د.رجب العويسي يكتب: لتبقى المدرسة ربيع الذكريات

د.رجب العويسي يكتب: ما دور التعليم في بناء وإعادة إنتاج المشترك القيمي؟
د.رجب العويسي يكتب: ما دور التعليم في بناء وإعادة إنتاج المشترك القيمي؟ د.رجب العويسي يكتب: ما دور التعليم في بناء وإعادة إنتاج المشترك القيمي؟

الدكتور رجب بن علي العويسي- كاتب ومؤلف وباحث في التنمية والأمن الاجتماعي والتطوير المؤسسي والفكر الشرطي والتعليم

ها أنتم تودّعون المدرسة بعد أن ظهرت نتائج شهادة الدبلوم العام، وبدأت استعدادات القبول الموحد لتصنيف الطلبة وفق خياراتهم وتوزيعهم للجامعات ومؤسسات التعليم العالي، ولكنه وداع مصحوب برصيد الذكريات الجميل، وأحداثه التي تثير في النفس الشجون والحنين، وعبير الماضي الجميل الذي لن ينساه أحدكم، بل يستمر في قوته كلما تذكر موقفا، أو أعطى مثالا، أو ارتسم في مخيلته حدثا، أو بدت  في شفاهه علامات الابتسامة، وهو يتذكر المدرسة بكل ما فيها ، أحاديث الصباح والمساء، أوقات الإجازة والدوام، في حافلة المدرسة وبانتظارها، بكوره ورواحه، تأخره والتزامه، اعتذاره وإزعاجه، تلك الفترة كانت كفيلة، بتعميق أواصر الود والحب  للمدرسة ، بما يخلّد ذاكرة الأيام الحلوة في أنشطتها وأروقتها، ومعلميها وزملاء الدراسة، بالمقصف المدرسي ، ومصادر التعلم ، والمختبرات المدرسية، وساحة النشاط والملاعب، ولقاءات الانس والحديث عن الواجبات الدراسية، واليوم الدراسي وحصص النشاط،  وحصص الاحتياط،  بما فيها من تقارب في وجهات النظر،  أو اختلاف في بعص الأفكار،  التي تطرح حلما جديدا لشباب مقبل إلى الحياة ، يحمل الأمل والهدف، ويجدد الوفاء والعهد والوعد لقادم أجمل، وعطاء أرحب، فتبني فيه تلك المواقف قيم العطاء، وتعوده على النقد الهادف،  وإدارة  مواقفه اليومية،  فمجالس الفصول الدراسة، ولجان الأنشطة، والكشافة والمرشدات،  وجماعات الدعم المدرسي وغيرها كثير، محطات تبني فيه روح والمشاركة، وقيمة التعلم والتعليم، منطلقاته وطموحاته وأهدافه وغاياته،  لتلتقي جميعها في  استيعاب طموح متجدد، تتطلب جهدا واجتهادا،  وسهرا واستذكارا وسؤالا للمعلم والزملاء ، وبحث مستمر في المكتبات ومصادر وشبكات المعلومات،  إنها محطات راقية، تبقي في قاموس طلبة الدبلوم العام، ربيع الذكريات الجميل بكل ما فيه،  تحمل حنين الذكرى، وطيب اللقاء ، وأمنيات الشعور، وطموحات  المستقبل، ذكريات ممتدة، لن يأفل بريقها، أو يخفت لمعانها، لتستمر إلى  الدراسة الجامعية وما بعدها، من انخراط في العمل الوظيفي، وارتباط بالحياة الزوجية أو العملية،  فلقد أثبت الواقع أن أغلب اللقاءات  الطويلة والبعيدة التي تتم بين الاصدقاء تجمعها زمالة المدارس، التي تبقى  على مر السنين ، لأنها قائمة على  الثقة والصدق،  والبراءة  والعفوية، والشعور بالأخر والاعتراف بحقه، في أن يتعلم وينافس،  كما لم نجد أعظم من الشعور بقيمة الأخر ومساعدته والتعاون معه ومشاركته،  والابتسامة له،  والمزاح الصادق معه مثلما وجدنا في المدرسة، لتظل ذكريات المدرسة ماثلة في كل ممارسة، مؤثرة في موقف، وتشكيل شخصية المتعلم القادمة، وبناء قناعاته، ونمو الذائقة الجمالية لديه، وتعميق قيمة الاخوة والترابط والتكامل، بما تحمله ثقافة الصف الدراسي، وبيئة المدرسة من مساحات التعاون والاخاء والمشاركة والتضامن والتنافسية والغيرة والزعل والرضا.

 وإنّكم أيها الأبناء وقد انهيتم مرحلة الدبلوم العام ، مقبلون على مرحلة جديدة وحياة متجددة،  وممارسات قد تختلف وقد تتفق  مع ما  تعلمتموه في مواقف حياتكم،  فخذوا من معين المدرسة ما يحيى في نفوسكم الأمل والجد والعطاء والمشاركة وحسن الدراسة، وطّنوا أنفسكم، وحصّنوا ذواتكم، وشاركوا الأخرين نبل الكلمة، وصدق المعلومة، وقيمة المبادرة، ومنهج البحث العلمي والابتكار والريادة، ورسّخوا في ذواتكم، قيمة النشاط والتدريب والبحث ، كونوا عنوانا  للوطن في ما تحملونه من خلق التعليم وأخلاق الدراسة وفضيلة العلم، واحترام الفكر الرصين والممارسين له، تعلّموا مهارات الدراسة، بشكل أكثر  اتساعا ومهنية واحترافية، واصنعوا لأنفسكم بدائل العمل وفرصا أكبر للتجديد ، وسِّعوا خياراتكم واضمنوا  امتلاككم لحسن الاختيار وقوة الدليل. لتبقى المدرسة بذلك ربيع الذكريات الخالدة، ومنبر الجمال المهذّب بقيم الشفافية والوضوح، المعزّز بالثقة والاحترام ، فاذكروا مدارسكم بخير، وكونوا لها خير قادم إليها، معلّما ومربّيا وأبا وأما، واصنعوا  لحياتكم  مساحات، تبقى المدرسة فيها وفدكم الذي منه،  اكتسبتكم قيمة الحياة الصافية، والاخوة الصادقة، التي تنشء في النفس شوقا لا يقادم بذكرياتها الجميلة المعطرة، بطابور الصباح، وآيات الذكر الحكيم،  وسيرة النبي الكريم،  وترديدكم للنشيد الوطني، فبنيتم حياتكم علما وعملا، وخلقا وقيما، وانجازا ومبادرة، وسعيا ومنافسة، فسيروا على بركة الله، يكلؤكم الله بحفظه، ويجعل لكم نوراً تمشون به.

Your Page Title