الأولى

قصيدة عُمانية لها تاريخ: حوت 31 بيتًا وكُتِبت قبل عام 1860م

قصيدة عُمانية لها تاريخ

أثير- د. محمد بن حمد العريمي

صاحب القصيدة: الشيخ سعيد بن خاتم السيفي

ناسخ القصيدة: راشد بن سالم بن خلفان بن سعيد بن محمود بن ربيع بن أحمد بن محمود القلهاتي

تاريخ نسخ القصيدة: 23 محرّم 1281هـ، الموافق: 28 يونيو 1864م

المناسبة: نُسِخت القصيدة في سياق مدح الشيخ سالم بن محمد بن عبدالله بن مسعود بن عبدالله بن ربيعة الصلتي

مصدر الوثيقة: أرشيف الفاضل عيسى بن صالح بن سلطان القلهاتي.

قصيدة

ناظم القصيدة ومعانيها:

تتكوّن هذه القصيدة من (31) بيتًا، نظمها الشيخ سعيد بن خاتم بن سيف السيفي الحميضي في مدح الشيخ سالم بن محمد بن عبدالله بن مسعود بن عبدالله بن ربيعة الصلتي، تقديرًا لمكانته المرموقة ودوره البارز في محيطه الاجتماعي.

لا يُعرف تاريخٌ دقيق لكتابة هذه القصيدة، فالمصادر المتوافرة حول قائلها شحيحة، ولا تتيح وضع إطار زمني محدد لتاريخ نظمها. أما الشاعر فهو الشيخ سعيد بن خاتم بن سيف السيفي الحميضي الجعلاني، وينتسب إلى قرية حميضة الواقعة في نواحي الكامل، وهي إحدى القرى القديمة في شرق عمان، وكان لها حضور اجتماعي وثقافي معروف في تلك الحقبة.

ورغم غياب تاريخ ميلاده ووفاته، فإن ذكره في عدد من التقييدات والصكوك التي كتبها يُعد دليلًا على نشاطه العلمي والكتابي، ويشير أحد التقييدات إلى أن أخاه سيف بن خاتم كان على قيد الحياة حتى سنة 1205هـ، وهي إشارة زمنية مهمة تمكّن الباحث من وضع إطار زمني تقريبي لحياة الشاعر.

وبناءً على ذلك، وبحسب تحليل معدّ التقرير، يمكن ترجيح أن الشيخ سعيد بن خاتم عاش في النصف الثاني من القرن الثامن عشر واستمر أثره إلى بدايات القرن التاسع عشر الميلادي، وهو ما يتوافق مع أسلوب القصيدة ولغتها وصورها البلاغية وخصائص الشعر العماني في تلك الفترة.

وقد عُرفت القصيدة بجزالة ألفاظها ورصانة معانيها، وجاء مطلعها آمرًا الرسول الشعري بأن يمضي حثيثًا حاملًا مدح الممدوح:

سقها وشيكًا ودعها تقطع الطرقا ... تغدو بساط سليمان النبي سيَقا

وخلّها تضرب البيدا براسمها ... كعارضٍ من دجونٍ ينثر الودقا

تمدّ باعًا إذا طال النهار بها ... ولم تهب في الثرى ليلًا إذا غسقا

وعجّ بها في معاني الأكرمين بني صلتٍ تفرّ العدى من بأسهم فرَقا

أهل الرياسة والبأس الشديد لهم ... صيتٌ سَما وعَلا فوق السماء رقا

ثم يمضي الشاعر في التعريف بالممدوح من حيث قبيلته، ووطنه، واسمه، حيث يذكر:

ومن بني جابرٍ أنصار دولتهم ... كم قلّ بارقهم هامي العدا فلقا

في منزل الحصن من طيوي هناك ترى ... عرشًا رفيعًا منيعًا طابق الشفقا

وربّه سالمٌ والله سلّمه ... وعاذه ربّه من شر ما خلقا

فتىّ أبوه يسامي المصطفى ومن ... فضائل الجود والأخلاق قد رُزِقا

قصيدة

ويبدأ الشاعر بعدها في مدح الشيخ سالم بن محمد الصلتي وبيان محاسنه وصفاته بأبياتٍ تتجلّى فيها: حفاوة الاستقبال، وكرم الوجه قبل كرم اليد، وطهارة الخلق وحسن المعاملة، والإنفاق الواسع والزهد في المال، والميل الفطري إلى المجد والشرف، ومن بين تلك الأبيات:

لا يغتم الضيف إن حلّ القراء به ... يبشّ وجهًا إذا ما طارقٌ طّرَفا

يلقاه باللطف والترحيب مبتسمًا ... مستيشرًا ضاحكًا لم يلقه حمقا

لم يبق للبخل عينًا عند رؤيته ... ولّى هزيمًا على أدباره زهَقا

مطلوبه المجد لا الدينار يألفهُ ... ما جرّ في كفّه إلا وإنطلقا

وتحفل القصيدة بالعديد من الصور البلاغية والتشبيهات التمثيلية، من بينها:

لم يبق للبخل عينًا عند رؤيته ... ولّى هزيمًا على أدباره زهَقا

والمجد والبخل لا يأتي اجتماعهما ... كفّ إمرئ إن بقى هذا فذا أبَقا

كالحوت في البرّ يومًا لا معاش له ... والضبّ إن خاض بحرّا أدرك الغرقا

ناسخ القصيدة

أما ناسخ القصيدة فهو راشد بن سالم بن خلفان بن سعيد بن محمود بن ربيع بن أحمد بن محمود القلهاتي الصوري، ينتمي إلى عائلة عريقة اشتهرت بالاهتمام بالعلم ومصادره، وأنجبت عددًا من الشخصيات السياسية والدينية، ومنهم جدّه سعيد بن محمود بن ربيع من أهل العلم من خلال الكتب التي نسخها لنفسه ومنها كتاب “الدلائل على اللوازم والوسائل” في الفقه ورد فيه: " ….وكان تمامه نهار الخميس يوم عشرين من شهر رمضان من شهور سنة خمسة وسبعين سنة ومائة سنة وألف من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم“، كما نسخ الجزء الثالث عشر من كتاب منهج الطالبين وبلاغ الراغبين وتاريخ نسخه كما ورد في المخطوطة: “…تمت كتابته ضحى الأحد لعشر ليالٍ خلوْنَ من رمضان 1186هـ وكان تمامه على يد أفقر خلق الله إلى رحمة خالقه العبد المذنب التائب إلى ربه الفقير إليه سعيد بن محمود بن ربيع بن أحمد القلهاتي الصوري”.

كما أشار الشيخ البطاشي في صفحة 115 من كتاب (إتحاف الأعيان. ج3) إلى أنه نسخ الجزء الثامن عشر من كتاب " منهج الطالبين” وتاريخ نسخه سنة (1181هـ).

ومنهم عم والده، الفقيه القاضي سالم بن سعيد بن محمود بن ربيع بن أحمد القلهاتي الصوري، من فقهاء القرن الثاني عشر، كان إلى سنة 1205هـ على قيد الحياة، نسخ له الجزء العشرين من كتاب “منهج الطالبين”، و“شرح المنظومة الجزرية في التجويد” بخط خادم بن رجب، وهذا يدل على مدى اهتمام الشيخ بعلم التجويد، وتاريخ إتمام نسخها هو عصر يوم الأحد لست ليالٍ خلوْنَ من رجب عام 1205هـ.

كما وجدت له مخطوطة تعود للقرن الثالث عشر الهجري وفيها شهادة أربعة من المشايخ بخصوص وقف مال (حيط سدرة وجدالة) من قرية قعب لمدرسة القرآن ببلاد صور الملاصقة لمزرعة القلاهتة، وهم: ناصر بن عامر بن سالم من أولاد راشد بن جابر، وسالم بن سعيد بن محمود القلهاتي، وراشد بن خميس الإسماعيلي، ومحمد بن خميس الإسماعيلي.

قصيدة

أهمية القصيدة

تعد القصيدة نموذجًا للشعر العربي الكلاسيكي في عمان خلال القرن الثالث عشر الهجري، وتتميز بالجزالة اللغوية، والتصوير الفني؛ ما يجعلها نموذجًا لقصائد المديح خلال تلك الفترة، حيث استخدم الشاعر الاستعارات، والتشابيه، والكنايات، والطباق، والمبالغة المحسوبة، ما أضفى على الأبيات قوة بيانية ووضوحًا في المعنى. كما تراوحت موضوعاتها بين مدح الأخلاق الفاضلة، ووصف الشجاعة، والكرم، والهيبة، ما يظهر براعة الشاعر في المزج بين المدح الفردي والبعد الاجتماعي.

كما أن للوثيقة أهمية تاريخية في كونها تشير إلى بعض الشخصيات البارزة خلال تلك الفترة من مثل: الشيخ سالم بن محمد الصلتي، أو الشيخ العالِم سعيد بن خاتم السيفي، أو ناسخ القصيدة الشيخ راشد بن سالم بن خلفان القلهاتي، الأمر الذي يتيح الفرصة للباحثين في تتبع سيرهم.

المراجع

  • مخطوطة قصيدة الشيخ سعيد بن خاتم السيفي في مدح الشيخ سالم بن محمد الصلتي، أرشيف عيسى بن صالح القلهاتي.
  • العريمي، محمد بن حمد. بينهم “امرأة عالِمة”: تعرّف على أسرة “أولاد محمود القلاهتة” العُمانية وشغفها بالعلم، منصة “أثير” ، 21 يناير 2019.
Your Page Title