هل تعلم أن عدم النفقة على الوالدين يؤدي إلى السجن؟ وهذه هي التفاصيل

هل تعلم أن عدم النفقة على الوالدين يؤدي إلى السجن؟ وهذه هي التفاصيل
هل تعلم أن عدم النفقة على الوالدين يؤدي إلى السجن؟ وهذه هي التفاصيل هل تعلم أن عدم النفقة على الوالدين يؤدي إلى السجن؟ وهذه هي التفاصيل

أثير- المحامي صلاح بن خليفة المقبالي

بر الوالدين أمر واجب على كل شخص فقد أرست دعائمه الشريعة الإسلامية الغراء. والبر بالوالدين يكون في صور عدة منها القولية والفعلية، والقولية هي في أسلوب الحديث والتعامل معهما، أما الفعلية فتأتي في صورة وجوب الإنفاق عليهما ورعياتهما الرعاية الكاملة، وصورة الإنفاق هي محور الحديث في هذه الزاوية عبر “أثير”، والتي كثير منا قد لا يعلم أن القانون العماني قد نظم هذه المسألة وتعرض لها، ومنطلق ذلك ينبع من النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (101/96) والذي نص في المادة رقم (2) منه، بأن: (دين الدولة الإسلام والشريعة الإسلامية هي أساس التشريع.)، وعلى ذلك جرت بقية القوانين في تكريس أسس هذا الدين الحنيف وجعلها موضع التطبيق في صورة قوالب قانونية تواكب تطورات العصر.

وقد نصت المادة (63) من قانون الأحوال الشخصية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (32/97)، على أنه: (أ- يجب على الولد الموسر، ذكراً أو أنثى، كبيراً أو صغيراً نفقة والديه إذا لم يكن لهما مال يمكن الإنفاق منه.

ب- إذا كان مال الوالدين لا يفي بنفقتهما، ألزم الأولاد الموسرون بما يكملها.)

ففي هذه المادة حدد المشرع العماني وجوب النفقة للوالدين على الولد الموسر، واليسر هو شرط صحة وجوب هذه النفقة فهي لا تجب على الولد غير الموسر، والسؤال الذي يثور في هذا الصدد هو ما المقصود بالولد الموسر، فليس معنى ذلك أن يكون ذا مال كثير، ولا أن يكون ثرياً، بل المقصود به أن يكون للولد مال زائد عن حاجته، وهنا تكون النفقة محصورة بوجوب أن يكون الملزم بالنفقة لديه فضلة في ماله لكي يلزم بالنفقة على والديه، والنفقة على الوالدين فيها شرط جوهري آخر أيضاً وهي أنه يجب ألا يكون لديهما مال لكي ينفقان منه، فإذا كان لديهما مال ينفقان منه فلا يلزم الولد بالنفقة عليهما ولو كان ثرياً وفق النص القانوني، غير أنه لا يزال ملزما بالنفقة عليهما شرعاً من باب الإحسان لهما الذي أمر به الله جل جلاله في القرآن العظيم، وترك الإحسان لهما يؤذيهما والله سبحانه وتعالى نهى الإنسان عن إيذاء والديه حتى بأتفه الأمور.

والبند (ب) من المادة سالفة البيان سد نقص في البند (أ) قد يستغل في التملص من النفقة على الوالدين، وهو حالة وجود المال لديهما لكي ينفقان منه بيد أن هذا المال لا يفي بنفقتهما، ولا يكفيهما، فلا يمكن أن يتملص الولد من النفقة على والديه بحكم أن لديهما مالا، وكي يعفى الولد قانوناً من النفقة يلزم أن يكون المال الذي لديهما يكفيهما ويكفي حاجاتهما، والنفقة بالمادة سالفة الإشارة يستوي في وجوبها الذكر والأنثى.

فمتى ما كان الولد موسراً ألزم بضم نفقة والديه إليه إذا ما كان فرداً واحدا ذكراً كان أم أنثى، ولكن إذا ما كان الأولاد عدة فإنه يلزمون جميعاً بالنفقة على والديهم، وذلك بتقسيم النفقة عليهم جميعاً، وهذا التقسيم لا يكون في صورة القسمة العددية والتي بأن يقسم مبلغ النفقة على عدد الأولاد فيخرج الجميع بعد ذلك بوجوب أن يدفع كل واحد منهم مبلغاً مساويا لما يدفعه الآخر، فهذه الصورة لا تحقق المساواة بينهم وهي تخل بشرط صحة الإلزام بالإنفاق، فيجب أن تقسم النفقة على الأولاد جميعاً بحسب يسر كل واحد منهم وهذا ما نصت عليه المادة (64) من ذات القانون بأن قررت: (أ- توزع نفقة الأبوين على أولادهما بحسب يسر كل واحد منهم. ب- إذا أنفق أحد الأولاد على أبويه رضاء فلا رجوع له على إخوته. ج- إذا كان الإنفاق بعد الحكم عليهم بالنفقة، فله أن يرجع على كل واحد منهم وفق الحكم) والمقصود بالبند (ب) من هذه المادة أنه متى ما قام أحد الأولاد حباً وكرامة بالإنفاق على والديه دون إلزام من القاضي عليه بالإنفاق، فلا يصح له أن يقيم دعوى ضد أخوته ليطالبهم بأن يسددوا جزءا من النفقة التي قام بدفعها لوالديه، فهو بادر إلى ذلك بطيب نفس وتصرف بمحض إرادته دون أن يطلب منه أحد ذلك ولا أن يلزمه به، إلا أنه متى ما قام هذا الولد بالإنفاق بعد أن أصدر القاضي حكماً بإلزام الأولاد بالإنفاق على والديهم، فللولد الذي قام بسداد كامل مبلغ النفقة أن يقيم دعوى ضد أخوته ليطالبهم بدفع ما قام بدفعه عنهم من نفقة، والفرق هنا هو مصدر الالتزام، فالأول كان رضائيا وتصرفا بالإرادة المنفردة فلا يلزم الغير بما صدر عن شخص بإرادته المنفردة، والحالة الثانية فمصدر الالتزام هو حكم القاضي أو القانون، وهنا يحق له أن يرجع عليهم لأن أصل الالتزام ملقى عليهم جميعاً.

وفي فرض آخر إذا ما كان الولد ليس لديه فضلة من ماله، ولكن ماله يكفيه أي لا يزيد عن حاجته وإنما يسد حاجاته وحاجة زوجته وأولاده، ووالداه ليس لديهما مال ينفقان منه فهل تبرأ مسؤولية الولد عن النفقة عليهما؟ وجواب ذلك بأنها لا تبرأ مطلقاً، بل يجب عليه أن يضم والديه إلى أسرته وينفق عليهما، وهذا الحكم يجب التمعن فيه أنه حكم خاص بالولد الذكر فقط ولا تلزم به الأنثى، بالإضافة إلى أنه يجب أن يكون الولد وحيداً وليس معه إخوة وإلا ألزموا جميعاً بالنفقة، وذلك بحسب صريح عبارات المادة (65) من قانون الأحوال الشخصية التي نصت على أنه: (إذا كان كسب الولد لا يزيد عن حاجته، وحاجة زوجته وأولاده، ألزم بضم والديه المستحقين للنفقة إلى عائلته.)

ومن جانب آخر فقانون الجزاء العماني الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (7/74) في الباب الرابع منه والذي تضمن الجرائم والعقوبات التي تمس الدين والعائلة، في البند (3/ب) من هذا الباب نص في المادة (213) على أنه: (من قضي عليه بحكم مبرم بتأمين نفقة شهرية إلى زوجه أو زوجته أو إلى أصوله أو فروعه أو إلى أي شخص آخر ملزم قانوناً بإعالته وامتنع شهرين عن تأدية أحد الأقساط فيعاقب بالسجن من شهر إلى ستة أشهر وبغرامة توازي مقدار ما تأخر عليه دفعه.) وهذا النص دليل واضح على التشديد في وجوب النفقة على الوالدين، فالتأخر في تأديتها بعد إصدار حكم نهائي وبات يجعل من الولد مرتكباً لجريمة جزائية تجعل عقوبته السجن لمدة لا تقل عن شهر ولا يمكن أن تزيد عن ستة أشهر، بالإضافة إلى أنه يحكم عليه بغرامة مالية لم يوضع لها حدين أعلى وأدنى كسائر العقوبات في بقية الجرائم وإنما قرر المشرع أن الغرامة تكون موازية لقيمة ما تأخر في دفعه، جدير بالإشارة إلى أن الركن المادي لهذه الجريمة لا يتحقق إلا بتوفر شرطين جوهريين الأول أن يكون الالتزام بالإنفاق بموجب حكم قضائي نهائي وبات أضحى عنوانا للحقيقة واستنفد كافة طرق الطعن العادية عليه، بالإضافة إلى أنه يجب أن يكون التأخير لمدة شهرين فإذا كان أقل من ذلك فلا يتحقق الركن المادي لهذه الجريمة، والركن المعنوي لها يتحقق بأن يكون التأخر في السداد للنفقة يقصد منه الامتناع عن سدادها وليس خطأ أو سهواً أو أي سبب آخر، فيجب أن يكون الملزم بالإنفاق يمسك عن دفع النفقة قاصداً من ذلك ألا يؤديها، وبتوفر الركنين المادي والمعنوي لهذه الجريمة وبحسب تقديرات القاضي الجزائي فينزل عليه العقاب الذي يراه رادعاً له في الإطار الذي حدده قانون الجزاء، وسداده للغرامة لا يقصد به أداءه للنفقة، فالغرامة هي عقوبة جزائية تذهب إلى الخزانة العامة للدولة، وبحسبانها حقاً عاماً للمجتمع، فيلزم على من يحكم عليه أن يؤدي النفقة بالإضافة إلى مبلغ الغرامة، والجدير بالتنويه أنه لا يمكن للقاضي أن يحكم بمعاقبة مرتكب هذه الجريمة بالغرامة وحدها دون السجن فالمادة ربطت بينهما بواو المعية التي تقتضي أن يكونا متلازمين وليس للقاضي أن يتخير بينهما.

Your Page Title