رصد – أثير
في حدث يوصف بأنه “الافتتاح الثقافي الأضخم في القرن الحادي والعشرين”، تشهد جمهورية مصر العربية اليوم الأول من نوفمبر 2025م الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير، بمشاركة واسعة من القادة والملوك وكبار الشخصيات من مختلف دول العالم، ويمثل صاحب السمو السيد ذي يزن بن هيثم آل سعيد، وزير الثقافة والرياضة والشباب، سلطنة عمان في هذا الحدث البارز.

يعد هذا الافتتاح تتويجًا لمسيرة امتدت لأكثر من عشرين عامًا، لتقديم حضارة مصر القديمة في صرح حديث يجمع بين العراقة والحداثة، ويجسد الإرث المصري في أبهى صوره أمام العالم.
الفكرة والنشأة
وفق رصد لـ “أثير”، بدأت فكرة إنشاء المتحف المصري الكبير في تسعينيات القرن الماضي، عندما طرحت مصر رؤيتها لإنشاء متحف عالمي يليق بحضارتها الممتدة لآلاف السنين، والتي توجت في عام 2002، بوضع حجر الأساس للمتحف في موقع فريد يطل مباشرة على أهرامات الجيزة، لتكون خلفيته الطبيعية أقدم عجائب الدنيا السبع الباقية، حينها أعلن عن مسابقة معمارية دولية تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) والاتحاد الدولي للمهندسين المعماريين، وفازت شركة هينغهان بنغ الأيرلندية بالتصميم الفريد الذي يحاكي في هندسته امتداد أشعة الشمس من قمم الأهرامات الثلاثة لتلتقي في شكل هرمي ضخم هو كتلة المتحف نفسه، فبدأت أعمال التمهيد والبناء في مايو 2005، وفي العام التالي تم إنشاء أكبر مركز لترميم الآثار في الشرق الأوسط لحفظ وصيانة آلاف القطع الأثرية التي ستُعرض في القاعات المستقبلية، وافتتح هذا المركز رسميًا عام 2010.

من هيئة وطنية إلى مشروع عالمي
- عام 2016م أصدر رئيس الوزراء قرارًا بإنشاء وتنظيم هيئة المتحف المصري الكبير، ثم أُعيد تنظيمها عام 2020 كهيئة اقتصادية مستقلة تتبع الوزير المختص بشؤون الآثار.
- في عام 2021 اكتمل بناء المتحف على مساحة تجاوزت 300 ألف متر مربع، ليكون بذلك أكبر متحف في العالم مخصص للحضارة المصرية القديمة.
- يضم مجلس أمناء المتحف نخبة من كبار الشخصيات والخبراء الدوليين والمصريين، برئاسة رئيس الجمهورية، ويُعنى بوضع الخطط والسياسات العامة لهذا الصرح الحضاري الفريد.
ماذا يميز المتحف المصري الكبير؟
يعد المتحف منظومة متكاملة من الفن والهندسة والمعرفة، فهو ليس مجرد مبنى ضخم، ومن أبرز ما يميزه:
1. موقعه الفريد: يطل مباشرة على أهرامات الجيزة، في تكامل بصري بين الماضي والحاضر.
2. تصميمه المعماري: واجهته الحجرية والزجاجية تجعله يبدو وكأنه “الهرم الرابع”، ودرجه العظيم يقود إلى واجهة بانورامية تطل على الأهرامات.
3. مقتنياته الأثرية: يضم أكثر من 100 ألف قطعة أثرية تمثل 30 سلالة فرعونية، من عصور ما قبل الأسرات وحتى العصرين اليوناني والروماني.
4. كنوز توت عنخ آمون: تُعرض لأول مرة كاملة منذ اكتشاف مقبرته عام 1922، وتشمل أكثر من 4500 قطعة من الذهب والمجوهرات والأثاث الجنائزي.
5. تمثال رمسيس الثاني: يستقبل الزوار في بهو المتحف، بارتفاع 11 مترًا ووزن 83 طنًا، بعد أن جاب العالم في جولات عرض دولية.
6. المراكب الشمسية للملك خوفو: أُنشئ مبنى خاص بمساحة 4000 متر مربع لاستضافة أكبر قطعة أثرية خشبية في التاريخ، بطول 43.5 مترًا.
7. مراكز تعليمية وثقافية: يضم متحفًا للأطفال، قاعات عرض مؤقتة، مركزًا للمؤتمرات، سينما، مكتبات، ومناطق ترفيهية وتجارية.
8. أحدث تقنيات العرض: يستخدم شاشات تفاعلية وتجارب رقمية توظف الذكاء الاصطناعي والعرض ثلاثي الأبعاد لتعزيز تجربة الزوار.

إضافة ثقافية وتاريخية واقتصادية
تتشكل الإضافة الثقافية والتاريخية للمتحف كونه يروي قصة خمسين قرنًا من التاريخ المصري، عبر اثنتي عشرة قاعة عرض تمتد من عصور ما قبل التاريخ وحتى الحقبة اليونانية الرومانية، ما يجعله موسوعة حضارية بصرية تعكس عبقرية المصري القديم في البناء والفكر والفن.
كما يضم مركزًا علميًا عالميًا للترميم والدراسات الأثرية، ومخازن مفتوحة للباحثين، ومختبرات مجهزة بأحدث التقنيات، ما يجعله منارة بحثية للعلماء والمهتمين بالتراث الإنساني.
اقتصاديًا، يمثل المتحف أحد أكبر المشاريع الاستثمارية الثقافية في مصر، إذ تجاوزت كلفته مليار دولار، ومن المتوقع أن يستقطب أكثر من خمسة ملايين زائر سنويًا، مما ينعش قطاع السياحة ويدعم الاقتصاد الوطني، إلى جانب توفير فرص عمل مباشرة وغير مباشرة في مجالات الخدمات، الضيافة، والصناعات الثقافية.

متحف يروي قصة حضارة لا تموت
يُعد المتحف المصري الكبير خطوة استراتيجية في إحياء الهوية المصرية وتقديمها للعالم في قالب معاصر، ليكون بوابة نحو فهم الحضارة المصرية كجزء من التاريخ الإنساني المشترك.
ومن خلال افتتاحه اليوم، بمشاركة قادة العالم، تتحول الجيزة إلى مركز عالمي للثقافة والسياحة، ليغدو هذا الصرح شاهدًا جديدًا على أن الحضارة المصرية القديمة لم تنته، بل تجددت بروح القرن الحادي والعشرين، فهل تخطط لزيارته؟
المصادر:

