مسقط-أثير
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي
في الأول من نوفمبر 2023م صدر المرسوم السلطاني رقم (٧٥ / ٢٠٢٣) بتعيين أعضاء مجلس الدولة، وكان من بينهم صاحب الرقم (51) في القائمة، وهو أحد الباحثين الأكاديميين المتخصصين في مجال علوم الأفلاج، ورئيس كرسي اليونيسكو لدراسات الأفلاج في جامعة نزوى، وأحد أبرز الخبراء العالميين في هذا المجال، وقد أتى تعيين هذا الباحث المُجيد كتكريم للباحثين العمانيين واعترافًا بفضلهم وإسهاماتهم البحثية المختلفة.

والمثير في الأمر أن هذا الباحث المتخصص في مجال علوم الأفلاج كانت لديه اهتمامات علمية أخرى شغلت كيانه منذ نعومة أظافره، ألا وهي مجال الابتكارات في الأجهزة الإلكترونية والكهربائية حتى وصلت ابتكاراته لحوالي (56) ابتكارًا متنوعًا، واهتمامات أخرى أدبية وفنية ورياضية، ثم جاءت النقلة من الإلكترونيات إلى الأفلاج، ولتلك قصة أخرى.
”أثير“ تقترب في هذا التقرير من سيرة هذا الأستاذ الأكاديمي، والمبتكر، والفنان، وعضو مجلس الدولة، المكرّم الدكتور عبدالله بن سيف بن سالم الغافري، وهو سليل أسرة لها تاريخ طويل في صياغة الذهب والفضة، حتى ارتبط به لقب (الصائغ)، ويبدو أنه لم يكن صائغًا فقط للذهب، بل أسهم في صياغة أشياء كثيرة عاد مردودها واضحًا في مسيرة التنمية العمانية.
والدكتور عبدالله بن سيف الغافري باختصار هو رئيس كرسي اليونيسكو لدراسات الأفلاج-آركيوهيدرولوجي, بجامعة نزوى، حصل على درجة الدكتوراه في المصادر البيئية (الأفلاج العمانية) في عام 2004م، وعلى درجة الماجستير في إدارة المياه الزراعية في عام2001م، وكلاهما من جامعة هوكايدو، اليابان. كما حصل على درجة بكالوريوس علوم في الميكنة الزراعية من جامعة السلطان قابوس عام 1991م.
وهو رئيس الفريق الوطني لمتابعة أعمال اليونيسكو في برنامج ذاكرة العالم من عام 2014م وحتى عام 2021م، وهو عضو هيئة تحرير مجلة الدراسات العمانية منذ عام 2008م حتى الآن، وشارك في التأسيس وعضو اللجنة الرئيسة ولجنة التحرير واللجان العلمية للموسوعة العمانية. كما أنه اشترك في التأسيس وعضو اللجنة العلمية لموسوعة الجبال العمانية.
في هذا التقرير سنتوقف عند البدايات في مجال الابتكارات، ثم نتناول النقلة من الإلكترونيات إلى الأفلاج، وسنقف عند التحديات التي واجهت مسيرة هذا الأكاديمي، وسنتعرف إلى علاقته بالأفلاج حتى أصبح خبيرًا عالميًا في علومها، ولابد من بعض الوقفات هنا وهناك مع بعض الهوايات والاهتمامات والتكريمات.
البدايات
يبدو أن عام 1986م كان عامًا استثنائيًا في شريط حياة أحد فتيان ولاية عبري وقتها، فقد شهد ذلك العام إجراء عدّة لقاءات صحفية في مطبوعات إعلامية مختلفة تتحدث عن الموهبة العلمية الكبيرة التي يتمتع بها هذا الفتى الذي لم يتجاوز التاسعة عشرة من عمره وقتها، وعن اختراعاته الإلكترونية المتنوّعة، وعن طموحاته القادمة وأحلامه الكبيرة.
ففي 26 مايو 1986م خصصت جريدة (الوطن) صفحة كاملة للحديث عن هذه الموهبة التي تمكنت من ابتكار (43) جهازًا علميًا، وأجرت لقاءً مع معلم مادة العلوم الذي أشار إلى أنه لمح فيه الموهبة والذكاء من اليوم الأول. كما اقتربت من الفتى المخترع الذي ذكر أنه يخصص 80% من مصروفه لإنفاقه على ابتكاراته ومشاريعه، والذي ناشد الجهات المسؤولة بتوفير الكتب العلمية في المكتبات وإقامة أندية العلوم بمختلف أنحاء السلطنة.

وفي أغسطس من عام 1986م نشرت جريدة (عمان) ضمن إحدى صفحاتها الداخلية قصة شاب من عبري لا يتجاوز عمرة التاسعة عشرة يستعد لدخول الجامعة بعد حصوله على الثانوية بتفوق. كان هذا الشاب مغرمًا بالأجهزة الإلكترونية والكهربائية حتى صارت له ورشته الخاصة التي يقضي بها ساعات عديدة من يومه حتى تمكن من ابتكار عدة أجهزة من بينها جهاز جدول الضرب الإلكتروني، وحارس إلكتروني، ومذبذب لأصوات الطيور، وجهاز مكبر دقات القلب، وغيرها من الاختراعات. كان هذا الفتى يحلم وقتها أن يكمل دراسته في جامعة السلطان قابوس وأن ينشئ مصنعًا كبيرًا للإلكترونيات.

وعلى الرغم من أهمية ذلك العام في ذاكرة هذا الشاب اليانع، إلا أن بداياته تعود إلى قبل ذلك بفترة، ونقصد بها فترة دراسته الابتدائية والاعدادية في مدرسة الشيخ محمد بن سليمان الغافري بالدريز، وبعدها مدرسة الإمام سيف بن سلطان الثانوية في عبري عندما كان عضوًا نشطًا في أغلب أنشطة تلك المدارس، وكان لا يترك نشاطًا دون أن يشارك فيه ولو من باب الفضول والمعرفة.
في الجامعة
كان من البديهي لطالب مُجيد دراسيًا ومهتم بالابتكارات والعلوم أن يلتحق بتخصص قريب من اهتماماته، وهذا ما حصل عندما التحق الطالب عبدالله بن سيف الغافري بكلية الهندسة قسم الإلكترونيات ضمن طلاب الدفعة الأولى لجامعة السلطان قابوس، وبدا وكأن حلم تأسيس مصنع الالكترونيات قد اقترب رويدًا.
ويبدو أن التحاق هذا الشاب بجامعة السلطان قابوس لم يروِ غليل بعض الصحفيين الذين أرادوا أن يتتبعوا مسيرة هذا الفتى بعد أن أصبح طالبًا جامعيًا في قسم الإلكترونيات بكلية الهندسة، وبعد أن توافر له مناخ علمي يساعده على تنمية وصقل مهاراته وإمكاناته العلمية، فأجرى معه الصحفي خميس الفهدي حوارًا على صفحات جريدة الوطن تناول وضعه الحالي والمناخ العلمي الذي يعيشه، بل إنه ذهب إلى الحديث عن مواهب وهوايات أخرى كالرسم، والموسيقى، وكتابة المسرحيات، ورياضة الكاراتيه.

كذلك فعل الصحفي والكاتب الحالي أحمد بن سالم الفلاحي الذي أجرى حوارًا آخر مع فتانا الذي أصبح شابًا يانعًا، على صفحات مجلة (العقيدة) في العدد (626) بتاريخ 8 نوفمبر 1986 تحت عنوان (جولة في عقول شبابنا)، تناول فيه أبرز اهتمامات هذا الطالب الجامعي المُجيد المختلفة، وعدد اختراعاته، وأبرزها، وطموحاته وآماله المستقبلية.



النقلة الكبرى
يبدو أن كثرة الأنشطة التي التحق بها طالبنا الجامعي عبدالله الغافري قد أثّرت على مستواه الأكاديمي وبالأخص في مجال الرياضيات، خصوصًا وأنه لم يترك جماعة طلابية أو نشاطا طلابيا دون أن يشترك فيه، فبعد سنتين من الدراسة في قسم الإلكترونيات شعر أنه بحاجة إلى الانتقال إلى كلية أخرى، وهذا ما حصل عندما انتقل إلى كلية الزراعة وتحديدًا تخصص (الهندسة الزراعية، الميكنة الزراعية) وتخرج منها في صيف عام 1991م كأول الدفعة.

تحديات بحجم الجبال
كانت أحلام طالبنا كبيرة بعد التخرج، فقد كان هدفه أن يكون أكاديميا في كلية الزراعة خصوصًا وأنه الأول على الدفعة، لكن الغريب في الأمر أنه لم يتم تعيينه كمعيد بل أعطي وظيفة (مساعد باحث)، وهي وظيفة معلّقة ما بين وظيفتي الفنّي والمعيد، فقرر عبدالله أن يتخذ من هذه الوظيفة سلمًا لاستكمال طموحه الأكاديمي، وقرّر أن يتقدم للحصول على بعثة لدراسة الماجستير، لكن حصلت تعقيدات إدارية أخّرت في حصوله على بعثة الماجستير، وكان يأمل أن يلتحق بإحدى الجامعات الأمريكية وحصل على قبول مشروط في جامعة (يوتاه) لكنه اصطدم مرة أخرى بالإجراءات والتعقيدات البيروقراطية، فحاول أن يحصل على منحة في إحدى الجامعات الفرنسية من خلال السفارة الفرنسية في مسقط، بعد أن درس اللغة الفرنسية لسنتين، ولم يتم الأمر، ثم سمع أن هناك منحة مقدمة من الحكومة اليابانية لدراسة الماجستير والدكتوراه عام 1997، فقدّم في المنحة وتم قبوله، وبعد أن انتهى من دراسة الماجستير عام 2001 خاطب جامعة السلطان قابوس لإكمال الدكتوراه فكان رد الجامعة أن يعود فورًا، ولكن كان شرط المنحة هو استكمال الدراسة بشكلٍ مباشر وإلا سيتم قطعها، ونجح بعد عدة محاولات ومراسلات مع إدارة كلية الزراعة أن يتم استثناؤه لإكمال دراسة الدكتوراه التي حصل عليها في مجال المصادر البيئية (الأفلاج العمانية) من جامعة هوكايدو اليابانية عام 2004.


عندما عاد الدكتور عبدالله حاملًا آمالًا بحجم الجبال القريبة من منزل أسرته في الدريز، كان يعتقد أن تغيير مسماه إلى أستاذ أكاديمي هي مسألة وقت خصوصا بعد حصوله على شهادة الدكتوراه وفي تخصص نادر وفي الوقت نفسه قريب من احتياجات البيئة العمانية ويتوافق مع مسمى وأهداف الكلية التي يعمل بها، وخلال تلك الفترة قام بتدريس خمس مواد تحت مسمى (باحث مشارك)، ثم تحولت تلك الآمال إلى آلام عندما أتى رد اللجنة بالاعتذار كون أن تخصص الأفلاج غير موجود في كلية الزراعة!
لم ييأس الدكتور عبدالله الغافري خصوصًا وهو القارئ النهم الذي مرّت عليه قصص العديد من الناجحين والتحديات التي مروا بها في بدايات طريقهم، فقدّم طلبه مرةً أخرى، وهنا طُلب منه أن يلتحق بقسم الجغرافيا كونه القسم الأقرب إلى تخصصه، وعندما قدّم تم الرد عليه بالرفض للمرة الثانية كون أن التخصص بعيد عن اهتمامات القسم! فلم ييأس مرةً أخرى وقدّم للمرة الثالثة، وللمرة الثالثة يأتي الرد في 2007 بالرفض نظرًا لارتفاع نسبة التعمين وعدم وجود درجة مالية!.
هنا لم يكن أمام الدكتور سوى تقديم استقالته والانتقال إلى جامعة نزوى التي رحبت به، حيث قدّم لهم توصيفًا لمادة الأفلاج العمانية وبدأ في تدريس المادة منذ 2008 قبل أن تتحول فيما بعد إلى أكبر من مجرد مادة، بل مشروع أكاديمي عالمي تشدّ إليه الركاب من مختلف دول العالم للاطلاع على تجربته الفريدة، وللاستفادة من خبرات باحثيه وعلى رأسهم مؤسسه.
أبو الأفلاج العمانية
كان من ضمن المبررات المهمة التي جعلت الدكتور عبدالله بن سيف الغافري يحثّ خطاه صوب الفلج القريب من منزلهم ليتجاوزه إلى أفلاج العالم في إيران، والمغرب، وغيرها، بل يهب سبع سنوات من عمره لدراسة علومها، وسنوات أخرى في الاهتمام بعلومها الأخرى ونقل تجاربه إلى جيل آخر يكمل المسيرة لدرجة أن البعض أطلق عليه (أبو الأفلاج العمانية) هو قلة الباحثين العمانيين في مجال الأفلاج، والأهمية الكبرى للأفلاج بالنسبة لسلطنة عمان حيث شكّلت كيانًا اجتماعيًا فريدًا لدرجة أنه أطلق عبارة ”عمان هبة الأفلاج“.
مشاركات عديدة:
شارك الدكتور عبدالله بن سيف الغافري بصفته الأكاديمية في العديد من المؤتمرات، والندوات، والورش. كما قدّم عددًا كبيرًا من المحاضرات على المستوى المحلي والعالمي، ولعل من بين تلك المشاركات على سبيل المثال لا الحصر: مشاركته كمدير لوحدة بحوث الأفلاج- في ورشة العمل (Archaeohydrology of Oases and Cities Water Management, Climate, Technological Change and Social Contexts) والتي اقيمت في برلين الألمانية عام 2017.
وخلال الورشة الدولية للاركيوهيدرولجي اختارت اللجنة الاستشارية الدولية الدكتور عبدالله الغافري كعضو في اللجنة لتأسيس تخصص علمي أكاديمي جديد هو (Archaeohydrology) يعنى بالربط بين علوم المياه وعلوم الآثار والعلوم الهندسية والاجتماعية.

وفي يوم الخميس الثامن من فبراير ٢٠١٨م قدّم الدكتور عبدالله الغافري محاضرة بعنوان ”الأبعاد الحضارية للأفلاج العمانية“ في مقر النادي الثقافي بالقرم.

وضمن سلسلة المحاضرات التي ينظمها مجلس بوشر الثقافي، ألقى الدكتور عبدالله بن سيف الغافري محاضرة بعنوان ”الأفلاج والزراعة التقليدية في عمان“ وذلك في مجلس بوشر العام، حيث عرّف بنظام الأفلاج والنشأة التاريخية له، وأهمية الفلج كمصدر حياة يقوم عليه الاقتصاد وتبنى عليه المجتمعات بالإضافة إلى اعتباره مصدر زراعي ومورد سياحي مهم، علاوة على ما يجسده الفلج من أهمية تاريخية وتراثية وثقافية في حياة العمانيين.

كما قدّم الدكتور عبدالله بن سيف الغافري دراسة مقارنة بين ”الأفلاج العمانية والخطارات المغربية“ ضمن فعاليات ندوة ”العمارة الإسلامية في المملكة المغربية وسلطنة عُمان: الترميم والأرشيف“، خلال الفترة من 1-2 أكتوبر 2019م.

وقام الدكتور عبدالله بن سيف الغافري بزيارة إلى جمعية ”الساقية“ بولاية نيو مكسيكو الأمريكية وهي جمعية زراعية في مدينة البوكيركي التي يقطنها غالبية من السكان الأصليين للولايات المتحدة وبعض من المهاجرين الأسبان، حيث قدّم الدكتور عبدالله محاضرة عن الأفلاج العمانية وأنظمة الأفلاج العمانية:

وشارك الدكتور عبدالله الغافري ممثلًا لكرسي اليونسكو لدراسات الأفلاج في الندوة الوطنية لتوثيق الموروث الفلكي العُماني والتي نظمتها الجمعية العمانية للفلك والفضاء بالتعاون مع المتحف الوطني ووزارة التراث والسياحة في 27 فبراير، حيث قدّم ورقة بحثية تناولت موضوع استعمال النجوم لتوقيت الري في الأفلاج، كما قدّم ورقة بحثية أخرى ضمن الجلسة الثانية بعنوان ”الساعة التقليدية لتوقيت الري بالنهار في الأفلاج ”.

وشارك الدكتور عبدالله بن سيف الغافري، عضوًا ضمن اللجنة العلمية لـ(موسوعة جبال عُمان)، التي أُطلقت في أواخر شهر ديسمبر من عام 2020م برعاية صاحب السمو السيد شهاب بن طارق آل سعيد، نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع؛ إذ تقع هذه الموسوعة في 3 مجلدات بين دفوفها ١٧٠٠ صفحة.

صورة توضح بطاقات المشاركات العديدة للدكتور عبدالله الغافري في المحافل المختلفة
كرسي اليونسكو لدراسات الأفلاج
يعد ”كرسي اليونسكو لدراسات الأفلاج“ من المشروعات العلمية الأكاديمية الرائدة في سلطنة عمان، عدا عن تخصصه النوعي في مجال له علاقة وطيدة بثقافة المجتمع العماني. وقد أتى تأسيس هذه الوحدة في جامعة نزوى على يد الدكتور عبدالله بن سيف الغافري على مراحل يمكن إيجازها في الآتي:
كانت البداية مع فكرة تأسيس الكرسي من خلال قيام الدكتور عبدالله الغافري بتدريس مادة (الأفلاج العمانية) باللغة العربية بالجامعة عام 2008م، وكان يتم طرحها خلال الفصلين الدراسيين والفصل الصيفي، (لاحقًا أضاف الدكتور عبدالله مادة أخرى عن دراسات الأفلاج مخصصة لكلية الهندسة تدرّس باللغة الإنجليزية، بدأ تدريسها في خريف عام 2020)، بعدها تقدم الدكتور عبدالله بطلب إلى رئيس جامعة نزوى بتأسيس مركز لدراسات الأفلاج، ولكن بسبب محدودية الإمكانات عدّل رئيس الجامعة المسمى الى ”وحدة بحوث الأفلاج“، والتي أعلنت الجامعة عن تأسيسها عام 2012 وتعيين الدكتور عبدالله الغافري مديرا لها.
في عام 2014م شارك الدكتور عبدالله الغافري في ندوة كراسي السلطان قابوس الدولية التي أقيمت في طوكيو، اليابان، وبعدها مباشرة قدم طلبًا لمركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم بتأسيس كرسي السلطان قابوس لدراسات الأفلاج، ولكن لظروف معينة، تم التقدم لمنحة بحثية خاصة بالأفلاج، وتم قبول طلب المنحة، والحصول على منحة مالية مجزية من المركز.
وفي مارس عام 2019م وبالتعاون مع اللجنة الوطنية العمانية لليونسكو وجمعية المياه العمانية، قدم الدكتور الغافري طلبًا لتأسيس كرسي اليونسكو للأفلاج بجامعة نزوى، بعد حصوله على الموافقة المبدئية من رئيس الجامعة، الذي دعم الفكرة بصورة كبيرة، وقد وافقت اليونسكو على الطلب من التقديم الأول وفي مايو 2021م أعلنت جامعة نزوى تأسيس الكرسي وتعيين الدكتور عبدالله الغافري أستاذا له.
ويعد أول كرسي لليونسكو في جامعة خاصة بالسلطنة ولدراسات الأفلاج في العالم، ويسعى إلى إنشاء منصة دولية تسمح للباحثين من المعاهد الأكاديمية والبحثية، بإجراء مناقشات تؤدي إلى فهم أفضل لطبيعة الأفلاج والجوانب الاجتماعية ودورها في الحياة والثقافة والتراث العُماني، ويتيح الكرسي أيضاً الفرصة لمجموعة متنوعة من علماء الهيدرولوجيا والآثار والاقتصاديين وعلماء البيئة والأنثروبولوجيا والهندسة الزراعية في العالم، بالمشاركة في البحوث العلمية المتعلقة بقضايا الأفلاج.

ويمكن أن نعد هذا الإنجاز بمثابة تكريم معنوي، أو حصاد مثمر للجهود الكبيرة التي بذلها هذا العالِم (وهو لا يحبذ إطلاق هذا المصطلح عليه على الرغم من استحقاقه له بامتياز)، فالرجل الذي بذل سنوات عديدة من جهده للانطلاق من نقطة الصفر حتى الوصول إلى هذه المكانة العلمية لسلطنة عمان في مجال علوم الأفلاج، كان يستحق أن يرى جهوده الحثيثة وهي تينع وتزهر أخيرًا.
إنجازات عديدة
خلال فترة رئاسة الدكتور عبدالله بن سيف الغافري – التي ما تزال- نفّذ الكرسي العديد من المشروعات من بينها: مشروع البحث التجريبي التقني لمنظومة ”لمد “ الرقمية والممول من صندوق التنمية الزراعية والسمكية، ومشروع دراسة أثر التوسع العمراني واستخدامات الأراضي على مناطق الاحتياج القائمة على أنظمة الأفلاج، وهو مموّل من مركز السُّلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم، ودارسة مشروع تأثير توفر المياه ”مياه الأفلاج“ على التفاعل والتكيف في مجتمعات الأفلاج في محافظة الداخلية بتمويل من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، ويهدف إلى ربط التاريخ البيئي لسلطنة عمان بالآثار العملية لتقنية الأفلاج واستراتيجيات التكيف لدى المجتمعات المحلية.
من بين المشروعات الأخرى التي نفذها الكرسي: مشروع لدراسة مستجمعات المياه الجوفية لأفلاج ولاية نزوى باستخدام خوارزميات التعلم الآلي والتقنيات الجغرافية المكانية، وهذا البحث بتمويل من جامعة نزوى، ومشروع لدراسة الحالة الهيدرولوجية الأثرية لفلج السحاماه الأثري واقتراح مجموعة من الإستراتيجيات لإعادة تأهيله، بجانب مشروع آخر لدارسة أنظمة الأفلاج باستخدام البيانات الجغرافية المكانية والاستشعار عن بُعد لتقييم ووضعها الهيدرولوجي وتأثير المتغيرات البيولوجية في جودة المياه والأنشطة البشرية وتفاعلاتها مع الأفلاج، وهذا المشروع مموّل من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار.
تكريم
نظرًا لأدواره الرائدة وخصوصًا في المجالات الأكاديمية والبحثية، فقد تم تكريم الدكتور عبدالله بن سيف الغافري لجهوده البحثية والعلمية في مجال الدراسات والإنتاج الفكري في حفل تكريم المبدعين الثقافيين الخليجيين بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والذي استضافته دولة قطر في الخامس عشر من الشهر الجاري لعام 2015م.


كما تم تكريمه ضمن فعاليات معرض الكتاب عام 2018م ضمن ثلاث شخصيات عمانية ممن لهم إسهامات بارزة في مجالات الدراسات والأنشطة الثقافية والفكرية ابتداء من هذه الدورة.

ولا ننسى التكريم المهم من قبل المقام السامي لجلالة السلطان هيثم بن طارق باختياره عضوًا في مجلس الدولة عام 2023م والذي يعد تكريمًا لكل باحث وأكاديمي عماني مُجيد.
الابتكارات من جديد
في الوقت الذي اعتقد فيه البعض ولعل الدكتور عبدالله من ضمنهم، أن علاقته بالابتكارات والاختراعات قد انتهت نظرًا لمشاغله البحثية العديدة، إلا أنه عاد مرةً أخرى إلى هواية الابتكارات التي أحبها منذ صغره، وأنشأ في عام 2010م معملًا خارج بيته لممارسة هوايته، ومن هواياته الأخرى جمع الأجهزة الإلكترونية القديمة، من بينها أجهزة راديو تعود إلى 1917، و1931، و1941، 1947و1953، وغيرها من خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وجميعها تعمل بحالة جيدة، كما أنه متابع للمزادات التي تقام في مجال بيع الأجهزة القديمة ويحرص على اقتنائها بين حينٍ وآخر.



اهتمام بالتوثيق
على الرغم من مشاغله العديدة واهتماماته العلمية البحتة، إلا أن للدكتور عبدالله بن سيف الغافري اهتماما مثيرا آخر، ألا وهو مجال الأرشيف، حيث اهتم الدكتور في فترةٍ من الزمن بجمع الأخبار المتعلقة بحرب الخليج الثانية وهو يحتفظ اليوم بالعديد من قصاصات الصحف التي تتناول تلك الحرب. كما قام بتدوين الأحداث اليومية للحرب، ويمكن للباحثين المختصين في مجال الشؤون السياسية العودة إلى ذلك الأرشيف للاستفادة منه. ونعرض هنا نماذج من ملفات هذا الأرشيف:



كما أن لدى الدكتور عبدالله بن سيف الغافري اهتماما كبيرا بجمع الأرشيف الخاص به منذ المراحل الحياتية الأولى، فعدا عن احتفاظه بأغلب الشهادات، والصور، والحوارات الصحفية في مراحل حياته المختلفة، فإنه كان حريصًا على تدوين سيرته الذاتية وأنشطته المختلفة من خلال ملفات زمنية وثّق من خلالها أنشطته وفق المراحل الزمنية المتوالية. ومن بين نماذج ذلك التوثيق:



تأسيس النادي العلمي العماني
حرص الدكتور عبدالله الغافري في الحوارات التي كانت تجرى معه وهو في البدايات قبل دخوله الجامعة وبعدها بفترة بسيطة على أن ينادي بأهمية تأسيس أندية علمية في الولايات لتكون حضنًا يعود إليه المهتمين بالابتكارات يصقلون فيه مهاراتهم، وينمّون فيه إمكاناتهم.
وفي السنة الثانية له في الجامعة قدّم الدكتور لعمادة شؤون الطلاب مسودة لتأسيس النادي العلمي العماني، ثم تم تقديمها إلى إدارة الجامعة ولكن تم رفض المشروع، ثم سمع لاحقًا أن الهيئة العامة للأنشطة الرياضية والشبابية بصدد إنشاء نادي علمي فشارك معهم وكان من المؤسسين وعضوًا في مجلس الإدارة لبعض الفترات.



نشاط إعلامي زراعي:
عدا عن إسهاماته الأكاديمية، واهتمامه بمجال الابتكارات، فإن للدكتور عبدالله بن سيف الغافري نشاطا إعلاميا بارزا، فهو ضيف دائم على العديد من البرامج الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة التي تتناول النشاط الزراعي بصورة عامة، والموضوعات المتعلقة بالأفلاج العمانية بصفة خاصة وما يرتبط بها من بحوث وأنشطة.
كما أعدّ وقدّم العديد من البرامج الإعلامية المتخصصة في المجال الزراعي، من بينها: برنامج ”الافلاج حياة“ من (30) حلقة عبارة عن دورة مختصرة حول دراسات الافلاج بلغة علمية مبسطة، كما تحوي على معلومات مرتبطة بالأفلاج كالشعر، والأساطير والحكايات الشعبية، والأمثال.
وأعدّ الدكتور عبدالله الغافري أيضًا المادة العلمية للمسلسل الإذاعي ”أثر الماء“ في ثلاثين حلقة، وهو من إعداد المذيع إبراهيم اليحمدي وتم تمثيل حلقاته في بيروت، لبنان، ويتناول الأفلاج العمانية وما يتعلق بها من ثقافة محلية.
وأعدّ الدكتور الغافري وقدّم كذلك برنامج ”بيتي مزرعة“، وهو عبارة عن دورة زراعية للمبتدئين في الزراعة من ثلاثين حلقة، عدا عن المواد العلمية التي يقدمها على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي (اكس) بالإضافة إلى تفاعله مع أسئلة المغرّدين والردّ على استفساراتهم الزراعية.