الأولى

قراءة في وثيقة عُمانية تعود إلى 1962م

وثيقة عُمانية

أثير- تاريخ عمان

إعداد: د. محمد بن حمد العريمي

عنوان الوثيقة: تنظيم العبرة في خور البطح

تاريخ الوثيقة: 30 جمادى الأول 1382هـ الموافق 29 أكتوبر 1962م

مصدر الوثيقة: أرشيف الفاضل جاسم بن محمد الغيلاني

فحوى الوثيقة:

نظرًا لطبيعة الموقع الجغرافي والتضاريس المرتبطة بمدينة صور من حيث وجود فاصل مائي بين ضفّتيها في الساحل والعيجة، ولوجود الحاجة الملحّة إلى ضرورة التنقّل بين طرفي المدينة لأغراض اجتماعية واقتصادية عديدة، فقد دعت الحاجة إلى وجود نشاط نقل بحري داخلي يربط طرفي المدينة فيما بينهما، من خلال قوارب خشبية تقوم بنقل الأشخاص مع أغراضهم مقابل مبالغ مالية رمزية تفرض على الأغراض، وأطلق على هذا النشاط محليًا اسم (العبرة).

كانت رسوم استخدام قارب العبرة رمزية نسبيًا للأغراض الشخصية التي يحملها الركاب، بينما كانت تُفرض رسوم على الركاب الغرباء من خارج المدينة، وتوجد عدة وثائق تتعلق بتنظيم هذه الرسوم، من بينها وثيقة تعود إلى الستينيات الميلادية توضح أبرز الأغراض والرسوم المقررة لحملها.

وأثناء ولاية السيد ماجد بن تيمور، التي امتدت من عام 1953م إلى منتصف الستينيات من القرن العشرين، صدرت لائحة تنظّم أجور استخدام عُبرة الخور، بناءً على اتفاق بين شيوخ قبيلتي الجنبة وبني بو علي، ممثلي طرفي المدينة (صور الساحل والعيجة)، وقد حرّر ورقة الاتفاق الشيخ القاضي محمد بن راشد بن عزيز الخصيبي بتاريخ 30 جمادى الأول 1382هـ الموافق 29 أكتوبر 1962م.

وقد تضمنت اللائحة أسعار نقل الأغراض والسلع، مثل: جونية الأرز والطحين (5 بيسات)، ونصف جونية (بيستين)، وتنك السمن (بيستين)، وجراب التمر (بيستين)، والدعن (5 بيسات)، والباب (6 بيسات) وغيرها.

أما بالنسبة لنقل الأفراد، فقد حُددت أجرة الرجل الغريب من غير أفراد قبيلتي بني بو علي والجنبة، ومن يرافقهم، ببيستين للرجل والمرأة، وببيسة للبنت. كما أكّد القرار الموجه إلى خلفان بن محمد الغيلاني، القائم بأمر العبرة، ضرورة الاستعداد التام والرقابة الكاملة، مع وجوب التعامل مع الناس بلطف واطمئنان، وحدّد القرار أوقات عمل العبرة، من أول الصباح إلى الظهر، ومن الساعة التاسعة بالتوقيت العربي إلى المغرب.

دلالات الوثيقة:

تحوي الوثيقة عدّة دلالات من بينها:

1. دلالة سياسية: يعكس تنسيق السلطات المركزية مع القيادات القبلية لضمان تنظيم الحياة اليومية، ما يدل على توازن السلطة بين الولاية والقبائل، بالإضافة إلى إبراز دور القائم بأمر العبرة، خلفان بن محمد الغيلاني، يدل على أهمية الرقابة المحلية في تطبيق القرارات الرسمية.

2. دلالة اقتصادية: تنظيم أسعار النقل للسلع والأفراد يشير إلى وجود سوق منظّم وتحكم اقتصادي لضمان العدالة ومنع الاستغلال. كما تعكس الأسعار نوعية السلع الأكثر تداولًا في المجتمع، ما يعطي مؤشرًا على الاقتصاد المحلي ومستوى المعيشة.

3. دلالة اجتماعية وإنسانية: تحديد أجور مختلفة للرجل والمرأة والبنت يظهر الوعي بالتركيب الاجتماعي للأفراد واحترام الأعراف والتقاليد. كما أن التأكيد على عبور الناس “بلطف واطمئنان” يدل على القيم الثقافية المرتبطة بالسلامة والأمانة وحسن المعاملة في المجتمع العماني التقليدي.

4. دلالة إدارية: تحديد أوقات العمل والرقابة التامة يظهر حس الإدارة والتنظيم لدى السلطات المحلية، ويعكس رغبتها في تحقيق الانضباط وتسهيل الخدمات العامة.

وتدل الوثيقة في مجملها على التنظيم والتعاون بين السلطة والقبائل، والنظام الاقتصادي والاجتماعي، واهتمام المجتمع بالقيم الإنسانية، فما حوته ليس مجرد بيان أسعار، بل مرآة اجتماعية واقتصادية وسياسية تعكس طريقة إدارة المدينة في منتصف القرن العشرين، وأهمية التعاون بين السلطة المحلية والقيادات القبلية لضمان النظام والخدمة العامة.

وثيقة

المرجع

  • أرشيف الفاضل جاسم بن محمد بن خلفان الغيلاني.
Your Page Title