رصد - أثير
في خضم عالم تتسارع فيه المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتتزايد فيه تحديات العولمة والتقنيات الحديثة، تبرز الهوية الوطنية العُمانية كركيزة أساسية للحفاظ على مقدرات الوطن ومكتسباته وضمان تماسك نسيجه الاجتماعي.
هذا ما أكدته دراسة علمية محكّمة نُشرت في مجلة الآداب والعلوم الاجتماعية الصادرة عن جامعة السلطان قابوس العدد رقم 16 (2025)، واطلعت عليها ”أثير“، تحت عنوان ”الهُوية الوطنية العُمانية ودورها في حفظ مقدرات الوطن“، لكل من د.نهى بنت حمد الصبحية وأ.د. محمد بن ناصر الصقري.
عدّ الباحثان أن الهوية الوطنية العُمانية اتسمت عبر العصور المختلفة بالوسطية والانفتاح على المجتمعات بمختلف أنواعها، وهي تواجه اليوم تحديات كبيرة تتعلق بحفاظها على خصوصيتها وتميزها في ظل التحولات، إذ أسهمت العولمة في نشر قيم ومفاهيم عالمية جديدة وذوبان الهويات الوطنية، وهدفت الدراسة إلى بحث تأثير الهوية الوطنية العمانية في حماية مقدرات الوطن ومكتسباته وتحديد مدى تأثيرها في تعزيز الانتماء الوطني، بالإضافة إلى تحديد العوامل التي تساعد في تعزيزها والحفاظ عليها.
ما السمات الأساسية للمجتمع العُماني وفقًا للدراسة؟
أكدت النتائج اتصاف المجتمع العُماني بالبساطة والهدوء والطيبة، واختار هذه الصفة 55% بـ”موافق بشدة“ و41% ”موافق“، وفيما يخص تأثير العولمة أشار 39% إلى وجود تأثير سلبي، لكن المجتمع العُماني استطاع مواجهته عبر التعليم وتوجيهات الحكومة، بحسب الباحثين، ويميل المجتمع العُماني إلى التعايش الجماعي والفكر القبلي بنسبة موافقة بلغت 57%، ويتحلى بالقيم الاجتماعية الإيجابية بنسبة تأييد بلغت 51%، ويعمل على تجنب المشكلات الاجتماعية بنسبة 49%.
كما بيّنت النتائج أن المجتمع لا يميل إلى النزاعات، إذ أيد ذلك 49% من المستجيبين، مع تأكيد وجود ثقة متبادلة بين المواطن والحكومة بنسبة 41%. وأخيرًا، تميز المجتمع بالانفتاح، حيث وافق 47% على ذلك، ويظهر ذلك وفقًا للباحثين من خلال استقبال السياح والدارسين بالخارج الذين يمثلون سلطنة عُمان بصورة مشرفة.
كيف يعزز العُمانيون الهوية الوطنية؟
أظهرت الدراسة أن تنمية روح المواطنة السليمة تحظى بأهمية كبيرة، حيث حصلت على نسبة تأييد بلغت 51% لـ ”موافق“ و40% لـ ”موافق بشدة“، ما يجعلها عنصرًا حاسمًا في تعزيز الهوية الوطنية.
كما برزت أهمية ترسيخ مبادئ العقيدة الإسلامية لدى التلاميذ، بحصولها على تأييد قوي بنسبة 58% لـ ”موافق بشدة“، وأكدت النتائج ضرورة المحافظة على العادات والتقاليد العُمانية الأصيلة، التي حصلت على نسبة ”موافق بشدة“ بلغت 55%.
وأشار 48% من المستجيبين بـ ”موافق بشدة“ إلى أهمية الانفتاح الواعي على المنجزات الحضارية المعاصرة في إطار الهوية العربية الإسلامية، وحظي الاعتزاز بالتراث الثقافي العُماني والحضارة العربية الإسلامية بأعلى نسبة تأييد، حيث وافق بشدة 60% من المشاركين.
وعدت الأسرة ركيزة أساسية في تعزيز الهوية الوطنية، إذ حصل دورها على تأييد بنسبة 64% لـ ”موافق بشدة“. كما أكد المشاركون أهمية تعزيز التضامن العربي والإسلامي، الذي وافق عليه 56% منهم بشدة.
وأخيرًا، برزت أهمية تطوير الاتجاهات السليمة نحو العمل والإنتاج، والاستمرارية في الاعتدال والحياد، بحصولها على تأييد بنسبة 49% لـ«موافق بشدة». كما عدّ تطوير المناهج الدراسية عاملًا أساسيًا لتعزيز الهوية الوطنية، حيث حصل على نسبة 54% لـ”موافق بشدة”.
ما أبرز التحديات التي تواجه الهوية الوطنية العُمانية؟
أظهرت الاستبانة تحديات رئيسة من بينها الارتقاء بالقدرات العلمية والثقافية والتقنية، حيث أبدى 46% من المستجيبين موافقتهم على أن هذا الجانب يمثل تحديًا، مع تأكيد 33% بشدة على ذلك.
وجاءت مواجهة التشدد والعنف والتجاوز الفكري والديني بنسبة موافقة مرتفعة بلغت 37%؛ ما يشير إلى وعي المجتمع بخطورة التطرف على استقرار الهوية الوطنية، ودور الحكومة في التعامل مع هذه القضايا بحكمة وسرية.
وحصل الحفاظ على القيم الموروثة والتقاليد العربية والإسلامية على تأييد 47% من المشاركين، وأظهر 34% من المستجيبين أن تأثير الإعلام سلبي في المجتمع العماني؛ ما يشير إلى إسهام انتشار وسائل الإعلام في تشكيك الأفراد بهويتهم الثقافية.
رأى 32% من المشاركين أن إثارة الشبهات حول الهوية العربية والإسلامية لا تمثل تحديًا كبيرًا، في حين عدّ 36% أن الترويج للعولمة يُشكل تهديدًا للخصوصية الثقافية؛ ما يعكس القلق من تأثير العولمة على الهوية الوطنية، خصوصًا مع انتشار أفكار قد تتعارض مع القيم المحلية.
كيف يمكن تعزيز الهوية الوطنية العُمانية؟
خلصت الدراسة إلى أن تعزيز الهوية الوطنية يتطلب مقاربة شاملة تبدأ بتنمية روح المواطنة السليمة، مرورًا بترسيخ مبادئ العقيدة الإسلامية كمظلة للقيم الوطنية، وصولًا إلى المحافظة على العادات والتقاليد العُمانية الأصيلة التي حظيت بتأييد أكثر من 91% من المشاركين.
وأكد الباحثان دور التعليم كخط الدفاع الأول، عبر تطوير المناهج الدراسية لتشمل مقررات تُعنى بالهوية الوطنية، وتصميم محتوى يتناسب مع عقول واهتمامات الأجيال الحالية والمستقبلية، إلى جانب إدماج القيم الوطنية في الأنشطة المدرسية والمشاريع البحثية.
توصيات الدراسة لتعزيز الهوية الوطنية:
- استمرار الاحتفاء بالمناسبات الوطنية، وإشراك طلاب المدارس في الفعاليات.
- السير على نهج تسمية الأعوام بمسميات تراثية ودلالية تعكس الهوية الوطنية.
- تعزيز الدور الإعلامي التقليدي والرقمي في نشر الوعي بالهوية الوطنية والمواطنة.
- إنشاء مَجمع خاص للغة العربية وسنّ القوانين التي تؤكد استخدامها الرسمي.
- ترسيخ ثقافة الحوار بين المثقفين والباحثين والمجالس التشريعية، واعتماد الهوية الوطنية كمعيار للجوائز والبرامج.
- تشجيع الشباب العماني على الابتكار ودعمه للتنفيذ والنشر.
- إعداد الشباب للمشاركة في خطط التنمية وتعزيز سلوكيات المواطنة الواعية.
- تفعيل دور الملحقيات الثقافية العمانية بالخارج كمراكز حضارية وإعلامية.
- الاهتمام بالصحة النفسية وتقديم برامج تدعمها كجزء من مكونات الهوية الوطنية.
ما الإطار العملي لحماية الهوية الوطنية مستقبلاً؟
ترى الدراسة أن الحفاظ على الهوية الوطنية العُمانية يتطلب تضافر الجهود بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والأفراد، وأن أي إهمال قد يؤدي إلى تراجع قيم الانتماء وتآكل الخصوصية الثقافية، مؤكدةً أن الهوية الوطنية ليست عنصرًا ثابتًا جامدًا، بل كيان حيّ يتطور مع الزمن شرط أن يبقى وفياً لجذوره ومرتكزاته الدينية والثقافية.
وتخلص الدراسة إلى أن الهوية الوطنية، بما تحمله من تاريخ وقيم وممارسات، تمثل ركيزة أساسية لاستقرار المجتمع واستمرارية التنمية، وأن الاستثمار فيها يوازي في أهميته الاستثمار في الموارد الاقتصادية، لأنها الضمان الحقيقي لبقاء عُمان قوية في مواجهة التحديات الإقليمية والعالمية.
يذكر أن الدراسة اعتمدت منهجًا بحثيًا كميًا، واستخدمت الاستبانة كأداة رئيسية لجمع البيانات من عينة عشوائية شملت 359 مواطنًا ومواطنة يمثلون مختلف الأجيال والفئات التعليمية، ويُمكنكم الاطلاع عليها كاملةً ( من هنا )
صورة الواجهة مولدة بالذكاء الاصطناعي