من الغرف المخصصة كمخازن للحبوب والغلال والتمور وغيرها من المواد الغذائية التي كانت تشكل الطعام الأساسي لسكّان الحصن.

الخزان المائي

ويلاحظ أن الحصن قد اشتمل بداخله على عدد بسيط من الحجرات، مما يدل على أنه لم يكن مركزًا للحكم كغيره من الحصون العمانية التي شيّدت في تلك الفترة، بل أنشئ بغرض مرابطة الجنود لتوفير الحماية للمدينة.

تطوير مبنى الحصن

جاء تنفيذ مشروع تأهيل وتطوير المرافق الخدمية بحصن سنيسلة بتمويل من الشركة العمانية للغاز الطبيعي المسال، في إطار المسؤولية الاجتماعية للشركة تجاه المجتمع المحلي، واستكمالا لمنظومة أعمال التأهيل والتوظيف التي تقوم بها وزارة التراث والسياحة لمختلف القلاع والحصون التي تقع تحت إدارتها وتهيئة تلك المواقع لخدمة مختلف شرائح الزوار والسياح من داخل سلطنة عمان وخارجها وصولا إلى توفير مختلف المرافق الضرورية اللازمة لراحتهم.

جانب من إحدى الفعاليات المقامة على مسرح الحصن

واستهدف مشروع تطوير مرافق ومسرح حصن سنيسلة زيادة الطاقة الاستيعابية للمسرح الخارجي المفتوح للحصن من 700 فرد إلى 1200 فرد، وكذلك تغيير نظام اﻹضاءة والصوت للمسرح، وتغيير إنارته الخارجية، ورصف الممرات حول المبنى الخارجي للحصن، وتهيئة مداخله لمرور كراسي ذوي الاحتياجات الخاصة، وتوفير بعض المرافق الخدمية، إضافة إلى عمل جوانب المسطحات الخضراء، وتعبيد الطريق من بوابة الحصن الرئيسية إلى مبنى الحصن بما في ذلك مواقف المركبات، وتوفير منصات المشاهدة للإطلالة على مدينة صور وتهيئة ممشى بالحجارة من البوابة الرئيسية إلى جوار مبنى الحصن وتشجيره و إنارته.

حصن سنيسلة في كتابات الرحّالة

وصف الوكيل السياسي البريطاني صمويل باريت مايلز، بعض الأماكن التي لها صلة بأحداث عام 1866م وما قبلها، وذلك أثناء زيارته إلى صور في 2 سبتمبر 1874:

" وفي الرابعة عصرًا ذهبنا إلى البلاد حيث مررنا بطريق صخري مرتفع، وخارج البلدة يبدو الخور ممتدًا إلى بعض المسافة ولكنه ضحل، وعلى يميننا يقع حصن سنيسلة …، وتوجد في كل القلاع مدافع ولكن لا توجد بها حامية”.

المراجع

  • مجلة أصايل للتراث. مقال بعنوان " حصن السنيسلة الأثري”، 1 يناير 2018، https://www.assayel.com.om/news/view/1464
  • جريدة “وجهات”. تقرير بعنوان “حصن سنيسلة في صور.. يؤرخ لتاريخ عريق عمره 300 سنة”، 3 سبتمبر 2024، https://wejhatt.com/?p=93467
  • القاضي، محمد سامي. حصن السنيسلة بمحافظة جنوب الشرقية بسلطنة عمان دراسة أثرية معمارية، مجلة الدراسات الإنسانية والأدبية، العدد (28)، يناير 2023
  • مجموعة مؤلفين. الموسوعة العمانية، المجلد الخامس، حرف السين، وزارة التراث والثقافة، سلطنة عمان، 2013.
Your Page Title