أثير- د. محمد بن حمد العريمي
في 28 ديسمبر 1980م، توفي السيد طارق بن تيمور بعد مسيرة سياسية حافلة امتدت لعدة عقود، كان خلالها أحد أبرز الوجوه العُمانية في مرحلة التحول المفصلية التي شهدتها البلاد مع بزوغ فجر النهضة الحديثة في عام 1970م، وقد جاءت وفاته في مرحلةٍ كانت فيها مؤسسات الدولة قد استقرت على أسسها الأولى، بعد أن أسهم بدور محوري في وضع اللبنات التنظيمية والإدارية، وتكريس حضور سلطنة عُمان عربيًا ودوليًا، لا سيما خلال فترة رئاسته لمجلس الوزراء ومشاركته في الجهود الدبلوماسية الأولى للدولة، وتمثل وفاته نهاية صفحة مهمة من صفحات الجيل السياسي الذي عايش الانتقال من الدولة التقليدية إلى الدولة الحديثة، وبقي اسمه حاضرًا في الذاكرة الوطنية بوصفه أحد رموز تلك المرحلة التأسيسية.

تشييع الجنازة
كانت جنازة السيد طارق بن تيمور قد شيّعت يوم الاثنين 29 ديسمبر 1980م حيث توجه السلطان قابوس بن سعيد طيّب الله ثراه إلى مسجد الخور بمسقط صباح اليوم نفسه لأداء الصلاة على الفقيد الراحل مع جموع المصلّين، وقد أمّ المصلين معالي السيد محمد بن أحمد مستشار الشؤون الدينية والتاريخية وقتها، ثم تقدم السيد فهر بن تيمور وعدد من المصلين لحمل جثمان الفقيد الذي لُفّ بعلم عمان، وسار موكب الجنازة من مسجد الخور إلى مقابر الأسرة المالكة في مسقط، وكان السلطان قابوس في مقدمة الموكب يصحبه عدد من الشخصيات من بينها الشيخ سرور بن محمد آل نهيان وأصحاب السمو أفراد الأسرة المالكة وفي مقدمتهم أبناء الفقيد الكبير، وأصحاب المعالي الوزراء، وعلماء الدين، ورجال السلك الدبلوماسي، وكبار رجال الدولة، وجموع كبيرة من المواطنين.
إعلان حالة الحداد العام
تقرّر إعلان حالة الحداد العام لمدة (40) يومًا، وتنكيس الأعلام في كافة أنحاء البلاد اعتبارًا من يوم الأحد 28 ديسمبر وحتى يوم الأربعاء 31 ديسمبر 1980م، وذلك حدادًا على وفاة السيد طارق بن تيمور بن فيصل.
كما تقرّر تعطيل العمل في الوزارات الحكومية والمؤسسات الخاصة خلال الفترة من يوم الاثنين 29 ديسمبر 1980م وحتى يوم الخميس 1 يناير 1981م، تعبيرًا عن التقدير الرسمي والشعبي لمكانته ودوره الوطني.
برقيات التعازي
نظرًا للمكانة الاجتماعية والسياسية الكبيرة التي تبوأها المرحوم السيد طارق بن تيمور بن فيصل، فقد توافدت برقيات التعزية من عدد كبير من قادة الدول ورؤساء الحكومات وكبار المسؤولين في الدول الخليجية والعربية، إلى جانب شخصيات سياسية ودبلوماسية وهيئات رسمية، عبّروا فيها عن بالغ حزنهم وتعازيهم الصادقة لقيادة سلطنة عُمان ولأسرته الكريمة.
كما عكست هذه التعازي حجم التقدير الذي حظي به الراحل على المستويين الإقليمي والدولي، ودوره البارز في تعزيز علاقات عُمان الخارجية، وإسهاماته في ترسيخ مكانتها السياسية خلال مرحلة مفصلية من تاريخها الحديث.


تعازي ضيوف الدولة والمسؤولين والمواطنين
عقب وفاة السيد طارق بن تيمور بن فيصل قدّم العديد من حكّام الدول العربية تعازيهم من خلال إرسال وفود رسمية لتقديم العزاء نيابةً عن حكّامهم، ومن بينهم الشيخ سرور بن محمد آل نهيان الذي قدّم تعازي الشيخ زايد بن سلطان، والشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مبعوثًا من قبل والده الشيخ راشد بن سعيد حاكم دبي، والشيخ محمد بن حمد آل ثاني وزير التربية والتعليم والشباب القطري الذي نقل تعازي الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر وقتها.
كما قدّم كبار المسؤولين من وزراء ووكلاء وقيادات مدنية وعسكرية وجمع غفير من المواطنين تعازيهم إلى أفراد الأسرة المالكة وعلى رأسهم إخوة الفقيد وأبنائه، مشيدين بمسيرة السيد طارق بن تيمور الوطنية وإسهاماته في تأسيس الدولة الحديثة.



محطات في مسيرة السيد طارق:
والسيد طارق بن تيمور بن فيصل (1920–1980) شخصية سياسية عُمانية بارزة، وُلد في إسطنبول، وهو أخ غير شقيق للسلطان سعيد بن تيمور. تلقّى تعليمه في إسطنبول ثم في ألمانيا، وأتقن العربية والتركية والألمانية، ما أكسبه ثقافة واسعة وخبرة إدارية مبكرة.
التحق السيد طارق بالخدمة العسكرية في قوات مسقط، وتلقى تدريبًا إداريًا وعسكريًا في الهند، ثم أوكلت إليه مهام سياسية وإدارية شملت التواصل مع القبائل، والإشراف على بلديتي مسقط ومطرح، حيث برزت كفاءته في الإدارة والإصلاح البلدي رغم معارضة بعض الأوساط المحلية.
غادر السيد طارق بن تيمور السلطنة في عام 1962م لأسباب سياسية وتعليمية، ثم برز في صفوف المعارضة منذ عام 1966م، وأصدر عام 1967 بيانًا وطنيًا دعا فيه إلى الإصلاح الشامل، وطرح مشروع دستور مؤقت يعكس وعيًا دستوريًا متقدمًا ورؤية إصلاحية واضحة.
بعد تولي السلطان قابوس بن سعيد الحكم في عام 1970م، عاد السيد طارق إلى عُمان وتولى رئاسة أول حكومة في عهد النهضة، وأسهم في تأسيس الجهاز الإداري للدولة، وتعزيز حضور سلطنة عمان إقليميًا ودوليًا، وانضمامها إلى منظمات دولية بارزة، وواصل أداء أدوار دبلوماسية واستشارية حتى وفاته في 28 ديسمبر 1980م، تاركًا أثرًا مهمًا في مسيرة التحول السياسي والإداري لعُمان الحديثة.
نعي السيد طارق في الصحف الخليجية والعربية
حظي خبر وفاة السيد طارق بن تيمور بن فيصل في 28 ديسمبر 1980م باهتمام واسع في الصحف الخليجية والعربية، بل وبعض الصحف العالمية، التي تناولت النبأ بوصفه رحيلًا لشخصية سياسية عُمانية بارزة ارتبط اسمها بالمرحلة التأسيسية للدولة العُمانية الحديثة.
وقد ركّزت التغطيات الصحفية على دوره التاريخي كأول رئيس وزراء في عهد النهضة المباركة، وإسهاماته في بناء مؤسسات الدولة، وتعزيز حضور عُمان في محيطها العربي والدولي، إلى جانب الإشادة بثقافته الواسعة وخبرته السياسية والإدارية المتراكمة.
وَسَنَعْرِضُ هنا نماذج مختارة من تلك التغطيات الصحفية التي نشرتها صحف خليجية وعربية، والتي عكست حجم الحضور السياسي والإعلامي لخبر وفاة السيد طارق بن تيمور بن فيصل، وما حظي به من اهتمامٍ وتقديرٍ لدوره في مسيرة عُمان الحديثة:








المراجع
- العريمي، محمد بن حمد. يُعدّ شخصية استثنائية: تعرف على سيرة طارق بن تيمور والد جلالة السلطان، منصة أثير ، 17 فبراير 2020.
- جريدة عمان. الاثنين 29 ديسمبر 1980
- جريدة عمان. السبت 3 يناير 1981
- مجلة العقيدة 8 يناير 1981

