د. سلمان الحجري- أكاديمي في جامعة السلطان قابوس
يحدث كثيرا أن يُختزل مفهوم التصميم في مجرد شعار بسيط لمؤسسة أو جهة معينة ويصنف كأحد نتاجات الفنون التشكيلية التي يلتبس أيضا على كثير من الناس مفهومها العام وأطرها ومحدداتها الدقيقة. قد يكون منشأ هذا الاضطراب المفاهيمي لدى كثير من غير المتخصصين- وفي أحيان كثيرة حتى المتخصصين- هو عدم الوعي بمفهوم الفن بشكل عام والفنون الجميلة بشكل خاص كأحد الفروع المهمة و الحية والفاعلة في التجربة الإنسانية منذ بداياتها الأولى، كل ذلك يولد غيابا في الوعي الجمعي تجاه مفاهيم أدق ذات تأثير مباشر وغير مباشر في حياة الناس وفي مختلف مجتمعاتهم، أتحدث هنا عن الفنون التطبيقية التي يصنف التصميم بمفهومه العام كأحد فروعها الرئيسية.
ليس هناك تعريف معين متفق عليه تجاه الفن، فهو مفهوم واسع وشامل يختلف من فرد إلى آخر ومن مجتمع إلى آخر، إلا أنه قد يعرف بشكل عام على أنه نشاط إنساني فطري ثقافي نابع من ذات الكائن الحي وناتج عن تفاعله مع محيطه مهما اختلفت ثقافته وأرضه, والفن التشكيلي (الفنون البصرية المرئية) من رسم ونحت وخط وتصوير وعمارة وحرف فنية كلها تشكل جزءا أساسيا من حياة وممارسات الناس اليومية وهي المحددة لثقافة قوم دون غيرهم. الفن وسيلة اتصال فاعلة بين الفنان الذي يعبر عن مشاعره وأفكاره وآماله – سواء كتجربة ذاتية خالصة أو كمشترك جمعي- يستطيع الفنان التعبير عنه بلغة الشكل واللون عبر وسيط يتسم بالمفردات الجمالية ويتوشح بقيم الإبداع والدهشة التي تلامس مشاعر وشغاف قلوب الناس. وكما يعرف تولستوي الفن بقوله: “هو ذلك النشاط الإنساني الذي ينقل فيه الفرد إحساسات معينة بوعي مستخدما إشارات خارجية عاشها هو ثم يتأثر الآخرون بهذه الإحساسات و يعيشونها هم أيضا”. والفن مفهوم متجدد ويسهم دائما في إعادة تنظيم الأفكار والمفاهيم لدى الأفراد والجماعات كما يقول كينث لانسنغ: ” الفن هو إعادة تنظيم للأفكار والمشاعر في بناء ممتع وجميل أساسه الخبرة الجمالية”.
إن الفنون التطبيقية هي التي تتسم بكونها ذات قيم نفعية واستخدامية كالعمارة وتصميم الأثاث والخزف وتصميم الملابس وغيرها. والتصميم واحد من هذه الفنون التي تهتم بمعالجة الأشكال والعلاقات والقيم في البيئة التي يقطنها الكائن البشري، إذًا هي بيئة مخططة و”مصممة” لتلبي حاجات الإنسان الأساسية والثانوية، إذًا فالتصميم هو فن الشكل الوظيفي و لكل وظيفة علم وأصول ومتطلبات تكنولوجية وعلمية معينة. يتضح من ذلك أن التصميم- بمختلف مجالاته- ليس فنا بحتا فحسب بل هو علم وفن ونطاق معرفي واسع متصل بمعظم المجالات المعرفية وهذا يثبت أهميته وأهمية الوعي به و باغراضه وبدوره الفاعل في تعزيز الاقتصاد والحراك التنموي للمجتمعات النامية والمتطورة على حد سواء. إن اجتماع الفن والعلم في موضوع التصميم يشكل ثقافة راقية ومتحضرة يجب تعميمها والتبشير بها وذلك لأن التصميم يدخل في جميع نواحي الحياة الحديثة. وليس أدل على ذلك مما شهده مطلع الألفية الثالثة من تحول جذري في مفهوم التصميم وانتقاله من الاسم إلى الفعل بما أثر في طرق التعاطي معه والنظر إليه كأنواع معينة في التصميم إلى الفاعلية في التصميم ذاته. التصميم نظام إنساني أساسي للحضارة الإنسانية بمفهومها المطلق، وعملية التصميم بحد ذاتها هي عملية إنتاج متكامل تسهم في تنمية الإنسان وتطوره.
إن الفنانين والمصممين يلعبون دورا حيويا في المجتمع من حيث تناول المشكلات التي قد تواجه المجتمع أو المؤسسات أو الأفراد، حيث أنهم يتميزون بالقدرة على توليد الأفكار الإبداعية التي قد تسهم في حل كثير من المشكلات سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. التصميم المعاصر يتمحور حول قيمة الأفكار وأهمية التخطيط الذي يقدم حلولا إبداعية قادرة على الاستفادة من قدرات التفكير العليا والمنطق والنفعية في تحسين وتطوير طريقة العيش من خلال المنتجات أو الخدمات أو كلاهما. التصميم بمعناه التطبيقي البحت، هو “عملية إيجاد خطة أو اتفاقية لبناء شيء معين، نظام، منتجات تفاعلية قابلة للقياس والتعديل ومن أمثلتها (المخططات المعمارية الكربونية، الرسومات الهندسية، عمليات الأعمال التجارية، مخططات التوصيلات الكهربائية). وهناك خصوصيات معينة ودلالات محددة لكل حقل من حقول التصميم. لكن عملية البناء المباشر في حقول الخزف أو التصميم الجرافيكي مثلا مشابهة للعملية البنائية في الهندسة والإدارة على سبيل المثال.
بهذا المفهوم تجاه التصميم والفن تأتي الجمعية العُمانية للتصميم (قيد التأسيس) لتلبي حاجات مرحلية وضرورية في الوقت الراهن وذلك استجابة لمتطلبات اقتصادية وثقافية ومهنية واجتماعية تشكل في مجملها جزءا مهما من عملية التنمية الشاملة التي تعيشها السلطنة و التي تسعى دائماً لاستكمال منظومات التطور والتنمية في مختلف الأصعدة. تأتي هذه الحيثية متسقة مع ما يحدث في العالم المتقدم من تطور سريع في مفهوم التصميم سواء على مستوى التنظير أو على مستوى التطبيق لتكون الجمعية من يقود هذه المواكبة ويهتم بكل ما يخص التصميم أو يدور في فلكه.