يعقوب بن ناصر الفليتي
لم يكن يوماً كسائر الأيام لدى العراقيين والعرب عموماً، فالمشهد أكبر من أن يتخيل، والقلب العربي لا يحتمل الألم، وأي حرقة أقوى من مشاهدة الغزاة يدنسون طهارة الأوطان!
لقد كانت ليلة الـ 20 من مارس 2003 والتي أعلنت فيها قوى الباطل عن بدء العملية العسكرية ضد الشعب العراقي لتدميره مأساوية، وستظل خالدة في ذهن الإنسان العربي.
صفارات الإنذار تدوي في سماء بغداد مع بدء الغارات الأمريكية على العراق، بدأ القصف الأمريكي، تتبعه مشاهد الدمار والخراب وقتل المدنيين العزل وتحويل العراق إلى حالة فوضى عارمة ومستقبل قاتم.
في يوم التاسع من أبريل أعلنت القوات المحتلة سقوط بغداد الرشيد، تلك المدينة التي عرفها العلم والعلماء، مدينة السلام المتوشحة بأسوار الحضارات عبر الزمن، ولا يزال مصباح ثقافتها يتوهجُ لينير طريق الأدباء والمثقفين.
إن استهداف العراق العظيم وشعبه هي من أولويات الاستراتيجية الامريكية القائمة على تقسيم الوطن العربي وإنهاك قواه الأمنية والعسكرية، وترسيخ الوجود العسكري الأمريكي بذرائع مختلفة.
لقد كان العراق إبان حكم النظام العراقي السابق يتزعم صدارة الأمة العربية، وله مواقفه في القضية الفلسطينية، وكان النظام الأوحد الذي يشغل صناع القرار الصهيوني والأمريكي لما له من عقيدة قومية عربية تستنهض عزائم العرب ونخوتهم، حيث اعترف الصهاينة بأنه النظام الوحيد الذي يهدد أمنهم، وكان لا بد من مجابهته بكل قوة وتدميره وقتل علمائه النجباء ليكون عبرة لسائر الدول.
على مر التاريخ، لم تسجل البشرية في تاريخها أحداثًا دموية ووقاحة تشمئز منها الفطرة السوية كتلك التي حدثت في سجن أبو غريب، فمشاهد السجن -المنافية لكل القيم الإنسانية- لا تزال عالقة في الأذهان.
لا توجد إحصائية دقيقة وشاملة تتحدث عن الخسائر في الأرواح والممتلكات، ولكن جُلّ ما نعرفه إن إبادة جماعية ممنهجة حصلت في حق شعب عربي ناضل لخدمة الإنسانية بالعلم والعمل منذ القدم، وقدم لأمته العربية شتى العلوم، واحتضن بين دجلة والفرات حضارات البشر.
لقد خسرت الأمة العربية صفوة من علماء العصر الحديث، فما يزيد عن 500 عالم عراقي في مجالات الهندسة النووية والأحياء المجهرية والفيزياء وغيرها من التخصصات تمت تصفيتهم على يد المخابرات الأمريكية وفرق الموت التابعة للموساد من أجل العودة بالعراق لقرون من الزمن.
لقد ناضل العراق من أجل حقوق أمته المسلوبة، وكافح بشتى الوسائل على صد الهجمات الصهيونية ضد العرب، بالرغم من الحصار الجائر في حق شعبه.
وبالرغم مما حل بالعراق وشعبه من حصار ودمار ، إلا أن قراءة الواقع العراقي تبشر بعودة قوية للعراق ليحتل مكانته المرموقة ويمتطي جواد القيادة بعد فراغ دام لسنوات، متصدراً لقضايا أمته ومدافعاً عن حقوقها، نافثاً في روع جامعتها الحَيَاة
التي يوشك الموت على اغتيالها.