رصد - أثير
كتب الكاتب والصحفي العراقي سلام عادل مقالًا في موقع “إنفو بلس” عن حوار المنامة، مسلطًا الضوء على ما قاله معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي، وزير الخارجية، حول الأمن الإقليمي وإيران ودور إسرائيل في غياب الأمن في المنطقة.
“أثير” رصدت المقال وتضعه نصًا للقارئ الكريم.
“اعتادت المنطقة أن تسمع ضجيج المدافع أكثر من صوت العقول، إلا أن صوتًا هادئًا خرج من مسقط ليذكّر الجميع أن “الأمن الحقيقي لا يُبنى بالعزلة”، ولم تكن تلك جملة بروتوكولية، بل إعلان موقفٍ فلسفي من وزير خارجيةٍ يدرك أن الحوار في الشرق الأوسط أصعب من الحرب، وأن بناء الثقة بين الجيران أهم من بناء التحالفات البعيدة.
ومنذ سنوات، تلتزم عُمان نهجًا يقوم على الانخراط الهادئ بدل التورط الصاخب، فهي لا تتورط في الحروب، لكنها تحضر في المفاوضات، ولا ترفع شعار “مع أو ضد”، بل ترفع راية “مع الكل لأجل الكل”، وهذا بالضبط ما تفتقده المنطقة، وهو قدرة الدول على أن تكون جسرًا لا جدارًا، وصوتًا يوازن بين الحكمة والسيادة دون أن يتسوّل اعترافًا من أحد.
وحين قال الوزير بدر البوسعيدي إن “إشراك إيران في منظومة الأمن الإقليمي هو السبيل إلى الاستقرار”، كان يتحدث بلغة الجغرافيا لا الأيديولوجيا، وبمنطقٍ يفهم أن من يعيش معك في الجوار لا يمكن عزله بقرار، وأن التجارب أثبتت أن التهميش لا يُنهي الخطر بل يضاعفه، وثمّ مضى أبعد حين اتهم إسرائيل علنًا بأنها المصدر الحقيقي لغياب الأمن، في وقتٍ تكتفي فيه كثير من العواصم العربية بالتقاط الصور ومصافحة هذا وذاك، وكأن السياسة صارت مشهدًا للتوثيق لا أداةً للتأثير.
والحقّ أن موقف عُمان في المنامة لم يكن موقف دولةٍ صغيرة تسعى لإثبات ذاتها، بل موقف دولةٍ كبيرة تعرف قدرها وتدرك متى تصمت ومتى تتكلم، فبينما تتنافس العواصم على مقاعد الوجاهة أمام الكاميرات كانت مسقط تثبت مرةً أخرى أنها ليست تابعًا لأحد، لا في الإقليم ولا في الخارج، ويكفي أن نتذكّر آخر زيارة رسمية لسلطانٍ عُماني إلى واشنطن كانت عام 1982، في حين يحجّ معظم قادة المنطقة سنويًا إلى البيت الأبيض، ويقفون على أبواب السفارات الأمريكية لتجديد الولاء أو تقديم “الجزية الدبلوماسية” من وقتٍ إلى آخر.
ومع ذلك، ما زالت عُمان تحظى بمكانةٍ رفيعة لدى الأمريكيين، لأن الاحترام لا يُشترى بالزيارات، بل يُكتسب بالثبات والمصداقية، ففي وقتٍ تستهلك فيه بعض الأنظمة حضورها السياسي في طلب الرضا، تبني عُمان حضورها من خلال استقلال القرار ورصانة الموقف.
وفي لحظةٍ تتكاثر فيها مراكز القرار وتضيع فيها البوصلة العربية، يأتي صوت عُمان ليقول ببساطة، “الأمن يبدأ حين نجلس جميعًا على الطاولة، لا حين نُقصي أحدًا عنها”، وهذه الجملة وحدها تكفي لتكون مشروع ميثاقٍ إقليميٍ جديد، لأن من قالها يعرف أن التوازن الحقيقي لا يُصنع في المؤتمرات، بل في عقولٍ تفكر بحرية، ولهذا تبدو سلطنة عُمان اليوم ضمير المنطقة الهادئ، الذي يقول ما يجب قوله حين يتراجع الجميع إلى مشهد الصمت أو المجاملة.
وفي الختام .. الدبلوماسية ليست مقعداً في قاعة، بل فكرة في العقول، ولأن عُمان تفكّر بحرية، صارت حرّة في حضورها، أما بقية العواصم، فما زالت منشغلة في التقاط الصور وهي تبتسم… أمام تاريخٍ لا يبتسم لأحد“.
في منتدى حوار المنامة 2025 عُمان تفكّر بحرية.. والعواصم تلتقط الصور

