عمان نصيحة الأمة في السلام .. رسالة الإمام ناصر بن مرشد للجزائر أكبر مثال ..

عمان نصيحة الأمة في السلام .. رسالة الإمام ناصر بن مرشد للجزائر أكبر مثال ..
عمان نصيحة الأمة في السلام .. رسالة الإمام ناصر بن مرشد للجزائر أكبر مثال .. عمان نصيحة الأمة في السلام .. رسالة الإمام ناصر بن مرشد للجزائر أكبر مثال ..

أثير – تاريخ عمان:
إعداد: نصر البوسعيدي

أثير – تاريخ عمان:


إعداد: نصر البوسعيدي

كانت عمان ولا تزال منبر السلام يدعو إلى التعايش ونبذ الحروب منذ قديم الزمان، ونصيحة العالم للوئام رغم كل الآلام التي عانى منها أهلنا حينما تخلت كل الأمة العربية لنجدتنا طوال 140 عاما في ظل الغزو البرتغالي الغاشم.

تاريخ عمان لم يكن دائما يسير دون حوادث مؤلمة تذكر، ولكن ما يميز أهل عمان بأن الجميع كان يحب الخير للغير ويتعطش لإصلاح ذات البين وإنهاء الشقاق، وكانوا يحزنون كل الحزن لمنظر الأمة وهي تفترق لأسباب دينية أو سياسية أو قبلية والخ، من منغصات إن تمكنت من المجتمع لهدمته وآذت الحرث والنسل.

لقد تجاوزت عمان في تاريخها الكثير من الإشكالات والفتن التي كانت في كثير من الأحيان تنشب نتيجة صراع السلطة رغم أن الاستقرار السياسي كان له نصيب كبير من تاريخنا لذلك استطعنا أن نملك البحار بأساطيلنا ونؤسس قوة عظيمة تربط بين الخليج العربي وقارتي أفريقيا وآسيا وأوروبا منذ عصور ما قبل الميلاد، ويكفي أن نعلم أن ذكر عمان وموانئها مدون  في كتب الأسفار القديمة وفي الكتابات اليونانية والرومانية والفرعونية وحضارات بلاد الرافدين وإلخ، فتاريخ هذه البلاد لا يحصيه الزمان لأن عمان منذ فجر التاريخ مسطرة في صفحاته.

ولقد جبل العماني لحمل رسالة الخير أينما كان ويكفي بأن هذه الأرض الطيبة أحبها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحب أهلها وكان يدعو لهم ويمتدح سيرتهم وخلقهم أمام صحابته الذين كان من ضمنهم شباب من أهل عمان، وكيف لا يحبنا سيد البشر وأجدادنا من آمنوا له طوعا ومحبة إشارة إلى روح السلام المتمكن في نفوسهم بوقت كانت الدعوة الإسلامية بحاجة لمن يساندها ويؤمن بها، وفي وقت تنصل الكثير منها ولم يؤمنوا بها لدرجة أذيتهم لرسول الله سيد البشر وخاتم الأنبياء والرسل.

لذا أسهم أجدادنا في نشر الدعوة الإسلامية وفي الفتوحات الإسلامية، وكانوا جزءًا من انتصارات الأمة في هذه الناحية من الوطن العربي.

وامتدادا لرسالة الخير التي كان يحملها أجدادنا الأفاضل، واليوم يكملها أهل عمان بسلطانهم الحكيم وسياستهم المتزنة النابذة دوما للشقاق والحروب والنزاعات، يذكر التاريخ بأن خلافا قد نشب بين أهل الجزائر في عهد الإمام العماني ناصر بن مرشد اليعربي موحد عمان في عام 1624م، وحكيم زمانه، الكريم للخير والوحدة بين كل العرب حاله من حال أئمة عمان وحكامها كالصلت بن مالك الخروصي من أنجد سقطرة من ظلم الحبشة الذين هتكوا الأعراض والأنفس فحررها وأرجع الحقوق لأهلها لتعيش بسلام، ومثله الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي من أنجد بصرة العراق من ظلم وحصار الفرس فكسر شوكة المعتدين ليعيش أهل العراق في سلام آمنين.

لقد تألم الإمام ناصر بن مرشد اليعربي وأهل عمان حينما علموا بأن أهل الجزائر في فتنة  وخصام، لذلك كان من واجبهم ولأنهم أبناء وطن سلام أن يبعثوا برسائلهم إلى أعيان أهل الجزائر يدعونهم للسلام والصلح ونبذ الخلاف وحقن الدماء، فكانت هذه الرسالة الفصيحة المؤثرة للإمام ناصر بن مرشد التي كتبها بأمره الشيخ القاضي خميس بن سعيد الرستاقي والتي تمثل نصيحة الإمام وأهل عمان المحبين للخير الكارهين للشقاق مثلما دونتها أمهات المصادر من المخطوطات العمانية القديمة والتي حفظت لنا الكثير من هذه المراسلات التاريخية المهمة، والتي من الواجب الاطلاع عليها وتسليط الضوء ، لذا سأنقلها بعد اختصارها لكم حسب ما ورد نصها في المخطوطات ودونها د. سعيد الهاشمي في كتابه مصادر التاريخ العماني الحديث والمعاصر وفيما يلي نصها :

” من إمام المسلمين وسراج المتقين ناصر بن مرشد بن مالك اليعربي … الحمد لله موجد الأشياء بعد الإعدام، ومخرج الثمرات من الأكمام، ومصور الأمم كما شاء في ظلمات الأرحام، العالم بخفيات خواطر الأوهام، والمتفضل على خلقه بالألطاف والإنعام مبدئ الخلق ومعيدها، وخالق البرية ومبيدها، الذي جلت عظمته، وعظمت منته، وعزت كلمته، وعلت قدرته وعمت بركته، ووسعت كل شيء رحمته…الخ.

أما بعد:

فهذا كتاب فيه تحية وافرة وألوكة ظاهرة ونصيحة زاهرة، من إمام المسلمين ونظام المؤمنين وبقية من تمسك بالدين، سراج الزاهدين الرضي ناصر بن مرشد بن مالك بن أبي العرب بن سلطان بن أبي العرب اليعربي، ومن معه من المسلمين، لا زالت بمس فضله من بروح السعود، ولا برح ظل عدله على الخلق غير مفقود، بحرمة الآيات والذكر الحكيم، والنبي المصطفى الكريم صلى الله عليه وعلى آله..

إلى المشايخ السادة الفضلاء القادة، دعاة الناس إلى طريق السعادة، أهل العلم والزهادة، القائمين بدين الله القويم ..

إخواننا رجال بني مصعب، سلمهم الله سلامة باقية، وكلأهم حراسة وافية…والخ

قد بلغتنا عنكم أخبار أبكت عيوننا وضاعفت أحزاننا وهمومنا حيث أخبرنا بافتراقكم واختلافكم وشق عصامكم بعد ائتلافكم وكنا قبل ذلك نرجو منكم الوصول والإعانة على هذا الأمر الجليل فضاقت من أجل ذلك صدورنا وتكدرت خواطرنا رحمة لكم وخوفا على دينكم أن يختلسه الشيطان منكم ويلقي بينكم العداوة والبغضاء فانتبهوا رحمكم الله واستبصروا واعتبروا واعملوا على ما أنزل الله في كتابه حيث يقول (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا)

فقوموا بما أمركم الله به وانزجروا عما نهاكم عنه فإنه (يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون) وهو العالم بجميع أعمالكم والمطلع على عقائد ضمائركم فاتقوا الله ثم اتقوا الله فقد وضح السبيل وقام الدليل وأكمل الله الإسلام وبين معالم الحلال والحرام، واحذروا من عدو الله ثم احذروا أن يكدر عليكم أمر دينكم ويبدلكم الشك بعد يقينكم ويسلب الرحمة من قلوبكم ويلقي الغل في صدوركم فإنه أكثر معاناة أكيس مقساة …إلخ

واعلموا أن الفرقة عذاب، وأن الاجتماع رحمة وقد أدب الله المؤمنين وحثهم على إصلاح ذات بينهم فقال: ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما…) فإن كنتم قد تآلفتم واجتمعتم وأصلحتم ذات بينكم فبرحمة من الله، ذلك الذي يسرنا منكم وان كنتم مقيمين على اختلافكم والحرب بينكم واقفة، ذلك نزعة من الشيطان لعنه الله، فبادروا إلى الله بالتوبة فـ “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” فكفوا عن الحرب وسلموا أموركم إلى الله تعالى وأولي الأمر منكم وهم أهل العلم على الاستقامة في الدين من الفقهاء الصالحين وتآلفوا واجتمعوا ” واتقوا الله وكونوا مع الصادقين”.

فإن كان لكم إمام عادل مرضي فواجب عليكم طاعته ونصرته وحرام عليكم خذلانه ومعصيته من الرعية، فإن خالف عليه أحد من الرعية ومال عن الحق إلى الحمية وأخذته العزة بالإثم والعصبية فألينوا له المقال ولا تبدؤوه بالتعنيف والجدال لعلعه يتذكر أو يخشى وخوفوه بالله تعالى لعل تنفعه الذكرى وأنصحوا له فسوف يرضى فإن أبى إلا نفورا واستكبارا وجنح إلى الظلم والبغي خيارا فأغلظوا قولكم عليه، وأعيدوا نصحكم إليه، فإن انزجر وأبصر واعتبر عرفوه دعوة المسلمين، وأقيموا عليه حجة المؤمنين، ونابذوه الحرب، واحسروا له عن ساعد، وشمروا له عن ساق إن وجدتم إلى ذلك سبيلا حتى يفيء إلى أمر الله.

وإن لم يكن لكم إماما فتكاتبوا وتراسلوا بالكف عن الحرب ونادوا بالأمان في جميع أحيائكم وقرائكم وأسلموا أموركم إلى فقهائكم وصلحائهم وأهل الفضل منكم وأعطوهم على ذلك عهودكم ومواثيقكم فإنكم تبع لهم وطوع لأمرهم ولا تخونوهم ولا تغروهم ولا تخدعوهم ولا تمكروا بهم.

وليجتمع العلماء والصلحاء والفقهاء والفضلاء من كل حي وقرية من قراكم، واختاروا رجلا منكم صالحا مرضيا ثقة عدلا وليا جلدا قويا عالما أمينا مأمونا منصفا حليما لا حسودا ولا حقودا ولا مخلفا للوعد ولا ناقصا للعهد محتملا للأئمة لا بخيلا عجولا لا يميل إلى قريب ولا يتجانف عن بعيد ولا تأخذه في الله لومة لائم، وقدموه إماما لكم وخلفة عليكم وبايعوه على السمع والطاعة في السراء والضراء والشدة والرخاء وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر…

وعلى إنقاذ الحق في القوي والضعيف، والدنيء والشريف، وأخذ الحق من الظالم الغشوم للضعيف المظلوم، وقبض الصدقات من حلها ووضعها في أهلها…إلخ

وإن كان قتالكم عن تأويل وديانة واختلاف كلمة، وكل أحد منكم يدعي الإمامة ويتسمى بها ويقول إن الحق في يده دون الآخرين، فمن الرأي عندنا أن تكفوا عن الحرب وتغضوا أبصاركم على الإحن التي مضت، وتطئوا على الدماء التي سلفت، وتكتبوا شرح صفة حربكم، وسبب اختلاف كلمتكم وكيفية اختلافكم من أهل نفوسة وجربة أو إمام عمان وإخوانكم منها، وانظروا رأيهم وقولهم وفتواهم في أمركم واعملوا على رأيهم المصيب وفتوى كل عالم أريب فإنا نرجو لكم سلامة دينكم وتسديد أموركم وتوفير أموالكم ونفوسكم.

وإن كان قتالكم على الدنيا وطلب الرئاسة وحب الثناء وفخر السياسة فذلك من أبخس البضائع وأسوء الصنائع وأنجس الحظوظ وأشأم الأعمال وأخس الآمال وأضر شيء بدين المرء ودنياه، وأعظم حسرة في حضرته وعقباه، وقد هلك بذلك كثير من الناس من الأولين والآخرين إلا من عصمه الله وتفضل عليه بمنه وحوله وقوته، نسأل الله لنا ولكم النجاة من الفتن ومسامحة النفوس إلى إجابة دعوة الشيطان والولوج في الظلم والعدوان، ونعوذ به ونعتصم به ونتوكل عليه ونفوض جميع أمورنا إليه، نستهديه لإرشادنا وتوفيقنا وتسديدنا إنه الكريم المفضال الكبير المتعال، فينبغي لكم الرجوع على ما أنتم عليه والفرار إلى الله بالكف عما زين الشيطان لكم، وسولت لكم نفوسكم إليه، والمبادرة إلى الله بالتوبة النصوح وزجر النفس الطموح واغتنام بقية الحياة القليلة بحبس الاعتداد للنقلة الطويلة، والندم على ما فات ومضى وزال وانقضى، وإخلاص العمل لله تعالى بما بقى، فإن الله واسع عليم، وارغبوا إلى الله عز وجل في هدايتكم ” ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون”…إلخ

فالله الله ثم الله الله يا قوام الإسلام ويا صدور الأنام، ويا أمناء الله في بلاده، وخلفاءه على عباده، لا تتركوا أيامكم تمضي ضياعا وتجافوا عن الراحة في الدنيا وأقلعوا عنها إقلاعا، واشتروا الحياة الباقية بالحياة الفانية فعما قليل أنتم ميتون وملاقون ما كنتم تعملون، وإلى إحدى المنزلتين أنتم صائرون ” فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون& ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون” …الخ

كتبنا لكم كتابنا هذا ونحن في سلامة شاملة ونعمة من الله كاملة، وكلمة المسلمين واحدة، وحجتهم عالية ودعوتهم ظاهرة ويدهم قاهرة والحمد لله رب العالمين وصلى الله على رسوله محمد وآله وسلم تسليما ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم والسلام عليكم وعلى كافة إخوانكم ممن شملته شفقتكم ومحبتكم ورحمة الله وبركاته”.

المرجع: مصادر التاريخ العماني الحديث والمعاصر، دراسة مسحية وصفية – د. سعيد بن محمد الهاشمي – دار الفرقد للطباعة والنشر، دمشق – الطبعة الأولى 2017م.

Your Page Title