محمد بن علي الوهيبي
ما إن تترك السواقم خلفك وتغوص في متاهة المياه والجبال حيث *وادي مجلاص* ولوهلة تظن أنك ضيعت الطريق الذي أصبح الآن من البقاع المهجورة حتى من عواء ذئب….ولكن وبعد أن تعبر المخاضة الكبرى…. تستقبلك جبالها عن الشمال واليمين وكأن تلك الجبال ذات الصبغة البيضاء ترفع لك راياتها بالترحيب فتعرف أنك وصلت أرض القرى الكثيرة وأنك عبرت مفازة الوديان والصخور.
كان ذلك مدخلها في الزمن البعيد الجميل ….زمن العبور بالدواب أو سيارات (العريبيا -البيد فورد – أواللاندروفر أواللاندكروزر)… تدرك ساعتها أنك نزلت أهلا ووطئت سهلا لتعانقك قريات بأهلها وسهلها وبحرها.

فطبت وطاب ممشاك وإذا بي أعبر مسافات وأزمنة…بصحبة روائح أشجار السمر والغاف وشجيرات السرو والحنا والسعتر والسيداف والعسبق….
واكتشف أني في موطن أشجار الأمبا والبيذام والفيفاي ونخيل القدمي والخمري….وأم السلى….
كم هي عجيبة قريات التي تجمع الآبار مع الأفلاج
و البحار والخيران والمقاصير مع الطويان…..
كل هذا الجمال في قريات

بشواطئها التي يداعبها البحر بزرقة اللازورد وجبالها وأشجارها المتنوعة…..الطبيعة هنا في قريات تخبئ الكثير لزوارها….
كما أنها صبرت في الماضي التليد وصمدت بوجه الغاشم المحتل عندما قاوم أهلها البرتغاليين و قلعة الصيرة وقلاعها الأخرى خير شاهد على ذلك الزمن…….
كما وهب الله قريات مياها وفيرة وأغدق عليها من واسع فضله بحرا وبرا وحدائق غنّاء تَجودُ بغلالٍ وفيرةٍ….
ومن أسماء طويانها الجميلة….. أذكر العويديه و الروليه والبيذاميه والشاب والمهلبيه والجحل والجحيل والمنقل والمارودة ثم الهلاليات والغالبي والحاجبية وطوي النارنج والصفريه والمناخ والريساني وأرض الله وقيصر والفضليه والقرطيه والحمدانيه……بالتأكيد لن أستطيع حصر كل مسميات طويان قريات ولكنه تطواف بسيط في بعض أرجائها….ويتوقف بي الزمن في سوقها العريق المبني من سنين سحيقة بواسطة مهندسين بارعين…… فذلك السوق كان يتفرد بموقعه المنتقى بحصافة وعناية وتميز بحسن بنيانه و بتوزيع رائع لدكاكينه والساحات وأماكن المناداة…..

هناك خالي عبدالله بن خلفان الوهيبي متربعا على صدر دكانه والمتبضعون يحيطون به لشراء مؤنهم (راشنهم) وكافة احتياجاتهم……يقابله دكان الحاج صالح بن سالم الحميدي بوجهه السمح وبجواره دكان علي بن مراد البلوشي ومن بعيد أرى دكان سعيد بن حمد العامري ودكان سالم بن سعيد الغزالي ثم دكان أحمد بن مبارك بن حسين الفارسي ودكان صالح بن سالم السيابي وليس ببعيد عنهم دكان سعيد بن ناصر العادي ودكان داود بن سليمان البلوشي ثم دكان عبدالله شيران البلوشي ودكان جمعه بن سيف الحميدي ودكان عبدالله بن أحمد الجرداني ومررت بدكان الحلاو مبارك بن سنجور الذي اشتهر بصناعة الحلوى العمانية….. ومن ينسى دكان عطار سوق قريات علي بن خميس البلوشي……
وفي ساحة المناداة رأيت مرتادي السوق يتحلقون حول أصوات المنادين….. تارة اسمع صوت المنادي راشد الحسني وتارة أخرى اسمع صوت محمد بن حمد البواب وسويد بن جمعه وهم ينادون على الغلال من خيرات طويان قريات وخيرات البحر من أسماك وفيرة والذي تشتهر به الولاية منذ القدم…..و لمحت بجوارهم القماميط محبوب وعمران وجمعه بن خلوف وهم يتهيأون لتقطيع الأسماك المشتراة.

و من جهة البحر يقبل شعبان ينقل حمولات السمك حمولة تلو الأخرى من سيف البحر إلى السوق العتيد
وما إن خرجت من السوق وتركت ناسه الطيبين
سمعت صوت المعلمة شريفة بنت حمد المياحية واقتربت من مدرستها تلك فرأيتها ممسكة بعصاتها الحادة وهي تقرأ آيات من الذكر الحكيم على طلابها ليرددوا بعدها ما تلته وتتوالى التلاوة والقراءات وأنا أبتعد في ممشاي في طرقات و حواري قريات مستعيدا تلك الوجوه والأصوات التي رحلت بعيدا لكن دفء أوقاتهم وسماحة نفوسهم ومساحات قلوبهم لا زالت تملأ أماكنهم ….
وأختم المقال بقول الشاعر
مات قوم وما ماتت مكارمهم
وعاش قوم وهم في الناس أموات.
(ساعدني في تذكر أسماء الأشخاص ومسميات الطويان أخي وصديقي محمد بن ناصر الوهيبي)