أثيريات

الاستثمار في التعليم المدرسي: صناعة المنافسة أم تدوير لعمليات متكررة؟

د.رجب العويسي يكتب: ما دور التعليم في بناء وإعادة إنتاج المشترك القيمي؟
د.رجب العويسي يكتب: ما دور التعليم في بناء وإعادة إنتاج المشترك القيمي؟ د.رجب العويسي يكتب: ما دور التعليم في بناء وإعادة إنتاج المشترك القيمي؟

الدكتور رجب بن علي العويسي- كاتب ومؤلف وباحث في المواطنة والتنمية والأمن الاجتماعي والتطوير المؤسسي والفكر الشرطي والتعليم

لعلنا ندرك جميعا  أهمية الاستثمار كقيمة مضافة لجودة التعليم  وامتلاكه موجهات التطوير وأدوات المنافسة، بما يتيحه من تنوع الفرص وتعدد البدائل الناتجة عن توظيف موارده  والاستثمار  في قدراته وإمكاناته ، بشكل يتواءم مع طبيعة المرحلة التي يعيشها والأهداف الوطنية التي يسعى إلى تحقيقها، وكفاءته في بناء الإنسان وتحقيق استدامة التنمية ، فإن هذا التشعب الحاصل في غاياته وأولوياته،  والطموح الوطني والمجتمعي منه، يستدعي  قدرته على الوفاء بالتزاماته، في ظل زيادة حجم الموارد والامكانيات والاموال التي يتطلبها، والبحث عن مداخل وبدائل يصنعها التعليم ، بما يقلل من حالة الاستهلاك للموارد التي يعيشها،  مع ضعف مساحات المرونة والصلاحيات المتاحة له في  التصرف في ممتلكاته  العينية من أراض وعقارات، أو المنقولة غير الثابتة كأرصدة بنكية  وأسهم وسندات مالية وغيرها، على أنه نظرا لارتباط التعليم بمنظومة مالية محددة،  واعتماده على الموازنة العامة للدولة، وانعكاسات ذلك  على نسبة الاستحقاقات الممنوحة له ، والخطط التي انتهجتها الدولة في هذا الشأن الداعية إلى تعزيز كفاءة  الانفاق في الموارد، من خلال  تقليل المصروفات، وإيقاف الترقيات  المالية، والمكافآت ، يؤكد أهمية قراءة هذه المرحلة  واستيعاب متطلباتها بصورة أكثر جدية ، وتعميق البحث  في مفهوم الاستثمار في التعليم بشكل أكثر استدامة ، وأقرب ارتباطا بموارد المنظومة التعليمية  ذاتها، بحيث يتجه إلى : توظيف ما تمتلكه من موارد وامكانيات،  سواء عبر توجه وزارة التربية والتعليم  بالاستثمار في الأراضي الفضاء، أو استغلال جزء من مواقع بعض المدارس  في المناطق التجارية والصناعية الحيوية، لبناء عقارات أو أنشطة تجارية، أو قاعات متعددة الأغراض؛  أو  منح إدارات المدارس صلاحيات تنفيذ وإدارة مشروعات معينة ذات عائد استثماري مناسب مثل : الملاعب الرياضية، وحدائق  ألعاب الأطفال، والألعاب المائية وغيرها، عبر  الشراكات المجتمعية، ودعم الشركاء أصحاب الشركات  ومؤسسات القطاع الخاص أو مجالس الآباء والأمهات ، وتعزيز جودة التعليم عبر برامج التدريب و بناء القدرات والاستثمار في  مهارات المعلمين والطلبة وبراءات الاختراع لديهم،  بشكل يعود على المدرسة  بعوائد اقتصادية واستثمارية داعمة.

وعليه فإن معادلة التوازن في مفهوم  الاستثمار في التعليم ، ينبغي أن تتم في إطار هدف تحقيق  عوائد استثمارية على التعليم ومؤسساته ، وليس عبئا اضافيا تتحمله ادارات المدارس ومؤسسات التعليم الاخرى، بحيث تصرف في سبيله الوقت والجهد والمال، وتضع له الخطط والبرامج ، وتجند من أجله الادوات واليات العمل والوسائل ،  دون  الحصول على نواتج هذا الجهد، حتى لا تصبح المسألة  مجرد تدوير لعمليات متكررة،  واشغال التعليم عن اولوياته، وتوجيهه  لخدمة قضايا  لا تحقق له عوائد جهده او نتائج  استثماراته، مما يعني الحاجة إلى إعادة النظر في  القوانين والتشريعات المالية المنظمة لهذا العمل، ومنح المدارس صلاحيات أكبر في التصرف مع تقنين للبنود، ومحاسبية  داعمة لمضمون التمكين والصلاحية، وفق آلية تفتح لها بدائل استثمارية ومالية واسعة، وتخلق مسارات تنافسيه  بين إدارات المدارس والمديريات التعليمية بالمحافظات في حجم الاستثمارات  الممكنة، وما تجلبه من موارد واموال  من الشركات ومؤسسات القطاع الخاص، بحيث  يكون  لها نسبة استقطاع معينة  من هذه الجهود والاستثمارات، ليتجه جزء منه إلى موازنة المدارس ، وأخرى في موازنة التعليم بالاضافة إلى وزارة المالية،  تعزز به المدارس أهدافها التطويرية والبحثية ومختبراتها العلمية والأنشطة والبرامج والإصدارات والتكريم والتحفير  المستمر  للعاملين بها والطلبة، فإن منح المدارس صلاحيات تعزيز مساحات الاستثمار والتصرف  في الموارد والامكانيات،  وإدارة المشروعات التعليمية ، وفرص التنوع في البدائل والتمكين في خلق الخيارات، وتعزيز المرونة  المالية في بنود الصرف والتناقل بينها بحسب طبيعة الاحتياج والحالة التي تعيشها المدرسة ، سوف يضمن توجيه رؤية الاستثمار في التعليم المدرسي إلى نواتج  فعلية،  تبرز في زيادة فرص الابتكار  والريادة والتسويق العلمي  لمراكز الاستكشاف والبحث والمختبرات العلمية  وغيرها. فهل ستضمن مساحات التعاطي مع ملف الاستثمار،  تعزيز فرص المنافسة والتمكين والتسويق  للكفاءة التعليمية؛ أم ستظل مجرد  تدوير لفاقد عمليات متكررة، وإضافة أعباء أخرى على التعليم ومؤسساته؟

 

Your Page Title