رصد - أثير
تشهد إسرائيل في الآونة الأخيرة تصاعدا غير مسبوق في وتيرة المقاطعة الأكاديمية على الساحة الدولية، وسط تحولات لافتة في المزاج العام الغربي تجاه سياساتها، خصوصا في ظل استمرار الحرب على قطاع غزة. وفي تقرير نشرته “الجزيرة” ورصدته “أثير”، فإنه بينما تتواصل مشاهد الدمارالإنساني في غزة، تتسع دائرة الرفض وتتعمق الفجوة بين إسرائيل والفضاء الأكاديمي العالمي، مما يهدد بجعل الأوساط الأكاديمية الإسرائيلية “خارج الإجماع”، ليس فقط أخلاقيا، بل أيضا تمويليا واقتصاديا، على حد وصف التقرير.
تصاعد المقاطعة
وثق تقرير للجنة رؤساء الجامعات الإسرائيلية أكثر من 750 حالة “مقاطعة مثبتة” منذ اندلاع الحرب تشمل إلغاء مِنح ورفض نشر مقالات وقطع علاقات تعاون من قبل جامعات ومؤسسات أكاديمية في أوروبا وأميركا، وتُظهر الأرقام تصاعدا مطردا مقارنة بالنصف الثاني من عام 2024، حيث سُجلت نحو 500 حالة فقط، مما يعكس تدهورا متسارعا في موقع إسرائيل الأكاديمي عالميا.
وفي هذا السياق، يبرز إعلان عشرات الجامعات في بلجيكا وهولندا وإسبانيا والنرويج عن مقاطعة شاملة للمؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، وهو ما وصفه رئيس جامعة بن غوريون بأنه “فيروس ينتشر في أوروبا الغربية”، بحسب ما نقلت عنه صحيفة هآرتس، وتتراوح أشكال المقاطعة بين قرارات رسمية بقطع العلاقات، وامتناع غير معلن عن تجديد شراكات أو الرد على رسائل إلكترونية من باحثين إسرائيليين. ويرى نوعام سوبيل الباحث في معهد وايزمان أن جزءا كبيرا من التراجع سببه الفظائع التي تبث يوميا من غزة، مما يجعل إسرائيل “بطاقة حمراء” في عيون زملائها بأوروبا وأميركا.
تمتد تداعيات المقاطعة إلى الاقتصاد مباشرة، فقد أدى تراجع الدعم الأوروبي -خصوصا في إطار برنامج “هورايزون”- إلى خسارة إسرائيل أكثر من 68.5% من حجم المنح التي كانت تتلقاها سابقا، وهو ما يعادل مئات ملايين اليوروات، إذ كانت الجامعات الإسرائيلية من بين أكبر المستفيدين من البرنامج الأوروبي، متفوقة على دول كبرى مثل ألمانيا وفرنسا، بتمويل بلغ 1.1 مليار يورو بين 2021 و2024، لكن المشهد انقلب عام 2025م، وأصبح الاستثمار الإسرائيلي في البرنامج عبئا ماليا في ظل تراجع العائدات، ليصل العجز إلى أكثر من مليار شيكل سنويا.
وفي مقال بعنوان “معزولون.. مقاطعة إسرائيل قائمة بالفعل وتتطور بوتيرة مقلقة” كتبت ميراف أرلوزوروف المحللة البارزة في صحيفة “ذا ماركر” عن التحولات المتسارعة في المقاطعة ضد إسرائيل، والتي باتت تترك أثرا ملموسا في الأوساط العلمية والاقتصادية الغربية. وترى الكاتبة أن استمرار العمليات العسكرية في قطاع غزة لا يؤدي فقط إلى تعميق الكارثة الإنسانية، بل يعمق أيضا عزلة إسرائيل الدولية، سياسيا وثقافيا وأكاديميا، لتصبح أداة ضغط فعالة تهدد مكانة إسرائيل في المشهد العالمي للبحث العلمي والتعاون الأكاديمي.
وتحذر الكاتبة من أن استمرار هذه الدينامية التصاعدية قد يفضي إلى مسار يصعب احتواؤه لاحقا، مشيرة إلى أنه “كلما طالت الحرب ازدادت صعوبة وقف التدهور، واتسعت دوائر الرفض والمساءلة، ليس فقط في الشارع، بل في صلب مؤسسات القرار والنخب الفكرية الغربية التي باتت تنظر إلى العلاقة مع إسرائيل كعبء أخلاقي وسياسي متنام”.
عداء صريح
من جهته، نشر نفتالي بينيت -الذي يرى نفسه مرشحا مستقبليا لرئاسة الوزراء- منشورا هذا الأسبوع على منصة إكس حمل عنوانا تحذيريا لافتا “إنذار حقيقي.. انهيار مكانة إسرائيل في الولايات المتحدة”، وقد زينه بأعلام حمراء، في إشارة إلى خطورة الوضع، موضحًا بأن الوضع لم يكن يومًا بهذا السوء. وجاء في المنشور، بأن الحزب الديمقراطي بات يحمل عداء صريحا لها، في حين أن الحزب الجمهوري بدأ يتنصل منها بسرعة، أما الجيل الشاب -سواء من المحافظين أو الليبراليين- فقد ابتعد عاطفيا عن إسرائيل، مدفوعا بصور المجاعة والمعاناة في غزة، والتي غيبت تعاطف الجمهور الأميركي مع قضية المحتجزين الإسرائيليين.
وأشار بينيت إلى أن حملة التجويع في غزة اكتسبت أبعادا ضخمة، حتى باتت تعتبر “حقيقة واقعة” لدى شريحة واسعة من المجتمع الأميركي، وفي ظل هذا السياق ترسم صورة إسرائيل “كعبء ثقيل على كاهل أميركا، لا كشريك إستراتيجي”، فتحولت صور المجاعة في غزة إلى محفز عالمي لعزل إسرائيل سياسيا واقتصاديا.
وبينما يستمر الخطاب الإسرائيلي الرسمي في تجاهل هذه المؤشرات حذر بينيت من اقتراب موجة “تسونامي اقتصادي” قد تضرب إسرائيل قريبا، محملة بعواقب عزلة دولية متنامية يصعب احتواؤها.
المصدر: الجزيرة