رصد – أثير
ترجم بتصرف بواسطة:
فاطمة اللواتي
يحيى الراشدي
كتب الباحث الأمريكي جورجيو كارفييو في موقع “لوب لوغ”، الذي يعنى بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، مقالا عن السلطنة والدور الذي يمكن أن تقوم به كحليف رئيسي لسياسة الإدارة الجديدة برئاسة دونالد ترامب.
وجاء في افتتاحية المقال الذي ترجمته “أثير”: مباشرة بعد فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة، بعث السلطان قابوس برقية تهنئة إلى نيويورك، متمنيا لترامب النجاح في قيادة شعب الولايات المتحدة نحو المزيد من التقدم والرفاه، ومزيدا من التطور ونمو التعاون بين الولايات المتحدة والسلطنة قيادةً وشعبا.
وأضاف الكاتب، بغض النظر عن الشكوك حول ما ستعنيه رئاسة ترامب للشرق الأوسط، فإن المسؤولين الحكوميين في مسقط ملتزمون بشكل كامل بالعمل مع الإدارة القادمة بتعزيز العلاقات الثنائية العميقة المتجذرة في التاريخ والتي تعود لعام 1790م عندما وصل بوسطن رامبلر مسقط لأول مرة. ففي الفترة ما بين 1830م و 1840م- طوّر البلدان العلاقات الدبلوماسية، حيث قامت الولايات المتحدة بفتح أول قنصلية لها في عمان وأصبح أحمد بن النعمان أول دبلوماسي عربي معتمد في الولايات المتحدة.
ورغم تطور العلاقات بين البلدين، لم يتم فتح السفارات إلا في العام 1970م، بعدها بخمسة أعوام، قام جلالة السلطان قابوس بزيارة الرئيس جيرالد فورد في البيت الأبيض لمناقشة دعم أمريكا للسلطنة في حربها ضد المتمردين الماركسيين المدعومين من خارج السلطنة. ومنذ عام 1980م، أصبحت عمان حليفا عسكريا مهما للولايات المتحدة، حيث تستضيف السلطنة حاليا ثلاثة مواقع عسكرية تابعة لسلاح الجو الأمريكي ( قاعدة ثمريت الجوية والبحرية، قاعدة مصيرة الجوية، ومطار مسقط الدولي).
بالنسبة للسلطان قابوس –صاحب أطول فترة حكم من بين الحكام العرب الذين هم على قيد الحياة– فإن ترامب هو تاسع رئيس للبيت الأبيض منذ أن تولى السلطان الحكم عام 1970م. ولأن مسقط تعتبر أن علاقتها مع واشنطن متجذرة عبر المؤسسات و المصالح المشتركة، فإن المسؤولين العمانيين لا يجدون إن انتخابات الشهر الماضي ستؤثر على العلاقات الثنائية، حيث عمل السلطان قابوس خلال الـ 46 سنة الماضية مع الإدارات الأمريكية الديمقراطية والجمهورية بشكل دائم، ولم يسمح للتدفقات السياسية الحزبية الأمريكية أن تتدخل في تحالف واشنطن-مسقط.
كما أشار الباحث إلى السياسة العمانية بقوله: “بما أن العمانيين يحمون سيادتهم ولا يرحبون بالتدخل الخارجي أو التدخل في سياستهم الداخلية، فإنهم أيضا مصرون على البقاء في الحياد تجاه السياسة الداخلية للدول الأخرى. العديد من العمانيين الذين تحدثت معهم في مسقط عشية الانتخابات الرئاسية، قالوا بأن هذا القرار يخص الأمريكيين ورفضوا التعليق على النتائج”.
مخاوف بشأن ترامب
خلافا لدول مجلس التعاون التي تأمل من ملياردير العقارات أن يتخذ موقفا متشددا ضد إيران، تتمتع عمان بعلاقات ودية مع طهران، حيث تلعب مسقط دورا محوريا في تخفيف حدة التوتر بين الولايات المتحدة وإيران من خلال المحادثات السرية التي يقودها الجانب العُماني والتي قادت إلى خطة عمل مشتركة وشاملة إلى الاتفاق التاريخي.
حيث تسعى السلطنة لجني ثمار إعادة إيران للاقتصاد العالمي بما انها تملك شراكة مع إيران في مضيق هرمز والذي كان حافزا كبيرا وورقة ضغط من أجل التوصل إلى حل سلمي للأزمة بشأن برنامج طهران النووي، لأن المواجهة العسكرية بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة وإيران من الجهة الأخرى سيخلق أزمة في الخليج العربي والذي سيؤدي إلى تداعيات خطيرة على السلطنة.
رغم هذا كله، يرى الكاتب أنه ومع دخول ترامب للبيت الأبيض الشهر المقبل، سيكون المسؤولون العمانيون على أعصابهم خوفا من عودة الخلاف بين الولايات المتحدة وإيران والذي قد يهدد أمن عمان واقتصادها الذي تأثر منذ هبوط أسعار النفط في عام ٢٠١٤م، في الجانب الآخر، تتواصل العام المقبل المساعي العمانية الإيرانية للمضي قدما في مشروع خط أنابيب الغاز الإيراني لضخه للسلطنة، ومثل هذه المصالح ستدفع بالسلطنة لتعزيز علاقتها مع إيران من جهة، ودول الخليج وحلفائها الغربيين من جهة أخرى.
كما ذكر الباحث في مقاله بأن اختيار ترامب للجنرال “مايكل فلاين” كمستشار للأمن القومي والجنرال “ماتيس” الملقب بـ “المحارب الراهب” كوزير للدفاع يبعث رسالة عن الكيفية التي يتوقع الرئيس المنتخب أن تكون عليها العلاقات الأمريكية الإيرانية، حيث يعد فلاين أحد الذين دعوا إلى تمزيق الاتفاق النووي إلى أشلاء، معللا ذلك بقوله: “لا يوجد رئيس أمريكي دعا إلى تغيير النظام الحاكم في طهران”.
ماتيس كذلك ليس أفضل حالا من فلاين، حيث قال في أحد التصريحات بأن إيران ليست دولة أمة، بل هي قضية ثورية مخصصة للفوضى.
أما كنائب لوزير الخارجية، يرى الباحث بأن ترامب ربما يختار المبعوث الأسبق للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة “جون بولتون” والذي دعا إلى قصف إيران. وعلى الرغم من أن مثل هذا الكلام المعادي لإيران (من المقربين لترامب) سيكون محببا لدى القيادات السعودية، يجد العمانيون أن مثل هذه الخطاب المتشدد مضلل ويقود لمنحى خطير، لكنهم يَرَوْن بأن قصر الكرملين الروسي سيلعب دورا في تخفيف أي توتر قد يندلع بين الولايات المتحدة وإيران في عام 2017م وما بعده.
كذلك، لدى عمان مخاوف بشأن اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأمريكية. غاري غرابو، السفير الأميركي الأسبق لدى السلطنة لاحظ بأن اتفاقيات التجارة الحرة للولايات المتحدة مع سلطنة عمان وغيرها من الدول العربية تمثل التزاما قويا لواشنطن مع بعض أقوى حلفائها في المنطقة العربية وتوفر أفضل نهج لأسواق التجارة الحرة للإصلاحات الاقتصادية والاكتفاء الذاتي للاقتصاد العالمي اليوم، مضيفا بأن هذه الاتفاقيات ليس لها أي تأثير للإخلال بالميزان التجاري للولايات المتحدة، حاثا ترامب تجنب الخوض في هذا الموضوع مع سلطنة عمان والدول الأخرى في الشرق الأوسط التي لديها اتفاقيات مماثلة مع الولايات المتحدة.
عُمان الحليف المفيد
أشار الكاتب في مقاله إلى أنه على إدارة ترامب أخذ حصة من دور عُمان السبّاقة لمحادثات السلام، والوسيط الدبلوماسي للخصومات الإقليمية. وذلك بناء على النجاحات المتحققة من الاتفاق النووي، وإطلاق سراح مواطنين أمريكيين كانوا محتجزين في اليمن بواساطة عمانية، كما أن كبار المسؤولين العمانيين مشغولون بالعمل في القنوات الخلفية، لتعزيز السلام والأمن في العالم العربي.
أما عن الوضع السوري، قال الباحث الأمريكي في مقاله إن عُمان هي الدولة الوحيدة العضو في مجلس التعاون الخليجي التي أبقت على العلاقات الرسمية مع النظام في دمشق. ففي أغسطس الماضي، قام الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية يوسف بن علوي بلقاء نظيره السوري وليد المعلم في مسقط، لمناقشة الوضع السوري، بعدها بشهرين من هذا اللقاء، قام بن علوي بزيارة بشار الأسد في دمشق لاستكمال محادثات حل النزاع، حيث يعتبر رد الفعل العماني بخصوص الحرب في سوريا على نقيض دول مجلس التعاون، ويقوم على فرضية أنه من الحكمة الحفاظ على الحوار مع النظام بغض النظر عن الجرائم، حتى يتم الدفع قدما بالحل السياسي بدلا من الإطاحة العنيفة بالحكم.
كما أشار الكاتب إلى أنه قام بالتواصل مع المسؤولين العمانيين والذين أوضحوا قلقهم حيال محنة الأقليات الدينية في سوريا، والذين من المرجح أن يكونوا عرضة للقوات الإسلامية في مرحلة ما بعد حزب البعث في سوريا، وعرضة للرعب من المتشديين السلفيين الجهاديين الأجانب الذين انظموا لصفوف تنظيم الدولة وغيرها من الجماعات المتطرفة التي تقاتل للإطاحة بالأسد.
ببساطة، مسقط ترى أن تنظيم الدولة هو التهديد الأخطر في سوريا وليس الأسد. ولذا، فإن عمان قد تكون أكثر دول الخليج ترحيبا بتغير السياسة الخارجية الأمريكية، كما ينادي به ترامب، بحيث قد تتخلى واشنطن عن دعمها المحدود للثوار السوريين، وتعمل بالقرب مع روسيا لمحاربة المتطرفين في بلاد الشام.
أما عن الوضع اليمني، فقد بقيت عُمان خارج الحملة العسكرية التي تقودها السعودية ضد حركة التمرد الحوثي، وتماشيا مع سياسة مسقط التقليدية القائمة على الحياد وعدم التدخل، فإن عُمان لم تكن لترسل جيشها خارج دول مجلس التعاون. ومع ذلك، فإن عُمان قامت بجهود جادة لاستضافة ودعم محادثات وقف إطلاق النار بمشاركة جميع الأطراف في الحرب الأهلية اليمنية. ومع إمكانية أن تقوم الأزمة اليمنية بتهديد إضافي للتجارة الدولية ومصالح الولايات المتحدة، فإن الإدارة الأمريكية القادمة قد تجبر لاتخاذ قرارات صعبة فيما يتعلق بالنزاع. وبالنظر إلى أن عُمان هي الدولة الخليجية الوحيدة التي بقيت بعيدا عن الحرب، ولم تخاطر بثقتها مع الفصائل اليمنية، يرى المسؤولون في مسقط أنهم الأنسب لرعاية مناقشات ومحادثات الطاولة المستديرة والقادرة على حل الأزمة، الأمر الذي فشلت فيه سويسرا والكويت في تحقيقه.
وأوضح الكاتب بأن أكثر ما يقلق العمانيين هو خبرة ترامب القليلة في الدور الحكومي ومواقفه السياسية في جميع أنحاء العالم خصوصا اتجاه الشرق الأوسط والحروب المشتعلة فيه، إضافة إلى الأسئلة التي تتردد حول مصالح واشنطن وأهدافها في المنطقة والذي يدعو لاتخاذ قرار دقيق وحذر.
واختتم الكاتب مقاله قائلا بأن تخلي ترامب عن كراهيته للإسلام سيناسب المصالح القومية الأمريكية، وعليه أن ينتهج نهجا طويل الأمد وأكثر نضجا تجاه الشرق الأوسط. أما من الناحية المثالية، فإن ترامب كرجل أعمال سيرى أن حل النزاعات في العالم العربي مفيد للغاية للمصالح التجارية الأمريكية، مضيفا بأنه إذا قام الرئيس المنتخب بالاعتراف بقيمة تحالف واشنطن مع عُمان، فإن السلطنة سوف تستطيع مساعدة ترامب في التنقل بين النقاط الساخنة في المنطقة والخطوط الجيوسياسية، كما فعلت مسقط مع الإدارة الأمريكية التي ستغادر الآن، مشيرا بأنه لا يمكن لأحد في البيت الأبيض أن يضمن حليفا عربيا مخلصا ومعتدلا بسياسة حيادية وغير طائفية، والتي تهدف لتعزيز الحلول السلمية للحروب المستمرة التي أسالت الكثير من الدماء في الشرق الأوسط.
نبذة عن الكاتب: جورجيو كافييرو هو الرئيس التنفيذي ومؤسس “تحليلات دول الخليج”، حيث تقدم المؤسسة استشارات في المخاطر الجيوسياسية، وتقع في واشنطن دي سي.
نبذة عن الكاتب
بالإضافة إلى قيامه بالكتابة في LobeLog فإن كافييرو يكتب أيضا في: The National Interest, Middle East Institute, and Al Monitor
حاصل على شهادة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة سان دييغو.