عزة بنت محمد الكميانية – روائية عمانية
اقترب شهر رمضان المبارك، وتاقت الروح إلى نفحاته الطيبة، لتتخفف النفس من ثقل الذنوب والخطايا، ويتخفف الجسد من ثقل الدهون والأمراض، وإنه لمن الحكمة أن يقنع الإنسان بالقليل في رمضان فلا يتشرط ولا يتذمر إن لم تعد له سفرة طعام طويلة تحتوي على شتى المأكولات والمشروبات، لأن من يستشعر الأجر من الله تعالى سيقنع بما يعد له دون تذمر، وغالبا معظم الطعام سيكون مآله سلة المهملات؛ لأن الليل قصير، ولا يستطيع الإنسان أن يأكل أكثر من وجبتين، وجبة الفطور والسحور، وربما يتناول بعضًا من الفاكهة بينهما، فإذا انتبه المسلم لطعامه وشرابه في رمضان، وامتنع عن المقليات والسكريات (وإن كان هذا الأمر صعب المنال طوال الشهر فليخصص يوما أو يومين في الأسبوع لأكل الحلويات وليس كل يوم) والتزم بغذاء صحي طوال الشهر المبارك سوف يشعر في نهايته بالخفة والراحة والسرور، فرمضان جعل للعبادة وليس لملأ البطون، ولذلك حينما يستشعر المرء الحكمة من صوم رمضان فإنه سوف يصبح قنوعا في مأكله ومشربه، ولن يكلف نساء بيته بعمل أصناف لا حصر لها من الطعام، ولرمضان نكهته الخاصة وأكلاته التي تميزه عن غيره من الشهور، ولكن هذه الأكلات ليست إلا سموم تلج الجسم فتسقمه، بالوعي يمكننا أن نغير عاداتنا وأسلوب حياتنا في رمضان، فمن المؤسف أن تكون اللقيمات الصحن الرئيسي في سفرة الإفطار لكثير من الأسر الخليجية، وكذلك باقي الأصناف المقلية التي تهدم الصحة، وإن كان لابد منها فطبخها مرتين أو ثلاث مرات طوال شهر رمضان لأن قيمتها الغذائية منخفضة جدا، ويمكن طبخ السمبوسة في المقلاة برشة من السمن ثم قلبها للجهة الأخرى، أما غمرها بالزيت وأكلها كل يوم فهو البلاء العظيم.
ولأن السمبوسة هي الطبق المفضل لكثير من الأسر على مائدة رمضان، فإن تحضيرها بالخضار الطازجة أفضل صحياً عوضا عن تحضيرها باللحوم أو الجبن كل يوم، أما الجلي والكريم كراميل الجاهز والكريمة المصنعة فهذه أغذية لا فائدة منها، وتحضير الكراميل بالحليب والبيض في الفرن يعد طبقاً صحيا أكثر، فمن الخطأ الفادح ملء عربة التسوق بهذه الأصناف المضرة من الأغذية واعتبارها كأنها شيء مقدس في رمضان، كما أنه يجب على ربة البيت ألا تعتمد على العجائن الجاهزة كل يوم، وإنما يجب أن تعتمد على نفسها في تحضير العجينة، إلا في حالات الأوقات الطارئة، حتى تتجنب المواد المضافة لهذه العجائن، أما النساء اللاتي اعتادن على حفظ المعجنات وأكلات رمضان في الفريزر فهذا شيء عجيب لم يظهر إلا في السنوات الأخيرة، ففي رمضان يجب على الإنسان أن يحافظ على صحته بتناول الغذاء الطازج والصحي لكي يستفيد الجسم من الصوم، فكيف يهلكه أكثر بتناول الأكلات المثلجة والمعلبة؟!
وطبق الشوربة مهم جدا في رمضان، خفيف على المعدة أكثر من المعجنات وغيرها من الأكلات، ولذلك وعي ربة البيت بأهمية الغذاء الصحي يجعل شهر رمضان صحيا أكثر، والمرأة الذكية هي التي تستطيع أن تعادل في سفرتها بين الوصفات العصرية التي غالبا ما تكون مليئة بالدهون والسكريات، وبين الوصفات الشعبية المفيدة والمغذية والمليئة بالألياف والفيتامينات والمعادن، وكذلك استبدال العصائر المصنعة بأنواعها باللبن الغني بالخمائر المفيدة للهضم أو العصائر المُعدَّة في البيت، وبالتأكيد أن بعض أفراد الأسرة سيعترضون في البداية ولكن مع الإقناع وأنه الأفضل لصحتهم سيصبح الأمر شيئا متقبلاً.
ويجب أن تحرص ربة البيت على استخدام الطحين الأسمر عوضاً عن الطحين الأبيض، حتى تستفيد العائلة من المواد الغذائية الموجودة فيه، وخاصة أثناء تحضير الخبز أو الأكلات الشعبية، أو يمكنها خلط مقدارين متساويين من الطحين الأسمر والأبيض لتحضير المعجنات، وأن لا تعتمد كليا على الطحين الأبيض الذي يفقد معظم قيمته الغذائية بعد التخلص من النخالة.
وكذلك كما تحرص النساء على صحة أفراد أسرهن يجب أن يحرصن على صحة الآخرين، فإن أرادت إحداهن التصدق بالطعام للفقراء أو للمساجد أو للشباب الذين يسكنون لوحدهم فإنها يجب أن تتصدق بغذاء صحي خالٍ من الزيوت والسكريات المبالغ فيها، فهؤلاء صحتهم تصبح في خطر لأنهم يأكلون كل يوم من خارج البيت، وبالتأكيد الحديث موجه أيضا على القائمين على برامج إفطار صائم.
وكثير من الناس بدأوا يعون مخاطر الطبخ بالزيوت المهدرجة، فأصبحوا يقللون منها، وبعضهم امتنعوا تماما من استخدامها، فاستخدام الشحوم الحيوانية أفضل صحيا لأن الجسم يحتاج للشحوم لكن دون إسراف (وإن كان الأمر يحتاج لدراسة أكثر) أو استخدام السمن الحيواني الطبيعي لأن الزيوت تتحول لمواد خطرة ومضرة عند تسخينها لدرجة حرارة عالية بينما السمن يستطيع تحمل تلك الحرارة العالية.
وكذلك استخدام الزبدة المذابة لعجن المعجنات عوضاً عن الزيوت يعتبر صحياً أكثر، وطعمها يصبح أشهى، ثم طبخها في الفرن وليس قليها في الزيت، وفي رمضان تكثر صناعة المعجنات من فطائر وغيرها، فإن كان لابد منها فصنف واحد يكفي، وبالرغم من الوعي لا يزال هناك من يطبخ صنفين وثلاثة كل يوم مما يؤدي إلى رمي الطعام في القمامة، فالإسراف مذموم في الإسلام فكيف إذا كان في شهر رمضان المبارك، وتكاثر هذه الأصناف في سفرة الطعام تحرم الجسم من الاستفادة من أطباق الشوربة أو التمر والفواكه، لأن الأنظار تتجه لها فيتم تجاهل الأطباق المهمة.
استشعار عظمة شهر رمضان المبارك والحكمة منه يجعلنا قنوعين وغير متطلبين، مما يؤدي للاقتصاد وعدم الإسراف في استهلاك الطعام، وخاصة أن الليل قصير ولا يمكن تحضير سوى وجبتي الإفطار والسحور، مما سيؤدي إلى تخفيف الحمل عن النساء في رمضان، وخاصة أن كثير منهن يطبخن في مطابخ ضيقة وغير مكيفة، فرفقا بالقوارير، فإن كان رب الأسرة مقتدرا فليسارع لتركيب جهاز تكييف للمطبخ، وإن كان غير ذلك فيمكن طلب المساعدة من الجمعيات الخيرية المنتشرة في السلطنة، لأن المطبخ يصبح كتلة من اللهب فور إيقاد الموقد، وخاصة إذا أشعل الفرن.
واستشعار عظمة هذا الشهر المبارك يجعلنا نرتب أوقاتنا جيدا، فلا نهدره دون وعي منا، فنقسم أوقاتنا جيدا للعبادة، وللأكل، وللترويح عن النفس، وللعمل وللنوم، فإدارة الوقت شيء مهم جداً وضروري في شهر رمضان المبارك، ويجب أن نقسم ساعات النوم بين الليل والنهار ولا نرهق أنفسنا بالسهر، لكي نستثمر كل يوم من الشهر الفضيل جيداً، فنخرج منه وقد خفت أرواحنا وأجسادنا من أحمالها الثقيلة.