تاريخ عمان

الوجود الهندي في مسقط .. تاريخ قديم ممتدّ لمئات السنين

الوجود الهندي في مسقط .. تاريخ قديم ممتدّ لمئات السنين
الوجود الهندي في مسقط .. تاريخ قديم ممتدّ لمئات السنين الوجود الهندي في مسقط .. تاريخ قديم ممتدّ لمئات السنين

أثير – تاريخ عمان
إعداد: نصر البوسعيدي


أدّى التقارب الجغرافي والتواصل التجاري بين الهند، وعمان إلى وجود العديد من الجاليات الهندية في مسقط ومطرح وبالذات الذين كان لهم نشاط تجاري في موانئ الخليج العربي .

وتشير بعض المصادر التاريخية إلى أن الجالية الهندية كانت توجد في عمان منذ القرن الخامس عشر الميلادي، وتحديدا في قلهات تلك المدينة المزدهرة تجاريا قبل غزو البوكيرك لهذه المدينة عام 1507م ، وقد زاد أعداد الهنود في مسقط بعهد دولة اليعاربة التي استجلبت الهنود والفرس للعمل كصناع وأصحاب أعمال وتجارة، فاستوطنوا عمان ووجدوا فيها مبتغاهم نتيجة الأمن والاستقرار، ومبدأ التعايش، والتسامح الذي يميز العمانيين عن غيرهم في المنطقة .

ولا ينسى التاريخ أن يوثق قصة ( نروتم الهندي ) ومساعدته هو وأتباعه للإمام سلطان بن سيف اليعربي حينما حاصر البرتغاليون في مسقط عام 1649م ، وما نتج عنه بعد انتصار الإمام إذ أعطى الكثير من الامتيازات للتجار الهنود وأعفاهم من دفع الجزية والسماح لهم ببناء معبد خاص بهم .

وفي عهد الدولة البوسعيدية يذكر ابن رزيق في كتابه الفتح المبين ” إن الإمام أحمد بن سعيد إذا نزل مطرح يستقبله في المقدمة الأعيان، ومن ثم الحيدربادية، ومن ثم بقية الناس “.

وينقسم التجار الهنود في مسقط إلى طائفتين هما :

1 – البانيان : هو مصطلح نحت من حرف من كلمة ( بهاتيا ) وهو اسم إحدى الطبقات التجارية في الهند اقترن تاريخها بالتجارة الخارجية ، قدمت من كوجرات ونهر السند وجافا واستقرت في مسقط وسيطرت على تجارتها الخارجية .

2 – الخوجا : وهو مصطلح أطلق على التجار المسلمين القادمين من الهند وتحديدا من حيدر آباد السند وقد استقروا في مسقط وأسسوا منطقة خاصة بهم في مطرح وعملوا وسطاء تجاريين بين الساحل والداخل في عمان .

وفي عهد السيد سعيد بن سلطان ازدهر نشاط التجار الهنود وخاصة حينما انتقل السيد سعيد للاستقرار بين مسقط وزنجبار مما أدى إلى رواج تجارة الهنود في البهارات، والرقيق، ومختلف السلع وجنوا من ورائها أرباحًا طائلة واستفادوا من الفراغ التجاري الذي حدث في مسقط نتيجة انتقال السيد سعيد بن سلطان إلى زنجبار ، فوفدوا إلى مسقط بشكل كبير ووصل عددهم إلى 2000 نسمة في عام 1840م .


وفي عهد السلطان فيصل بن تركي عاد نشاط التجار الهنود مرة أخرى في مسقط وتوافد إليها من غادرها وبشكل كبير نتيجة إبرام السيد فيصل مع الحكومة البريطانية اتفاقية عام 1891م ، التي تضمنت العديد من الامتيازات للتجار الهنود كونهم من الرعايا الإنجليز الذين تشملهم بنود الاتفاقية ، إذ سمح لهم بحرية امتلاك العقارات في مسقط ومطرح وممارسة شعائرهم الدينية دون أي مضايقات .

ولقد تهيأ للتجار الهنود في عهد السيد فيصل بن تركي كل العوامل والسبل التي أدت إلى رواج تجارتهم التي امتدت إلى ما وراء حدود دول المحيط الهندي، كما أسهموا في تصدير البضائع العمانية إلى الأسواق العالمية ، واستيراد مختلف السلع للأسواق العمانية، وما لبث أن حل عام 1900م حتى غدت أغلبية من يتاجر بالأقمشة والأسلحة والمواد الغذائية من الهنود، حيث بلغ عدد التجار الخوجا في هذا العام 565 تاجرا في مسقط ، وبلغ عدد التجار الهندوس 250 تاجرا في مسقط ، و37 تاجرا في مطرح، كما انتشر بقية التجار الهنود في مناطق ساحل الباطنة وقريات وصور ومرباط.

ولقد كان من أبرز التجار البانيان في مسقط ( راتنسي برشوتم ) الذي أدار الجمارك بمسقط لسنوات طويلة، وأسس شركة تجارية ضخمة اختصت ببيع واستيراد الأسلحة والقمح والأقمشة والتمور والقهوة ، وبالنسبة للأسلحة فـبرشوتم كان يترأس نشاط هذه التجارة في مسقط، كما كان يصدر التمور إلى الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق شركة نيويورك أوف ويليام هيلز، واشترى معظم الأراضي الواقعة على ساحل مسقط، واشترت منه الحكومة الهندية عام 1901م قطعة أرض أقامت عليها بيتا لطبيب الوكالة البريطانية ومساكن لموظفيها مقابل 50 ألف روبية ، كما كان صديقا مقربا للسطان فيصل وأصبح من أهم التجار الهنود في الخليج بالقرن التاسع عشر الميلادي .

ومن أهم التجار الهندوس في مسقط نهاية القرن التاسع عشر الميلادي جوسان براهمان ، وفيرجي راتنسي ، ودمودار درامسي ، وكمجي رمداس وغيرهم .

أما بالنسبة للتجار الهنود المسلمين الملقبين بالخوجا فقد كان من أبرزهم في نهاية القرن 19 الميلادي التاجر ( محمد فاضل ) الذي كان موظفا في شركة البحار الأمريكي ( دبليو جي تاول ) التي أنشئت في مسقط عام 1866م ، نتيجة ازدهار التبادل التجاري بين عمان والولايات المتحدة الأمريكية بعد توقيع معاهدة التجارة والصداقة بين الدولتين عام 1833م .

وفي عام 1894م ، غادر الأمريكي جاك تاول عمان بعد وفاة زوجته ،حزنا عليها، وباع كل أملاك شركته للإسكوتلاندي ( أرشبيلد مكيردي ) الذي بدوره باعها للحاج محمد فاضل عام 1906 م بقيمة 11 ألف روبية.

ولقد كانت شركة تاول في نهاية القرن 19 الميلادي من أهم الشركات في مسقط المتخصصة في تصدير المنتجات الزراعية كالتمور العمانية إلى الهند والولايات المتحدة الأمريكية ، وقد ازدهر نشاط شركة تاول مع الولايات المتحدة أكثر بعدما تولى الحاج محمد فاضل وظيفة نائب القنصل الأمريكي في مسقط ، كما أبرم صفقة شراكة مع ( يوسف بن أحمد الزواوي ) مستشار السلطان فيصل بن تركي في مشروع إمداد مطرح بأنبوب للمياه.

كما اشترى الحاج محمد فاضل مزارع النخيل في قرية ( عينت ) الواقعة بين مطرح والشطيفي ، لتكون مزرعة استجمام لعائلة تاول في شهر الصيف من كل عام .

المرجع : تجارة عمان الخارجية في عهد السلطان فيصل بن تركي البوسعيدي 1888 – 1913 م ، إسماعيل بن أحمد بن هارون الزدجالي ، وزارة التراث والثقافة – سلطنة عمان ، الطبعة الأولى 2014م

Your Page Title