الأولى

رغم قوته واستراتيجياته: صندوق الثروة السيادية النرويجي ينخفض أداؤه

صندوق الثروة السيادية النرويجي

أثير- سعيد العزري

تُعد صناديق الثروة السيادية اليوم من أبرز الأدوات الاقتصادية التي تستخدمها الدول لتعظيم العوائد من الفوائض المالية، وتنويع مصادر الدخل، وضمان الاستقرار المالي على المدى الطويل.

وفي مقدمة الصناديق السيادية يأتي صندوق التقاعد الحكومي العالمي (Government Pension Fund Global – GPFG)، الذي يُعتبر الأكبر في العالم من حيث حجم الأصول، الذي تأسس في التسعينيات لاستثمار عائدات النفط وتأمين مستقبل الأجيال القادمة، من قبل البنك المركزي النرويجي (Norges Bank Investment Management). ويبلغ حجم أصوله أكثر من 1.5 تريليون دولار أمريكي، موزعة على أكثر من 9000 شركة في أكثر من 70 دولة، ويتّبع الصندوق سياسة استثمارية صارمة تعتمد على المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG)، ما يجعله أحد أكثر الصناديق التزامًا بالاستدامة الأخلاقية والمالية و يُوزّع محفظته الاستثمارية بين الأسهم حوالي (70%) ، والسندات (25%) والعقارات والبنية التحتية (5%)

هذه القوة الاستثمارية الهائلة تمنحه تأثيرًا واسعًا في الأسواق المالية العالمية، ويجعله أداة سيادية مؤثرة تتجاوز حدود النرويج، بحيث يمكن أن تؤثر تحركاته الاستثمارية على أسعار الأسهم والسندات في كبرى الأسواق، ويُنظر إلى الصناديق السيادية – مثل GPFG – على أنها صمّامات أمان اقتصادي، خاصة في فترات الركود أو تراجع أسعار الموارد الطبيعية، إذ تُسهم في تحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي، وتوفير موارد مستدامة لدعم ميزانيات الدول على المدى الطويل.

خسارة مدفوعة بتراجع التكنولوجيا

في الربع الأول من هذا العام، أعلن صندوقالتقاعد الحكوميالعالمي النرويجي (GPFG) عن خسارة بلغت حوالي 415 ملياركرونة نرويجية، أي ما يعادل نحو 39.7 مليار دولارأمريكي، متأثرًا بانخفاض أداء قطاع التكنولوجيا في الأسواق العالمية، الذي يُشكل أحد أعمدة استثماراته الرئيسة.

وفقًا لتقارير مالية حديثة، سجل الصندوق عائدًا سلبيًا بنسبة 0.6% في الربع الأول من 2025، إلا أنه تفوق بفارق بسيط قدره 0.16 نقطة مئوية على المؤشر المرجعي المعتمد لديه. جاء هذا التراجع مدفوعًا بالأداء الضعيف لأسهم شركات التكنولوجيا الكبرى مثل Apple وMicrosoft وNvidia، والتي تُعد من أبرز استثمارات الصندوق.

في المقابل، عوّضت استثمارات السندات جزءًا من هذه الخسائر، محققة عائدًا إيجابيًا بنسبة 1.6%، ما يشير إلى فاعلية التوزيع المتوازن للأصول في مواجهة تقلبات السوق.

تغييرات في التوزيع الاستثماري… قراءة في مؤشرات التحوّط والاستقرار

عكست التغييرات الأخيرة في توزيع الأصول داخل صندوق التقاعد الحكومي النرويجي نهجًا احترازيًا محسوبًا، يأتي في إطار إدارة المخاطر في ظل التقلبات الاقتصادية العالمية التي ألقت بظلالها على أداء قطاعات رئيسية مثل التكنولوجيا والعقارات.

في نهاية الربع الأول من عام 2025، سجلت البيانات تحولًا ملحوظًا في التركيبة الاستثمارية للصندوق:

  • انخفضت حصة الأسهم إلى 70% من إجمالي الأصول، مقارنة بـ 71.4% في نهاية عام 2024.
  • في المقابل، ارتفعت حصة السندات إلى 27.7%، بعد أن كانت 26.6% في نهاية العام الماضي.

هذا التغيير، وإن كان طفيفًا في الأرقام، يعكس توجهًا تكتيكيًا نحو الأمان النسبي الذي توفره أدوات الدخل الثابت، مثل السندات، في مقابل الانكشاف على أسواق الأسهم المتقلبة، وخاصة أسهم شركات التكنولوجيا التي سجلت تراجعًا ملحوظًا خلال الفترة.

وبحسب ما نشرته وكالة Reuters، فإن الخسائر التي تعرض لها الصندوق في قطاع الأسهم بلغت 1.6%، في حين وفرت السندات عائدًا إيجابيًا بنسبة 1.6%، مما يدل على أن إعادة موازنة المحفظة الاستثمارية جاءت استجابة مباشرة للواقع السوقي، بهدف امتصاص الصدمة وتخفيف التأثير على إجمالي العائد.

استراتيجيات طويلة الأمد... وخسائر محسوبة في سياق عالمي مضطرب

وفي تصريحات متكررة لإدارة الصندوق – كما ورد في تقرير Reuters – تم التأكيد على أن “التقلبات قصيرة الأجل جزء من بيئة السوق الطبيعية، ولا تبرر الانحراف عن السياسات الجوهرية التي أثبتت جدواها لعقود”.

كما أن توزيع الاستثمارات عبر أكثر من 70 دولة وأكثر من 9,000 شركة وفّر للصندوق نوعًا من الحماية النسبية، رغم أن الانكشاف الكبير على قطاع التكنولوجيا كان السبب الرئيس وراء الخسائر، بحسب تقرير Fintech Weekly وموقع Reuters.

كما أن الأداء المتراجع للصندوق النرويجي لا يمكن فصله عن السياق العالمي الأشمل، حيث شهدت الأسواق المالية في الربع الأول من 2025 اضطرابات بسبب:

  • الضغوط التضخمية المستمرة في الاقتصادات الكبرى.
  • تقلب أسعار الفائدة في الولايات المتحدة وأوروبا.
  • تصحيح في أسهم شركات التكنولوجيا التي كانت قد سجلت ارتفاعات قياسية في العامين السابقين.

وفي هذا الإطار، لم يكن صندوق النرويج الوحيد الذي واجه هذه الظروف، بل إن العديد من صناديق الثروة حول العالم سجلت نتائج مماثلة أو حتى أسوأ. وهذا يعيد التأكيد على أن الخسائر لم تكن ناتجة عن ضعف في الإدارة، بل نتيجة عوامل اقتصادية كلية خارجة عن السيطرة.

المصادر:

Your Page Title