حينما كان المال العام تحت الرقابة الصارمة: رفض الشيخ الصبحي لزيادة راتب الإمام أنموذجًا!!

حينما كان المال العام تحت الرقابة الصارمة: رفض الشيخ الصبحي لزيادة راتب الإمام أنموذجًا!!
حينما كان المال العام تحت الرقابة الصارمة: رفض الشيخ الصبحي لزيادة راتب الإمام أنموذجًا!! حينما كان المال العام تحت الرقابة الصارمة: رفض الشيخ الصبحي لزيادة راتب الإمام أنموذجًا!!

أثير- تاريخ عمان

أثير- تاريخ عمان

إعداد: نصر البوسعيدي

إعداد: نصر البوسعيدي

لقد كان لتاريخ عمان أحداث، ومواقف تشير إلى الكثير من العبر التي وجب أن ننتبه لها جميعا، وأن نستفيد من كلّ الذي حدث لنكمل عليها المسيرة نحو المستقبل وهنا تكمن أهمية التاريخ والبناء عليه.

المال العام، ورقابته هو الأساس المهم للبناء في أيّ مجتمع، ووجب على الجميع تحمّل مسؤوليته اتجاه كل مقدّرات الوطن، فالمشاركة الحقيقية في اتخاذ القرار، والتشديد في الرقابة ومساءلة كبار المسؤولين في كل صغيرة، وكبيرة فيما يتعلق بالمال العام من ضروريات أي مجتمع متمدن عادل تفاديًا لاستغلال السلطة، وحماية لكل مقدّرات الوطن.

الكثير من الأحداث التاريخية في عمان تشير إلى أنّ قوة الدولة العمانية كانت تنبع من خلال هذه الرقابة الحقيقية، ولنا في الشيخ سعيد بن بشير الصبحي، ورسالته الصارمة إلى الشيخ سالم بن راشد البهلوي والي نزوى مثالا ونموذجا تاريخيا مشرفا حينما تمّ سؤاله عن رأيه في زيادة راتب الإمام سيف بن سلطان بن سيف اليعربي الثاني الذي كان يطمح براتب أفضل عن أسلافه الأئمة، وقد جاء في رسالته التي حفظتها المصادر التاريخية العمانية كالتالي:

“بسم الله الرحمن الرحيم، قال العبد الفقير الضعيف الحقير سعيد بن محمد الصبحي، إن سألني الرضي الوالي الموالي سالم بن راشد بن سالم البهلوي، الذي هو للإمام عز، وله ذخر، وكنز، بأن أجعل لسيدنا إمام المسلمين سيف بن سلطان أعزّه الله، مثل ما جعل للشيخ محمد بن ناصر الغافري، فقلت: لا بل فريضة آبائه، وذلك لأن العاقدين لجده الإمام ناصر بن مرشد رحمه الله، لم يألوا جهدا، ولم يتركوا اجتهادا، ولو جاز لهم، ووسعهم فوق الألف الذي جعلوه لما بخلوا عليه من الزيادة، ولو لكل يوم ألف، ولو جاز لهم ذلك لجاز للإمام قبوله منهم، إذ الأصل العطاء المفروض في بيت مال الله، ولو جاز لهم ما اختاروا لجاز للإمام ما فرضوه وأرجو أنهم أخذوا ما فعلوا تأويلا من قوله الله عزوجل ” والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا، ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما”، والقوام هو العدل بين الأمرين، فخذها سيدنا فريضة هنيئة، وهبة بريئة، لا وبيئة، لا خارجة على حكم التقية، ولم أعلم أن جدك الإمام سلطان بن سيف، ولا جدّك سيف، ولا عمّك بلعرب، ولا أباك سلطان طلبوا، ولا أخذ أحد منهم زيادة على ما مضى عليه إمامهم ناصر بن مرشد، وتلك فريضة كافية، ومات عليها الأسلاف، ولا أريد لك خلاف ما عليه السلف، فهذا اختياري والجهد مني ولا خفت في أمرك لومة لائم، بل اخترت لك ما اختاره الله لملكه من الأئمة، واختار المسلمون لهم ذلك نظرا ومعونة، وموافقة لكتاب الله.

وقال لي الشيخ سالم: كيف جعلت فريضة الشيخ محمد أكثر من هذا؟

فقلت له: أخاف وقوعها من باب التقية، والمخافة الخفية، والحلال أولى في حكم الله، وحكم البرية، ودم وابق سالما مستقيما، وأنتم بخير كثير، وأمر الدنيا قليل حقير، والسلام عليكم ورحمة الله.

من الخادم الحقير سعيد بن بشير الصبحي تاريخه نهار 21 شعبان 1143هـ “.

ولعل هذه الرسالة تعطينا إشارة عظيمة للكيفية التي تدار بها الأمة العمانية في أوج عظمتها، فلم يخشَ الشيخ الصبحي أي أحد ولم يتبع مصلحته الشخصية في المجاملة ولم يتساهل بتاتا في قضية المال العام من أجل أحد، بل رفضه كان صارما لمصلحة البلاد والعباد وكانت هذه المسؤولية والغيرة هي الأساس المنشود في المجتمع، وهو ما نفتقر إليه اليوم فالرقابة المالية مهمة وضرورة وخاصة حينما يتعلق الأمر بكبار المسؤولين في الدولة فالثقة تبنى أساسا على المساءلة وحماية الوطن ومقدراته من أصحاب المصالح وضعاف النفوس، والمال الذي لا رقابة فيه ولا مساءلة يتعرض دوما للعبث.

*********************************

المرجع: مصادر التاريخ العماني الحديث والمعاصر-دراسة مسحية وصفية، د. سعيد بن محمد بن سعيد الهاشمي، دار الفرقد للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق – سورية، الطبعة الأولى 2017م.

المرجع

Your Page Title