فضاءات

د.صالح مسن يكتب عن: أهمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في تنشيط الاقتصاد وما التحديات التي تواجهها

د.صالح مسن يكتب عن: أهمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في تنشيط الاقتصاد وما التحديات التي تواجهها
د.صالح مسن يكتب عن: أهمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في تنشيط الاقتصاد وما التحديات التي تواجهها د.صالح مسن يكتب عن: أهمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في تنشيط الاقتصاد وما التحديات التي تواجهها

د.صالح مسن- رئيس اللجنة الاقتصادية في مجلس الشورى

تؤكد النظريات الاقتصادية أهمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في التنمية بشكل عام وتضع الأسس النظرية للدور المحوري الذي تلعبه هذه الكيانات التجارية في عملية النمو الاقتصادي.
يمثل هذا القطاع اللبنة الأولى للتطور الصناعى والتنمية الاقتصادية وفقا لأفضل التجارب الاقتصادية العالمية حيث يساعد في استمرار تراكم رأس المال كقاعدة رئيسية للنمو الاقتصادي. وهناك العديد من الاطر النظرية التى يمكن ان تبنى عليها التحليلات الاقتصادية لهذا القطاع، على سبيل المثال دورة حياة المنتج والتي تحدد ثلاث مراحل لتطور المنتج وانتقال تكنولوجيا التصنيع، كذلك نظرية مراحل النمو والتي تفسر عملية التطور والنمو الاقتصادي وفقا لخمس مراحل، وكذلك الثنائية الاقتصادية والتي تبين عملية التعديل الهيكلي للاقتصاد من اقتصاد تقليدي الى بروز قطاع صناعي او حديث ثم تحويل الاقتصاد بشكل كامل الى مرحلة التصنيع الكامل، وغيرها من النظريات المرتبطة بالنمو المتوازن والنمو غير المتوازن، وبالتالي تعتبر SMEs بشكل عام والمؤسسات الصناعية منها بشكل خاص اساسا قويا لتطوير الاقتصاد اعتمادا على مراحل يصعب حرقها والقفز عليها الى مراحل متقدمة.


وفى هذا الاطار فإن نشوء وتطور الصناعات الصغيرة والمتوسطة يتطلب تضافر الجهود من خلال تحديث منظومة القوانين والتشريعات وتهيئة بيئة الأعمال لتشجيع هذه المؤسسات، كما يعول كثيرا على القطاع العام في لعب دور محوري فى مساعدة هذا القطاع للنهوض به وتمكينه للدخول في شراكات ذات قيمة مضافة عالية للاقتصاد الوطني.
تؤكد الدراسات الأكاديمية السابقة أن كثيرًا من الاقتصاديات الصاعدة قد استفادت من تجربة الصناعات الصغيرة والمتوسطة كمرحلة أولية للتطور والنمو الاقتصادي، حيث اعتمدت تجارب دول جنوب شرق آسيا في مجموعة النمور الاسيوية على هذه المؤسسات في مراحلها الأولى من التنمية (هونغ كونغ – تايوان – كوريا – سنغافورة)، وكذلك مجموعة الدول الصناعية الآسيوية (تايلندا – الفلبين – ماليزيا – اندونيسيا)، وعلى النهج نفسه ظهرت الدول الصاعدة اقتصاديا حديثا BRICS . كما تشير الإحصاءات إلى ارتفاع إسهام المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاديات الأكبر على مستوى العالم حيث يبلغ إسهامها في الصين 60%، وفي ألمانيا 54%، وفي اليابان 52%‘ وفي الولايات المتحدة 50%.
يعد الاهتمام بالصناعات الصغيرة والمتوسطة ضرورة مرحلية في إطار مراحل النمو والتطور الاقتصادي، ومما لا شك فيه ان تمكين هذا القطاع عبر حزمة متكاملة من السياسات والاجراءات ومراجعة القوانين والتشريعات سيسهم في تعزيز إسهامه في الاقتصاد الكلي. ويعتقد كتير من المحللين بان الصناعات الصغيرة والمتوسطة يمكن ان تكون قاطرة للنمو الاقتصادي اذا تمت معالجة التحديات والعقبات التي تواجهها.
ومما لاشك فيه ان دور الصناعات الصغيرة والمتوسطة لا يقتصر فقط على الاقتصاد، بل تسهم أيضاً في جوانب سياسية واجتماعية متعددة، اذ يؤدي تطوير القطاع الى توفير فرص العمل وتوفير السلع والخدمات كما يسهم انتشار هذه المؤسسات في القطاعات الإنتاجية المتعددة للاقتصاد في تقليل التفاوت بين مستويات الدخل وبالتالي تحسين المستوى المعيشي للسواد الاعظم من السكان. بالإضافة إلى قدرة هذا النوع من الشركات على التكيف مع الأزمات الاقتصادية وقدرته على الولوج في قطاعات وأنشطة متنوعة لا تستطيع الشركات الكبيرة الدخول فيها. كما يعرف عن هذه المؤسسات قدرتها على استيعاب أعداد كبيرة من الباحثين عن عمل من مستويات تعليمية مختلفة؛ حيث توظف الشركات الصغيرة والمتوسطة 60-70% من حجم العمالة في دول OECD ، وهناك نسب عالية في كل من ايطاليا واليابان على وجه التحديد، ورصدت الإحصاءات معايير محددة لقياس نمو وتطور هذا القطاع واكدت دينامكيته وفرصه الواسعة اذا ما تم تحسين البيئة التشريعية واتخاذ السياسات التشجيعية. وغني عن القول بان التجربة العالمية للدول الصناعية الصاعدة قد اثبتت جدوى هذا القطاع واهميته في التحولات التي شهدتها هذه الدول خلال العقود الماضية .



وفقا للدراسات السابقة حول التحديات التي تواجه هذا القطاع على المستوى العالمي يمكن القول بأن الحصول على التمويل يمثل اهم الصعوبات، كما ان البيئة التشريعية وقوانين الملكية والتسهيلات التي تمنح حسب حجم الشركة وعمرها في السوق كلها عوامل مهمة تحدد دور هذه الشركات في التنمية الاقتصادية وإيجاد فرص العمل. النتيجة المؤكدة هي ان الدول التي انتهجت استراتيجيات وسياسات توفير التمويل وتسهيل الحصول على مدخلات الإنتاج وتقديم تسهيلات تخفيض الرسوم والضرائب وتحسين بيئة أداء الاعمال بشكل عام هي التي تمكنت من الاستفادة من فرص هذا القطاع الرائدة وتم تطويره ليصبح اكثر تنافسية في السوق العالمي، وفي المقابل الدول التي لم تهتم بمشاكل وتحديات هذا القطاع لم تتمكن من بناء وتطوير اقتصادياتها للمنافسة عالميا.

أثناء كتابتي لهذا المقال أردت أن أسند هذا الطرح النظري بالاستدلال بدراسة بحثية عن أهم التحديات التي تواجه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في السلطنة فوقعت يدي على دراسة مصغرة لصندوق شراكة تستطلع فيها آراء رواد الأعمال عن أبرز التحديات التي تواجههم. لا أستطيع تبني منهجية الدراسة ولا الدفاع عن جوانب الضعف التي وقعت فيها مثل صغر العينة المنتقاة وطريقة صياغة أسئلة الاستبانة أو الكيفية التي تم من خلالها تحليل النتائج لكني أجد أنها تفي بالغرض الذي كتب من أجله المقال وهو إعطاء لمحة عامة عن أهم التحديات التي تواجه هذا القطاع. صنفت الدراسة التحديات إلى ثلاث فئات وهي تحديات متعلقة بالمجتمع وتحديات متعلقة بالبيئة الاستثمارية وتحديات متعلقة بالقدرات الريادية لرواد الأعمال. وتحت فئة التحديات المجتمعية كانت نظرة المجتمع السلبية للفشل عائقا كبيرا يواجه رواد الأعمال المبتدئين حيث يرى 92% من المستطلعة آراؤهم أن المجتمع ينظر بسلبية حادة تجاه فشل صاحب المشروع. بالإضافة إلى ذلك فإن دور المؤسسات التربوية والإعلامية أقل بكثير من المأمول منها فلا النظام التعليمي يهيئ الطلبة للتفكير بإدارة مشروعات تجارية ولا القنوات الإعلامية تشجع ثقافة ريادة الأعمال من خلال الترويج لرواد الأعمال الناجحين. ويأتي انعدام ثقة المجتمع في قدرات رواد الأعمال العمانيين كتحدٍ رئيسي آخر يواجه أصحاب هذه المؤسسات حيث يفضل 86% من المجتمع التعامل مع الوافد مقارنة بصاحب المشروع العماني.

وفيما يتعلق بالتحديات المتعلقة بالبيئة الاستثمارية فقد جاءت صعوبة الحصول على التمويل على رأس هذه التحديات حيث يرى 60% من عينة رواد الأعمال أن إجراءات الحصول على التمويل طويلة ومعقدة مع اختلاف آرائهم حول مسألة تناسب المنتجات التمويلة مع حاجة أصحاب العمل، كما أشار 93% من رواد الأعمال إلى أن احتكار الشركات الكبيرة للسوق يؤثر بشكل سلبي على نشاطهم ونمو مؤسساتهم. وأخيراً تأتي التحديات المتعلقة بالقدرات الريادية كمعوق لوجستي يتسسبب في فشل الكثير من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في المراحل الأولى من التأسيس؛ حيث أكد اكثر من 54% من رواد الأعمال أنهم ليس لديهم القدرات الأساسية لإدارة مشاريعهم، فيما أشار الأغلبية إلى أنهم يحتاجون إلى مساعدة في صياغة خطة عمل المشروع.

ليست هناك إحصاءات دقيقة توضح إسهام هذا القطاع فى الناتج المحلى الاجمالي او حجم إيراداته العامة لخزينة الدولة او نسبة إسهامه في حصيلة الصادرات وتوظيف الباحثين عن العمل أو غيرها من المؤشرات الاساسية التي تعكس الاهمية النسبية للقطاع، الا انه ومن الضرورة بمكان وضع اهداف كمية مستقبلية تعكس التوجه الاستراتيجي للسلطنة وكذلك توضح الخطط والسياسات والآليات التي تمكن من تحقيق هذه الاهداف الاستراتيجية في شكل مراحل وصولا لانتقال الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى شركات كبيرة أكثر قدرة لتحمل الصدمات والتوظيف واستقطاب التمويل الخارجي والمنافسة عالميا .
من الواضح ان هناك جهودًا مقدرة قد بذلت من اجل النهوض بهذا القطاع، الا ان التحليل العام للوضع الراهن يبرز ما لا يدع مجالاً للشك انه بالرغم من إطلاق العديد من المبادرات والاهتمام بنشاط التمويل في هذا القطاع وكذلك تطبيق عدد من السياسات الموجهة لتطوير القطاع إلا ان التحليلات تشير الى وجود تضارب في السياسات نتيجة للتوجه في دعم هذا القطاع بتوفير التمويل من ناحية وفرض رسوم متعددة على هذا القطاع من جانب آخر مما يترتب عليه ارتفاع التكلفة وتدني تنافسية المنتجات ولربما خروج كثير من الصناعات الصغيرة والمتوسطة من دورة الاقتصاد. ولذلك لابد من الاشارة الى خطورة ذلك في ظل الركود الاقتصادي الذي ما زال يخيم بظلاله على الاقتصاد الوطني، والذي تتطلب الإسراع في تنفيذ الخطط والبرامج التي تعمل على تنشيط الاقتصاد وتحسين بيئة الأعمال وتسهيل منظومة الإجراءات وتقديم الحوافز اللازمة لهذا القطاع ليتسنى له الإسهام بشكل أكبر في الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة.


ولذلك يأتي هذا المقال ليسلط الضوء على أهمية النهوض بهذا القطاع ليلعب دوره المنوط به بالكفاءة والفعالية المطلوبة، بل هي دعوة لإعادة النظر في مجمل السياسات الموجهة لهذا القطاع ومراجعة الإطار المؤسسي وكذلك وضع إطار تشريعي لهذا النشاط لمعرفة أي الشركات التي يمكن تقديم التمويل والتسهيلات لها، وكذلك لمنع التحايل والتهرب الضريبي او استغلال التسهيلات بواسطة شركات من خارج القطاع . ومما لاشك فيه ان تقديم محفزات محددة عبر توفير التمويل أو سن قانون خاص بهذه المؤسسات او تطوير الهياكل التنظيمية للقطاع وتحسين البنيات التحتية لعمل الصناعات الصغيرة والمتوسطة من شأنه أن يحسّن مؤشرات قياس النمو ويؤدي الى تحول هذه الشركات الى شركات كبيرة مستقبلا تكون اكثر كفاءة في توظيف الموارد وتقليل تكلفة الإنتاج في المدى البعيد بالاستفادة من تراكم الخبرات والتجارب وتوظيف افضل الممارسات. وهناك لا شك فرص متعددة يمكن استغلالها ليكون هذا القطاع رائدا في مضمار التنمية الاقتصادية بالسلطنة.

Your Page Title