الرئيسية

د.سعيد الصقري يكتب: العقد الاجتماعي والحقوق والواجبات (2)

د.سعيد الصقري يكتب: العقد الاجتماعي والحقوق والواجبات (2)
د.سعيد الصقري يكتب: العقد الاجتماعي والحقوق والواجبات (2) د.سعيد الصقري يكتب: العقد الاجتماعي والحقوق والواجبات (2)

الدكتور سعيد بن محمد الصقري- رئيس الجمعية الاقتصادية العمانية

نشرت وكالة رويترز الأسبوع الماضي خبر بيع السلطنة مبلغ 5 مليارات دولار أمريكي من السندات الدولية، أي حوالي 1.93 مليار ريال عماني. وبيع السندات يأتي ضمن برنامج الحكومة لتمويل العجز لهذا العام والمقدر في حدود 3 مليارات ريال عماني، وأن يتم تمويل معظم العجز الباقي 0.57 مليار ريال من السوق المحلي وسحب 500 مليون ريال من الاحتياطيات المالية. والحكومة ومنذ العام 2015 تمول العجز بالاقتراض من السوق العالمي والمحلي والسحب من الاحتياطيات المالية.

وإذا تم حساب العجز الاكتواري الذي قد تعاني منه من بعض صناديق التقاعد، خاصة مع التغيرات الديمغرافية المستقبلية بسبب كثرة المتقاعدين والسماح بالتقاعد المبكر، والقروض التي قامت بها شركة تنمية نفط عمان، وشركة النفط العمانية، والشركات الحكومية الأخرى مثل الطيران العماني، والعجز التراكمي للميزانية الحكومية الذي قد يصل إلى 20 مليار عماني في نهاية العام 2020، سيؤدي الاستمرار بنموذج الإنفاق الحالي، وتوفير الوظائف والمميزات الاقتصادية والاجتماعية الأخرى بنفس الطريقة التي ظلت تقدمها الحكومة في العقود الماضية إلى نفاد التراكمات المالية الاحتياطية وستكون عواقب ذلك سلبية على النمو الاقتصادي[1].

ويذهب البعض الى أهمية الاقتراض للمحافظة على الإنفاق الحكومي – بالنظر الى تجربة الدول الغربية في النمو بعد الكساد الاقتصادي الذي حل بها بعد الحرب العالمية الثانية ودعوة الاقتصادي الإنجليزي جون مينارد كينز لذلك – لأنه، أي الإنفاق الحكومي، مثل الإنفاق الاستهلاكي والاستثمار، يسهم في زيادة الطلب الكلي في الاقتصاد[2]. ومن خلال زيادة الدين العام يمكن تمويل الإنفاق، وزيادة الطلب الكلي وبالتالي تشجيع النمو الاقتصادي.  وكي تتحقق العوائد الاقتصادية من الإنفاق الحكومي، لا بد من وجود عدة عوامل مهمة مثل المؤسسات الحكومية القوية والسياسات الداخلية الفعالة التي تستغل الدين لتحسين النمو الاقتصادي[3]. غير أنه، تشير بعض الدراسات إلى وجود علاقة سلبية بين الدين العام والنمو الاقتصادي على المدى البعيد. فلقد كشفت دراسة متخصصة لعدد من البلدان في الفترة 1970-2010 عن وجود تأثير سلبي وقوي من الدين العام على النمو لأنه استخدم للاستهلاك وليس للإنتاج[4].

علاوة على ذلك، يتساءل البعض عن تجربة دول الخليج في الإنفاق العام والنمو الاقتصادي بالاعتماد على الدعوة الكنزية. فواقع وحقيقة الروابط الاقتصادية والهياكل الإنتاجية للدول الخليجية المصدرة للنفط يختلف عن الدول الغربية. فالإنفاق الحكومي في دول الخليج التي تعتمد على النفط يشجع الاستثمار في القطاعات الاقتصادية غير القابلة للتصدير وفي زيادة حجم الإيرادات. وأثر الإنفاق الحكومي على القطاعات الاقتصادية غير القابلة للتصدير وزيادة حجم الواردات يعرف في علم الاقتصاد بالمرض الهولندي وتم تشخيصه عند الاعداد للرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني 2020 والخطة الخمسية الخامسة 1996 -2000 بأنه أحد العوائق التي تحد من قدرة الاقتصاد على التنويع.

والمرض الهولندي the Dutch Disease الذي أطلقته مجلة الاكونومست يصف التأثير السلبي لازدهار قطاع تصدير الغاز الطبيعي في الستينات من القرن المنصرم في هولندا على القطاعات الاقتصادية الأخرى. فأدى ازدهار قطاع تصدير الغاز إلى ارتفاع قيمة العملة الهولندية مما أثر على قدرة القطاعات الاقتصادية الأخرى وبخاصة قطاع الصناعات على المنافسة في السوق العالمي وعلى أثر ذلك شهد القطاع الصناعي انخفاضا. علاوة على ذلك، صرفت الإيرادات المتأتية من بيع الغاز على القطاعات الاقتصادية غير القابلة للتصدير مثل قطاع البناء والتشييد وعلى الاستيراد ولم يتم استغلالها لزيادة قدرة القطاع الصناعي على المنافسة وتحسين كفاءته. والهياكل الإنتاجية في دولنا المصدرة للنفط قد تكون من جملة ما تعاني منه المرض الهولندي ولذلك هي غير قادرة على النمو أو المنافسة.

والقراءة الأولية للأرقام المنشورة تشير إلى أنه رافق نمو الإنفاق العام نموٌ أكبر للواردات وللعمال الوافدين، مقابل ذلك نمت الأنشطة الصناعية بوتيرة أقل (أنظر الجدول أدناه). فبينما بلغ متوسط النمو السنوي للإنفاق العام في الفترة 2007 – 2015 حوالي 13% زادت نسبة الواردات والعمال الوافدين بحوالي 14% سنويا، وحقق الناتج المحلي الإجمالي للأنشطة الصناعية نموا سنويا قدره 11% في الفترة نفسها. وهذا يعني بأن الإنفاق الحكومي في السلطنة شجع أكثر على الاستيراد وعلى الاستثمار في القطاعات الاقتصادية غير القابلة للتصدير (على اعتبار جل الزيادة في عدد العاملين من الوافدين تذهب للعمل في قطاع البناء والإنشاء والخدمات الأخرى).

د.سعيد الصقري يكتب: العقد الاجتماعي والحقوق والواجبات (2)
د.سعيد الصقري يكتب: العقد الاجتماعي والحقوق والواجبات (2) د.سعيد الصقري يكتب: العقد الاجتماعي والحقوق والواجبات (2)

ونعيد سؤال مقال الأسبوع الفائت، هل تستطيع حكومات دول الخليج الاستمرار في الإنفاق وتوفير الوظائف والمميزات الاقتصادية والاجتماعية الأخرى بالطريقة نفسها التي ظلت تقدمها لحوالي خمسة عقود مع انخفاض الإيرادات النفطية بما يعادل 55% مما كانت عليه في النصف الأول من 2014؟

والاجابة في رأينا نعم، شريطة أن يوجه الإنفاق العام للاستثمار وليس الاستهلاك. وتوجيه الإنفاق العام في الاستثمار يعني إعادة النظر في السياسات المالية التوسعية والسياسات النقدية بما في ذلك المصرفية.

 (وللحديث بقية)

[1]  بالنسبة للعجز الاكتواري ، أوضح المدير الاكتواري للتأمينات الاجتماعية بمملكة البحرين لجريدة الرياض الإلكترونية في 2008 بان صناديق التقاعد الخليجية قد تنفد خلال خمسين عاماً إذا لم تعالج أوضاعها http://www.alriyadh.com/306749

http://www.alriyadh.com/306749

[2]  الطلب الكلي في الاقتصاد = الاستهلاك + الاستثمار + الانفاق الحكومي + (صافي التبادل التجاري) فاذا ارتفع أي مدخل من هذه المخلات الأربعة فانه يؤدي الى ارتفاع الطلب الكلي في الاقتصاد. والكينزية تدعو الى زيادة الانفاق الحكومي حتى لو بالاقتراض لزيادة الطلب الكلي.

[3]  المرجع : https://mpra.ub.uni-muenchen.de/64105/1/MPRA_paper_64105.pdf

https://mpra.ub.uni-muenchen.de/64105/1/MPRA_paper_64105.pdf

[4]  المرجع: http://services.iadb.org/wmsfiles/products/Publications/38172661.pdf

http://services.iadb.org/wmsfiles/products/Publications/38172661.pdf

Your Page Title