إسماعيل بن صالح الأغبري
مضى على حصار أو حرب عين العرب كوباني المفروضة عليها من الجماعات المتشددة ما يقارب الشهرين وهذه المدينة الوادعة إلى حد كبير مقارنة بالمدن السورية الأخرى ربما لم تكن تتوقع زحفا من قبل جماعات متشددة ولعلها لم تستعد استعدادا لصد عدو شرس.
عين العرب اسمها العربي وكوباني اسمها الكردي غدت اليوم انموذجا عز مثيله في التصدي والصمود وفيه من دروس الوطنية وتقديم الأرواح رخيصة من أجل البلدان والأعراض ما لا يخفى.
تداعى الأكراد من كل حدب وصوب ذودا عن كوباني ودفعا لغزو آت إليها بل كان أكراد العالم يعدون هذه المدينة مركزهم الذي يجب أن يذودوا عنه وكأنها إن سقطت تعني سقوط الأكراد كافة لذلك رأينا أكراد سوريا والعراق وتركيا راغبة في الالتحاق بعين العرب والدفاع عنها، بالرغم من الحصار الخانق والقصف الشديد من الجماعة المتشددة إلا أن العين صامدة.
تفككت جيوش وتداعت قوى أمام تلك الجماعة المتشددة وسقطت مدن عربية عديدة ومحافظات مشهورة ذات جموع كثيرة بينما عين العرب كوباني تقاوم بشدة وتدفع الموت عنها فالحياة أحب إلى الناس من خلافها.
يضرب الأكراد دروسا لكافة الناس في حماية الأوطان وضرورة الذود عنها لأنها مهد الطفولة وفيها النشأة.
الغريب أن الأكراد يد واحدة على من سواهم يحفظون أماكن وجودهم بضراوة منقطعة النظير.
العجيب أنهم محاصرون وغير مرغوب في قوتهم من كافة الدول المجاورة لهم ربما لنزعتهم الاستقلالية بسبب التهميش الذي مورس عليهم باعتبارهم من قومية أخرى وطبعا هذا يشكل خللا في أنظمة الحكم التي لا تحتوي كافة الأجناس والأعراق والقوميات.
العجيب أيضا أن نساءهم تصر على التجنيد والقتال وقد شاهدت على عدد من الشاشات كيف أنهن ذات إصرار عجيب على القتال ذودا عن كوباني عين العرب.
لقد هدد التنظيم المتشدد بالتنكيل بالنساء إن وقعن بالأسر ربما بالبيع عودة إلى الجاهلية الأولى وزمن القرون الوسطى وربما باتخاذهن جواري يعملن في البيوت مع التسري جريا على عادة الأمم السابقة التي تمثل وحشية الأقوام آنذاك، أو قد يكون التنكيل بالصلب ثم التمثيل وهو أمر عرفته أيضا ساحتنا الإسلامية للأسف وهذا واضح لمن قرأ تاريخنا الموسوم بالاسلامي.
كل ذلك التهديد لم يردع نساء الأكراد بل أقبلن على القتال وكأنهن يتوجهن لقضاء نزهة عند الخلجان والشطآن وكانهن يذهبن لسياحة أو هواء نقي.
إن عين العرب من خلال صمودها الأسطوري تعطينا دروسا كثيرة منها أن الوطن لا يفرط فيه أبدا وأنه يفدى بكل غال ونفيس وأن الرجال والنساء غير معذورين عن دفع الأخطار عن الاوطان، ولقد تابعت الأخبار التي ترصد قتال النساء الكرديات حماية لكوباني وإذ بالواحدة منهن إذا عجزت أو كادت أن تقع في يد قوات التنظيمات المتشددة تعمد الى نحر نفسها بإطلاق النار على ذاتها ولست هنا في مناقشة مدى مشروعية ذلك والموقف الفقهي منه ولكن الذي يهم هو تلك الهوية التي يذود عنها أهل كوباني عين العرب وذلك الإخلاص لوطنهم ولو بموتهم.
عين العرب أو كوباني أنموذج حي في مقاومة أهلها الدخيل وهي أنموذج للوحدة ورص الصفوف وللأسف كثير من شعوب العرب وجيوشهم يقدمون الولاء للقبيلة والقومية وللناحية الفكرية والجهوية على الولاء للوطن الجامع ولذلك تحتاج الأمة إلى صياغة جديدة تعميقا لحب الأوطان.
ليس الوطن مجرد انشودة يتم التغني بها وليس مجرد قصيدة بليغة تشنف الآذان بل الوطن تحفظه العين بصيرورتها حارسا لحدوده واطرافه ووسطه والوطن تحفظه اللسان من تسريب معلومات عنه تضر به، الوطن لا بد أن يكون الرئة والشريان والقلب وكل ذاك لا بد من حفظه ودفع الأذى عنه، ليكن القلب مستودعا للوطن وليكن القلب للوطن كرسيا وعرشا.