أثير – سعدية مفرح
حدث هذا منذ زمن بعيد، حيث كانت الأحلام تتلون بكل الألوان لتصنع لوحة العمر كما تتخيله الفتيات المراهقات. لكن فيلما كارتونيا للأطفال أعاد الحدث إلى واجهة ذاكرتي المزدحمة، لأكتشف أن ذلك الحدث مجرد صورة مكررة لقصة تعرضت لها الكثيرات ما بين الخيال القصصي والواقع الذي يختصر الألوان كلها بذلك اللون المشع في إثارته السحرية.. الأحمر.
كنا ثلاث تلميذات في الدراسة الثانوية، اضطررنا في فترة من الفترات أن نستخدم أرجلنا في الذهاب إلى المدرسة والعودة منها، استجلابا لمتع الشارع المبهجة وغير المتوقعة التي كنا نسمع عنها من الزميلات الأخريات، ويحرمنا منها حرص الأهل المبالغ فيه.
ولأن مدرستنا الثانوية كانت قريبة من ثانوية البنين، ولأن مواعيد دخولهم المدرسة وانصرافهم منها تتطابق مع مواعيدنا، فقد كنا حريصات على عدم الاحتكاك بهم، كما أوصانا أهالينا الخائفون على الشرف العائلي الرفيع من أذى الشوارع المتوقع، بأي شكل من الأشكال، حتى أنني كنت أوصى من معي بعدم الالتفات مطلقا لأي شيء يقولونه مهما كان، وعدم الرد على أي كلمة أو تصرف يبدر منهم، أو من أي أحد منهم. وهذا ما كان يحدث فعلا. لكن يبدو أن تصرفاتنا تلك أثارت حنق مجموعة منهم ظلوا يتتبعوننا كظلنا بشكل يومي أثناء عودتنا لبيوتنا القريبة مشيا على الأقدام، ولان التجاهل كان مصيرهم، فقد تفتق ذهن أحدهم عن حيلة للفت انتباهنا أو الضحك علينا على الأقل، فرغم أننا كنا ملتزمين بالزي المدرسي وهو عبارة عن مريول رمادي وقميص ابيض وحذاء أسود، إلا أنه صرخ في وجهنا قائلا: أجملكن هي التي تلبس الحذاء الأحمر!
كرد فعل سريع وغير محسوب وبشكل جماعي، وجهنا نظرنا نحو إقدامنا من دون وعي أو تفكير وبسرعة رهيبة، لاكتشاف من هي صاحبة الحذاء الأحمر.. أجملنا، رغم أننا نعرف مسبقا بأننا جميعنا ملتزمات بالزي المدرسي والحذاء الأسود، ولكنه الفضول، والإحساس الأنثوي المبكر جعلنا نريد معرفة من هي الجميلة بيننا بنظر هؤلاء!
وطبعا لا تسألوا عن حالنا مع الحرج الشديد الذي غرقنا في عرقه بعد أن اكتشفنا المقلب وسط ضحك الجميع علينا، حيث انهارت كل دفاعاتنا العائلية والتربوية السابقة بمجرد جملة واحدة دمها خفيف!
صممنا بعدها على عدم الذهاب إلى المدرسة مشيا على الأقدام رغم قرب المدرسة من البيت ومتعة المشي في بهجة الشارع وزحمته وخصوصا في ساعات الصباح الأولى.
كانت قد مرت سنوات طويلة على الحادثة التي ظلت عالقة في ذهني منذ سنوات الطفولة المتأخرة أو المراهقة عندما رويتها لأحد الزملاء الكتاب، فكتبها في قصة قصيرة … جميلة جدا.
لكن الأمر لم ينته عند هذا الحد، فقد انسقت لاحقا وراء أحداث فيلم كارتوني قصير للأطفال عنوانه “ذات الحذاء الأحمر” وما هي إلا نقرات سريعة في نافذة الباحث الشهير السيد غوغل لأكتشف حكاية الحذاء الأحمر في حكايات وقصص ومسرحيات وروايات وأفلام سينمائية كارتونية وواقعية أيضا.
في نهاية متابعتي للفيلم الكارتوني عدت لزمني القديم ذي اللونين الأبيض والأسود لأقارن بين الشغف الشبقي للطفلة الصغيرة التي تظهر في الفيلم باقتناء حذاء احمر لمحته ذات يوم في واجهة احد المحلات، وامتعاضي الدائم من رؤية أي سيدة تلبس حذاء احمر، ولا يحتاج الأمر استدعاء أي نظريات نفسية لتحليل الأمر بمزيد من الغموض..فقد كان جليا بما يكفي، وجميلا كفيلم كارتوني تحلم بطلته الصغيرة بحذاء احمر جميل يجعلها أجمل الجميلات