أثير- جميلة العبرية
تبلغ من العمر خمسة عشر ربيعًا وتدرُس في مدرسة سودة أُم المؤمنين للتعليم الأساسي (٥-١٢)، تحب القراءة كثيرا، وتبحر في “مسرح الجريمة”، و”حياة بلا حدود”، و”الفيلا رقم ١٣”، و”في قلب البحر” ، و”العقل الجميل” ، و”زنجبار أندلس الشرق” و”رحلات وسيم في عالمٍ أديبٍ وحكيم (١)”.
ملاك بنت حارب الغافرية الفائزة مؤخرًا بالمركز الأول في “تحدي القراءة العربي على مستوى سلطنة عُمان” أخبرت “أثير” بقصتها بأسلوب سردي جميل.
سألناها في البداية عن قصتها فأجابت: “حقيقةً لا أعلم إن كنتُ أملُك قصة مُبهرة تجعل من يقرأها ينبهر ويفتح فاهه من الدهشة، لا أملك قصة بسببها أحببت القراءة ولم يوجد في صغري أحدٌ قد شجعني عليها أو حتى نصحني بها .
كنتُ في المرحلة الابتدائية أملُكُ صوتًا شجيًا ومعبرًا جعلني أحصل على المركز الأول في مسابقة القراءة المعبرة .. لكن ذلك الأمر لم يكن سببا لأواصل شغفي في القراءة فيما بعد عندما دخلت للمرحلة الإعدادية؛ فقد كان الأمرُ عاديًا للغاية ورتيبا في بداية الرحلة .. وممتعا مثلما لم أحسُبهُ من قبل”.

وتضيف: أذكرُ بأنني كنتُ كثيرا ما أمرُّ على مكتبة ما هُنا بالقربِ من بيتنا لشراء قرطاسية المدرسة وحاجياتي التي لطالما كانت لا تنتهي وتجبرني على زيارة المكتبة باستمرار .. لم أكن أعلم بأن تلك المكتبة نفسها تملُك مخزناً للكتُب في الخلف بعيدًا عن الأنظار ولا ينتبه له سوى من كان مهووسًا بالقراءة والكتب، أذكُر وأنني وخلال بحثي عن كُراسة للرسم مررتُ بجانب هذا المخزن، وإذا بي أضحك ضحكة مُستهزئةً بالأشخاص الذين كانوا هناك ويقرأون الكتب بانهماكٍ واضِح، لم أُعِر الأمر اهتمامًا وأكملتُ ما كنتُ قد أتيت لفعلِه. عدتُ في ذلك اليوم إلى المنزل لأكتشف بأن اُختي رحاب قد تأهلت في تحدي القراءة العربي على مستوى المحافظة الذي كان بدورته الأولى، كان الجميع سعيدا بها وبما أنجزته وكنت حينها لا أدرك لمَ فازت وفيما فازت حتى .. لم أكن أُعِر الأمر اهتماما كبيرا لأنه ببساطة يخص القراءة التي لا أطيقها ليس إلا، ثم تم تكريمها على مستوى المحافظة، فكان الأمر محط فضولٍ بالنسبة لي، لمَ تقرأ ؟ ولمَ هي مندمجة في ذلك إلى هذا الحد؟ لمَ تشجعنا أنا وإخوتي على القراءة باستمرار ؟ هل عالم الكتب ممتعٌ إلى هذا القدر ؟ أوكلتُ الإجابة عن هذه التساؤلات للوقت، ولم أكن وقتها شغوفة بمعرفة السر وراء حب الناس للكتب ومحتواها، مرّ أسبوع، أسبوعان، ثلاثة، إلى أن أتت حاجتي المفاجئة والمستمرة لمجموعة من الحاجيات للمدرسة وكالعادة ذهبت لذاتِ المكتبة لشراءِ ما كنتُ أريد. فحثني قلبي على قتل حاجز الفضول والدخول إلى مخزن الكتب خلف المكتبة، اشتريتُ كتاباً واحداً للتجربة، وما كان ذلك الكتاب إلا نافذة إلى ١٧٦ كتاباً آخر قرأتُهُم بنهمٍ وبشغفٍ وحُب.
وتكمل حكايتها قائلة: في السنة التي تلتها شاركنا أنا وأختي رحاب في تحدي القراءة العربي لنكتشف بعد ذلك أننا قد تأهلنا معًا على مستوى المحافظة، ولم يحالفنا الحظ للفوز على مستوى السلطنة أو حتى إحدانا، وفي هذا العام دخلت أختي الصف الثاني عشر، الأمر جعلها لا تستطيع الانشغال عن المذاكرة والاهتمام بكتبها، وهو ما زادني إصرارًا وحبًا للمشاركة وتحقيق حلمي وحلم أختي معًا، ولله الحمد كتب الله لي التأهل على مستوى المدرسة، ثم الأول على مستوى المحافظة يلي ذلك حصولي على المركز الأول على مستوى السلطنة”.
قصتها لم تخلُ من تحديات خصوصًا في تحدي القراءة العربي، تقول عن ذلك: ما من شخصٍ في تحدي القراءة العربي قد شارك إلا وواجه تحديات، فشخصٌ مثلي قد شارك على مدار الثلاث دورات كاملةً بالتأكيد لم يكن الأمرُ بتلك السهولة؛ ففي البداية وقبل الدورة الأولى سمعت عن المسابقة في إذاعة المدرسة، وكان الوضع وكأنني لم أسمع شيئًا، لأنني أدركت بأن هذه المسابقة لم تُخلق لأجلي أو لمن لا يكترث بالكتب. وعندما شاركت في الدورة الأولى دخلتُ لتصفيات المدرسة من باب اتباع الموضة، فقد كان الجميع قد شارك، وللأمانة لم أقرأ ولا كتابًا حينها فأمي من لخص لي كل الجوازات وأتيتُ أنا وحفظتها لا أكثر، الأمر الذي لم يؤهلني للفوز حتى على مستوى المدرسة، وعندما أعلنت النتائج تأثرتُ قليلاً لرؤية الجميع يُكرّم عداي، وهذا ما جعلني أقطع وعدًا على نفسي للمشاركة في العام الذي تلاه وأن أكون ممن يتم تكريمهم، وفي الدورة الثالثة أكثر ما استصعبته وخشيت عدم تخطيه هو كمية الطلاب المشاركين من أنحاء السلطنة الذين فاق عددهم الأربعمائة طالب وطالبة.

وتضيف: أنا فتاة لا أحبّذ التحدث مع أشخاص قليلي الابتسام، فقد كان هذا من أكثر الأمور التي أخافتني فور دخولي لأداء المقابلة على مستوى السلطنة، فقد كان الحُكّام قليلاً ما يبتسمون وهذا ما جعلني ارتبك قليلا لكنني استمررت في الابتسام علّ وعسى يبادلوني هذا الفعل، ولله الحمد كان ذلك لصالحي وجرت الأمور كما ما لم أتخيله أنا”.
وتخبرنا عن شغفها القرائي ومجالاته قائلة: ” أفضّل القراءة عن كل شيء واقتناص إجابة فضولٍ ما راودني يوما على حين غرّة، لكنني أجد نفسي كثيرًا ما أميل إلى الروايات والقصص التي دائمًا ما تنم عن تجارب شخصية عاشها أُناسٌ آخرون سواءٌ أكانت خيالية أو واقعية “.
ملاك تحدثت لنا عن الذين ساعدوها وشجعوها، فتقول عنهم: أولا والداي، فيكفي بأنهما لم يرفضا شراء الكمّ الهائل من الكتب لي كل مرة أذهب فيها إلى المكتبة، بالرغم من إنهما يعرِفان بأنني كثيرًا ما أنشغل عن المذاكرة بسبب القراءة إلا أنهم يؤمنون بما أفعل، وأيضًا كلاهُما كثيرُ القراءة مما جعل حب الكتُب سليقة لدينا وربما أنا من لم أكن أدرك وجود هذه الفطرة بي، فأقولُ لهُما بأنني مُمتنة لكونهما والديّ وعسى الله أن يجعلني ذخراً لهما وللوطن. ولا أنكر جميل مشرفتي التحدي أ.زهرة المنذرية و أ.فاطمة الغافرية ومديرة المدرسة أ. أصيلة الحوسنية اللواتي شجعنني بصفة مستمرة وكان لهنّ كبير الأثر في النقلة النوعية التي حدثت في مستواي في التحدي في دوراته الثلاث.

وفي خاتمة قصتها بعثت عبر “أثير” نصيحة للشباب العماني مفداها ” كُرهُكم للشيء لا يعني بأنه سيئ، والتجربة مفادها التغيير. إن كنتم تحبون القراءة فواظبوا على فعل ذلك فأنتم دخلتم في ذلك العالم وأنا متأكدة من أنكم لن تخرجوا منه، وإن لم تكونوا كذلك فخذوا بتجربتي فالكتُب علّمتني ما لم يُعلمني سواها، وفهمت بعدها الحياة بشكلها الصحيح، والأهم أنني امتلكت أكثرَ من حياةٍ لأعيشها “.