أثير- تاريخ عمان
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي
حرصت سلطنة عمان منذ نهاية عام 1970م على تنظيم العمل الإداري، وإنشاء المؤسسات الخدمية التي سيلقى على عاتقها أعمال التنمية والتطوير وبالأخص في المجالات الاقتصادية والخدمية؛ لذا ظهر خلال السنوات الأولى من النهضة العمانية الحديثة عدد من المسمّيات لمؤسسات اقتصادية أدمجت أو تغير مسماها بمرور الوقت مع تشعّب الأعمال وتوسع نطاق العمل، ومن بينها المركز الإنمائي والاقتصادي الذي تأسس في عام 1972م ثم أدمجت أعماله وأنشطته في هيئة جديدة تأسست في أبريل 1973م وهي هيئة التنمية العامة التي تغيّر مسماها في نوفمبر 1973م إلى وزارة التنمية. كما تشعبت أعمال بعض الأقسام التابعة لتلك المؤسسات وتحولت لاحقًا إلى كيانات أكبر في هيئة وزارات، كالبلديات، والزراعة، والتجارة والصناعة، والنفط والمعادن، وغيرها.
“أثير” وفي إطار اهتمامها بتاريخ النهضة العمانية الحديثة ومؤسساتها المختلفة، تقترب في هذا التقرير من أحد الكيانات الإدارية الاقتصادية التي تأسست مع مطلع النهضة العمانية وقامت بأدوار اقتصادية، واجتماعية، وبلدية مهمة خلال تلك الفترة، ألا وهي “هيئة التنمية العامة”.
التأسيس:
تأسست الهيئة في 25 أبريل 1973م حيث أصدر السلطان قابوس بن سعيد طيّب الله ثراه في ذلك اليوم قرارًا بتأسيس هيئة للتنمية العامة برئاسة الأستاذ كريم بن أحمد الحرمي على أن يكون الأستاذ علي داؤد نائبًا لرئيس الهيئة، وأن تشمل الهيئة الدوائر الآتية: مركز التخطيط الاقتصادي والإنمائي (التخطيط الوطني، والإحصاء)، ودائرة شؤون النفط والمعادن، ودائرة التجارة والصناعة، ودائرة الزراعة والمياه، ودائرة شؤون البلديات (شؤون البلديات، وتخطيط المدن).
وفي الخامس من مايو 1973م نشرت جريدة “عمان” مقالًا طويلًا صادرًا عن اللجنة الإعلامية للتوعية الاجتماعية بعنوان " إنشاء الهيئة العامة للتنمية مؤشر جديد نحو مستقبل مشرق" تناول أهمية إنشاء هذه المؤسسة الوليدة، ومدى ارتباطها بحركة النهضة والتقدم والتنمية والعمران التي تشهدها سلطنة عمان، وأهمية وجود مؤسسة تشرف على تنفيذ برامج التنمية العامة بمختلف مجالاتها:
أهداف الهيئة:
كان لهيئة التنمية العامة عددٌ من الأهداف سعت إلى تحقيقها خلال الفترة القصيرة من عمرها، ومن بينها: بناء المشروعات الهيكلية للأنشطة الاقتصادية والاجتماعية المختلفة من طرق وموانئ ومطارات، ومدارس، ومراكز صحية وإعلام، وغيره، وتخفيض تكاليف المعيشة للمواطنين من خلال زيادة حجم الإنتاج الزراعي ورفع مستوى خدمة تسويقه محليًا، واتباع السياسات المالية التي تسهم في خفض الأسعار، وزيادة مستوى الدخل القومي عن طريق إقامة الصناعات التي تتمتع بها سلطنة عمان بميزة نسبية في إنتاجها مثل الصناعات الزراعية، وتنمية الصناعات التقليدية، وقطاع الأسماك، وإقامة صناعة الاسمنت، وزيادة الإنتاج الحيواني والسمكي، وزيادة الإنتاج النفطي من مناطق الاكتشاف الحديثة.
مهام الهيئة ونشاطاتها:
في الأول من سبتمبر 1973م نشرت جريدة “عمان” حوارًا أجرته الجريدة مع الأستاذ كريم الحرمي رئيس هيئة التنمية العامة تحدث فيه عن مهام الهيئة ومسؤولياتها، والدوائر التابعة لها، ونشاطاتها، وخططها المستقبلية.
وذكر رئيس الهيئة أن الهيئة تشمل مركز التخطيط الاقتصادي والإنمائي، ودائرة شؤون النفط والمعادن، ودائرة التجارة والصناعة، ودائرة الزراعة ومصادر المياه، ودائرة شؤون البلديات التي تشرف على بلدية العاصمة والبلديات الإقليمية ودائرة تخطيط المدن.
كما أشار الحرمي إلى أهمية الإحصاءات والبيانات التي تقوم بها دائرة الإحصاء والتي كانت تتكون وقتها من خبير هندي في الإحصاء وثلاثة أخصائيين عمانيين من حملة المؤهلات العلمية في الرياضيات والتجارة والإحصاء.
وعن النفط، أشار رئيس الهيئة إلى أن سلطنة عمان وقعت وقتها اتفاقية أبريل مع شركة صن أويل للتنقيب عن النفط في المنطقة البحرية الواقعة جنوبي جزيرة مصيرة، وأن إنتاج النفط من مناطق امتياز النفط التابعة لشركة استثمار نفط عمان المحدودة سيزيد بواقع 60 ألف برميل في اليوم وسوف يبدأ التصدير في بداية 1975م، عدا عن وجود اتفاقية للتنقيب عن المعادن في شمال عمان.
أما عن قطاع الزراعة فقد ذكر الأستاذ كريم الحرمي أن دائرة الزراعة تأسست في أواخر عام 1970م وكانت تضم مزرعتين تجريبيتين في نزوى وصحار، وحدثت هناك تطورات كثيرة بالنسبة لزيادة حجم الدائرة وزيادة مجالات عملها والمساحات التي تغطيها، وهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الإداري، وقسم الأبحاث، وقسم الإرشاد، وتم إنشاء 16 مركز إرشاد زراعي في مختلف مناطق سلطنة عمان.
المؤتمر الزراعي الثاني
من ضمن الأنشطة التي نفّذتها هيئة التنمية العامة في المجال الزراعي، تنظيم المؤتمر الزراعي الثاني الذي تم تنظيمه في مزرعة (الرميس) في شهر يونيو 1973م واستمر لمدة أربعة أيام، بحضور رئيس ومسؤولي الهيئة، وعدد كبير من المختصين في المجال الزراعي، والمزارعين.
واستعرض المؤتمر نتائج قرارات المؤتمر الأول الذي عقد في عام 1972م، وخطة الدائرة في حقل الإرشاد لعام 1972-1973، وأبرز الخدمات التي قامت دائرة الزراعة خلال الفترة السابقة خصوصًا في مجال التوعية والإرشاد، وتقديم البذور والتقاوي والأسمدة والمبيدات، وتنظيم الدورات التدريبية للمزارعين، وإرسال مجموعة من المرشدين الزراعيين إلى جمهورية الهند لحضور دورة تدريبية متخصصة.
تقارير عامة:
نظرًا لكونها المشرفة على القطاعات الاقتصادية المهمة كقطاع النفط والمعادن، والزراعة، والتجارة والصناعة، عدا عن قطاع الخدمات، فقد كانت الهيئة تقوم برصد المتغيرات المحلية والعالمية في المجالات الاقتصادية، وترفع عددًا من التقارير التي توضح أولويات التخطيط الاقتصادي والإنمائي لسلطنة عمان.
ومن بين تلك التقارير، تقرير تم رفعه في مطلع يوليو 1974م وركّز على عدد من الجوانب من بينها: دعم بناء الهيكل التنظيمي لهيئة التنمية العامة من خلال تأمين احتياجاتها من الطاقة العلمية ذات المستوى الرفيع، ومنحها السلطات الكافية لإدارة وتنظيم العمل التخطيطي في البلاد بالتنسيق والتعاون مع الوزارات الأخرى، وإنجاز عمليات المسوحات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة تمهيدًا لتوفير المعرفة الدقيقة بموارد المياه المختلفة كمقدمة أولى ضرورية لمباشرة العمل التخطيطي على المستوى القومي الشامل، ومباشرة التنسيق مع الوزارات والدوائر الأخرى في تشكيلها للجان التخطيط التي تتولى الإشراف على تشكيل شعب إحصائية وتجميع المعلومات لديها.
الاطلاع على التجارب العالمية
نظرًا لحداثة عهد المؤسسة، والمسؤوليات الكبيرة الملقاة على عاتقها، وتحديات التنمية المختلفة، فقد حرصت هيئة التنمية العامة على استقطاب عدد من الخبرات والكوادر العربية والدولية للاستفادة من إمكاناتهم، ومن بينهم الخبير الاقتصادي فؤاد بسيسو. كما حرصت الهيئة على المشاركات في المؤتمرات الاقتصادية العالمية، والاطلاع على تجارب بعض التجارب العربية والعالمية.
ففي الخامس من شهر يونيو 1973م غادر وفد من الهيئة برئاسة الأستاذ كريم الحرمي إلى الولايات المتحدة الأمريكية ضمن جولة تنظمها منظمة الأغذية والزراعة الدولية للاطلاع على الأساليب الزراعية في المناطق الصحراوية.
وقد أجرى الوفد مباحثات ناجحة مع المسؤولين الأمريكيين، وتم الاطلاع على الأساليب الزراعية الحديثة وأسس التصنيع الزراعي. كما أجريت مباحثات مع عدد من الشركات الخاصة في مجال الزراعة والمياه، وتم الاتفاق على تقديم مجموعة من الدورات التدريبية، كما التقى رئيس الهيئة بالمتدربين العمانيين في مجال الطرق الحديثة لصيد الأسماك.
كما شاركت الهيئة في اجتماعات عدد من المنظمات الاقتصادية العالمية، من بينها: اجتماعات المؤتمر العالمي للاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة (الجات) الذي استضافته مدينة طوكيو في سبتمبر 1973م. كما تسلمت الهيئة مذكرة من اللجنة الدائمة للدول الآسيوية في جنيف لاستطلاع رأي سلطنة عمان في عقد اجتماع تمهيدي لاجتماع “الجات” لمجموعة الدول الآسيوية، وقد شاركت الهيئة في ذلك الاجتماع بوفد ضم الأستاذ علي داؤد نائب رئيس الهيئة، والخبير الاقتصادي بالهيئة الأستاذ فؤاد بسيسو.
وشاركت الهيئة في أعمال مجلس التجارة والتنمية الدولي الذي عقد في جنيف خلال الفترة من 21 أغسطس إلى 21 سبتمبر 1973م.
وقام رئيس الهيئة في أكتوبر من عام 1973م بزيارة إلى المملكة العربية السعودية أجرى من خلالها مباحثات اقتصادية مع عدد من المسؤولين السعوديين. كما اطلع رئيس الهيئة والوفد المرافق له على نماذج من التجارب السعودية في مجال التنمية المختلفة.
أنشطة متنوعة:
نفّذت الهيئة العامة للتنمية العديد من المشروعات والأنشطة الداخلية خلال الأشهر التي شهدت قيامها، فقد حرصت على إصدار عدد من التقارير والكتيبات الإحصائية عن سلطنة عمان من بينها كتيّب بعنوان: " لمحة عن عمان" تضمّن مجموعة من الإحصاءات والمعلومات عن سلطنة عمان خلال عام 1972م، وضم معلومات عن الموقع، ومساحة الأرض، والمناطق الجغرافية المختلفة، وأهم المدن الرئيسة، وإحصاءات عن السكان والأنشطة المختلفة.
وفي إطار اهتمامها بالتراث العماني والحفاظ عليه، قامت هيئة التنمية العامة في عام 1973م بإقامة ورشة لبناء السفن في صور لصنع نماذج السفن وزوارق الصيد. كما قامت الهيئة بشراء السفينة “عطية الرحمن” التي كانت تمتلكها أسرة “البلال” في مدينة صور، وتم وضع السفينة في مدخل ميناء مطرح.
وفي إطار سعيها إلى تدريب وتأهيل الكوادر العمانية العاملة في القطاعات الاقتصادية، فقد حرصت الهيئة على تنظيم دورات تدريبية داخلية وخارجية لمزيد من التدريب والتأهيل واكتساب الخبرات، والاطلاع على التجارب الدولية المختلفة، ومن تلك الدورات: إيفاد ثمانية صيادين في بعثة إلى الولايات المتحدة الأمريكية تستغرق ثلاثة أشهر.
كما افتتحت هيئة التنمية العامة منتصف عام 1973م خمس بلديات جديدة في كلٍ من البريمي، وعبري، ومصيرة، والرستاق، وسمائل، وذلك في إطار جهودها في مجال العمل البلدي وتنظيم الولايات.
وفي إطار اهتمامها بالعمل والتنظيم البلدي كذلك، شكّلت الهيئة لجنة خاصة لتسمية الشوارع في مسقط ومطرح ضمّت ممثلين عن وزارة شؤون الأراضي، ودائرة تخطيط المدن، ومحافظة العاصمة، وبلدية مسقط.
كما أصدرت الهيئة بيانًا حول غلاء المعيشة في سلطنة عمان، وأنها مشكلة عالمية لا تقتصر على سلطنة عمان لوحدها، وأن الحكومة عاكفة على وضع الحلول للحد من هذه المشكلة.
مكتبة الهيئة
ضمن خطتها في مجال الإنماء المهني وتعزيز إمكانات موظفيها، فقد أصدر رئيس الهيئة في أغسطس من عام 1973م قرارًا يقضي بإنشاء مكتبة متخصصة في العلوم الاقتصادية والمالية بصورة خاصة، والعلوم المتعلقة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والمدنية بصورة عامة، تتبع الهيئة، وتقوم بتقديم خدماتها لموظفي الهيئة، وجميع موظفي الدولة، والباحثين، وذلك لعملية توفير المُناخ العلمي لأعمال دوائرها والأقسام التابعة لها.
تغيير المسمّى:
يبدو أن الهيئة التي تأسست في أبريل 1973 لم يقدّر لها الاستمرار في مسمّاها الحالي أكثر من سبعة أشهر كانت حافلة بإنجازات عديدة، ففي السابع عشر من نوفمبر 1973م صدر مرسوم سلطاني نصّ في مادّته السادسة على تغيير اسم هيئة التنمية العامة إلى وزارة التنمية وتعيين الأستاذ كريم أحمد الحرمي وزيرًا لها.
المراجع
- أعداد مختلفة من جريدة “عمان” خلال الفترة من أبريل- نوفمبر 1973م.
