د.رجب العويسي يكتب: حوادث السير… انتحار الإرادة

د.رجب العويسي يكتب: حوادث السير… انتحار الإرادة
د.رجب العويسي يكتب: حوادث السير… انتحار الإرادة د.رجب العويسي يكتب: حوادث السير… انتحار الإرادة

د. رجب بن علي العويسي
رجب العويسي
كاتب عُماني

د.رجب العويسي يكتب: ممكنات البعد الوقائي في السياسات التعليمية، ماذا نفعل؟
د.رجب العويسي يكتب: ممكنات البعد الوقائي في السياسات التعليمية، ماذا نفعل؟ د.رجب العويسي يكتب: ممكنات البعد الوقائي في السياسات التعليمية، ماذا نفعل؟


في ظل ما تخلّفه حوادث السير من مشهد القتل اليومي ، بات البحث فيها من أولويات استراتيجيات العمل العالمي المشترك  للسلامة على الطريق، بهدف ايجاد الحلول المناسبة التي تقلل من عدد الحوادث وحجم الوفيات والاصابات المترتبة عليها،  متخذة كل الاجراءات والتشريعات والتوجهات التطويرية، أو حتى المبتكرات العلمية في شبكات الطرق والسلامة على الطريق، أو إضافة التقنين والمواصفات الفنية والأمنية للمركبات ، وهي في جملتها  تضع الإنسان محور التغيير والتحكّم في إدارة الحالة المرورية، لكونه من يمتلك ترقية السلوك المروري، بشكل يتناغم مع معطيات التطوير الحاصلة في المجال،  ووفق ما تشير إليه مؤشرات نتائج  الاحصائيات والتقديرات المروية للمؤسسات الشرطية والأمنية، ومراكز الاحصاء والمعلومات العالمية والوطنية ، من مسؤولية الإنسان الأولى، كأعلى المسببات  المؤدية إلى حوادث السير،-   قناعاته، وأفكاره، وظروفه، ونفسياته، وسلوكه وممارساته، وانتباهه وانشغاله، وصبره وعجلته ، وايجابيته وضيقه، وهدوئه وطيشه، واحترامه لحقوق الطريق والمركبة أو عدم مبالاته،- وهي ممارسات باتت تتم في ظل حضور الارادة والقناعة الذاتية،  والمعرفة التامة من قبل السائق أو مستخدم الطريق ، بما يترتب عليها من نواتج مباشرة أو غير مباشره،  على المستوى الشخصي أو الرسمي، ذاتية أو قانونية وتشريعية؛ فمع أن النتائج  المترتبة على السلوك قد تكون غير مرغوب فيه؛ إلا أن طريقة الممارسة باتت حاضرة ومعلومة، وسيناريوهات حدوث هذا الانحراف السلبي متوقعة ، وإرادة الممارس للسلوك باتت  تستصيغ حالة التظليل والوهم بمتطلبات الحالة المرورية، في ظل  إغلاقها كل مسارات الحيطة والحذر، فكانت بذلك أقرب إلى الخواء الروحي، المفتقد لمقومات الذوق النفسي،  والرقي الفكري، في ظل ابتعادها عن بناء سلوك مروري راق،  يدرك عاقبة المخاطر، ويعي محددات الأداء المطلوب، إنه انتحار الإرادة وخروجها عن مسار المسؤولية، أو ملازمتها لحكمة البصيرة، فارتمت في حضن الجريمة، ونزغ بها الشيطان إلى قعر المأساة، واتجه بها زيف الحرية المشؤوم وجنون العظمة، ليجر أذناب الخيبة والفشل، مستبيحا حقها في حسن الاختيار، ومحددات القصد، فأصبحت جنحة متعمّدة ، تعاني منها الإنسانية، وتعيش وطأتها الشعوب ، وتدفع ضريبتها الأوطان، فأهلكت الحرث والنسل، وأفقدت الولد والأهل ، وأظلم بها وجه الأرض، وانتجت مآسٍ يكشف الواقع أثرها المحزن، في أنين الجرحى، وبكاء الثكلى ، ويُتم الأبناء، وضياع الأمال،  وتعقد العلاقات الاجتماعية، ونفوق الثقة في الشخص الجاني أو المتسبب في حادث السير، والغيمة السوداء التي تعيشها بعض البيوت والأسر التي فقدت فلذات أكبادها، وأضاعت زهور شبابها.

وعليه فإنّ التصاق جرم الانتحار بالمتسبب في  الحادث المروري  الناتج عن طيش أو تهور أو حماقة أو رعونة ، مع حضور قواه العقلية وكفاءة مدركاته الحسية والنفسية ؛ تعبير عن حالة الإظلال التي وصل لها الإنسان  بسلوكه المروري المتهور ، حتى وصل إلى المستوى الذي أغلق خلاله كل مداخل التغيير لديه، ومحددات التكريم التي استحقها على غيره من المخلوقات، إذ عطل منهج الارادة ، وأدار ظهره عن منحى التكليف، حتى أصبح يعيش في غير عقل، فسلب من ذاته ضمير المسؤولية، وافتقدت إرادته روح الحياة، ومسار الحرية، وحق التكليف، واستحقاقات العطاء،  وحس الائتمان،  وضعف الشعور باليقين ، والثقة بما تصنعه الارادة المتصلة بخالق الإرادة،  من تغيير في السلوك، ومراجعة  للممارسة، وتقنين للمسار، وحقن للقرار،  وتقويم للاعوجاج، وضبط للانحراف، فاتجه بحماقته وتعطيله كرم الله عليه، إلى النيل من حق نفسه والآخرين في العيش بأمن وسلام ، إنه انتحار  فوري يتجاوز كل الأعراف والقيم والأخلاقيات، وانهاء الحياة  في ومضة عين ورمشه هدب،  فإنّ موت الارادة التي تسّير عمل الإنسان وفق منهج التقنين ؛ علامة على الضعف والوهن، والركون إلى سلوك الغوغائية، والتصرف المسيء للقيم والمروءات، وليس أكثر استهجانا من أن يرمي الإنسان بنفسه إلى التهلكة، مع حضور كل قوى الارادة لديه ، ولكنها إرادة معطلة  الشعور، لتبرز في صورة الوحش المفترس  الذي يتجاوز المقبول والمعقول، فيعطّل قيم الحب والتعاون والتسامح والانسانية والحنان والدفء التي خلقت معه،  ويتعالى غير مكترث بحقوق الطريق وقواعده وتشريعاته وأنظمة السير، أصمٌ أعمى بغروره، عن كل نداءات  الحكمة،  ومواعظ  وتوجيهات الشرطة. فهل ستصحو الارادة من غفلتها؛ أم تستمر في انتحارها وانحطاطها؟

Your Page Title