تاريخ عمان

موقف السلطان والإمام من حرب مكة والحجاز

موقف السلطان والإمام من حرب مكة والحجاز
موقف السلطان والإمام من حرب مكة والحجاز موقف السلطان والإمام من حرب مكة والحجاز

أثير – تاريخ عمان
إعداد : نصر البوسعيدي


موقف السلطان والإمام من حرب مكة والحجاز
موقف السلطان والإمام من حرب مكة والحجاز موقف السلطان والإمام من حرب مكة والحجاز

عمان كانت ولا تزال طوال تاريخ حضارتها دار سلام وأمان وملجأ لكل من أراد أن ينعم بحياة مستقرة بعيدة عن أي تعصب رغم العديد من الإشكالات التي تعرض لها العمانيون طوال تاريخهم بالصراع من أجل السلطة وتحرير الأرض وحمايتها من الغزاة منذ عهد الإمامة الأولى وحتى عام 1975م، حينما استطاع جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور بن فيصل بن تركي بن سعيد بن سلطان بن أحمد بن سعيد البوسعيدي إنهاء حالات هذا الصراع لتبزغ عمان أكثر وتصبح محطة السلام العالمي في منطقة الشرق الأوسط والداعية دومًا إلى نبذ الخلافات والحروب وكل ما يتسبب بدمار المجتمعات والأمم.

ففي تاريخ عُمان بمختلف مراحله سنجد أن عمان تسير وفق هذا النهج الثابت والمتوارث منذ القدم، فهذا الإمام ناصر بن مرشد اليعربي في القرن السابع عشر الميلادي يبعث برسالة نصح لأهل الجزائر حينما سمع بخلافاتهم التي آلمته كثيرا حينما وصلت له أخبار أهلها الذي كانوا يقتتلون فيما بينهم.
وكان كغيره من أئمة عُمان وحكامها يوصي ولاته دوما في كل ناحية من نواحي البلاد بإرساء روح التعاون والتعايش والعدالة والسلام بين الجميع، كرسالته لواليه أبو عبدالله سليمان بن راشد الكندي حينما عينه واليا على مدن ساحل عمان المتصالح جلفار وما حولها حينما قال له وهو يوصيه على مساكينهم وفقرائهم وكذلك مسيئهم :
” …. فالله الله يا أبا عبدالله في دفع السيئات بالحسنات وإنكار المناكر في جميع البلدان والفلوات بغير تجاوز منك إلى غير واجب أوجبه الله في التشمر.
وجد في جميع أمورك بالتدبير الرضواني وترك التهاون والتقصير عن الأمر البهتاني، بيد أنك قائم في تلك المنازل والبلدان مقامي وسالك طريقي وإعلامي فاجتهد قرة عيني في إصلاح ولايتك، والعدل بين رعيتك، وعمارة مساجدهم، والصفح عن مسيئهم، والألفة والتقرب لمحسنهم، والتجاوز عن سيئاتهم ما وسعك من ذلك، وأن تقبض زكواتهم من غنيهم وتجعلها في فقيرهم وضعيفهم بعدلها طيبة نفس من أعطاكها إلا من وجب جبره عليها ما وسعك من ذلك، ولا تهمل أمورك، وفقراءك فتحسس عنهم من جميع بلدانك ومنازلك لتساويهم من مال الله ما وسعك من ذلك، ولا تدعهم يتكففون إليك باكين حزينين سدمين من شدة الضرورات من الجوع والسغب فإن جمة منهم لم يقدر أن يبلغ إليك من حياء أو ألم، فلا تهمل ذلك “ولا تكن من الغافلين …”.
وذاك السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي في مسقط وزنجبار يدعو الكبير والصغير والغني والفقير والبوذي والمسلم والمسيحي واليهودي بأن يعيشوا سويا تحت مظلة التسامح والاحترام بمجتمع متمدن يعكس روح الإسلام وفكر شعبها في إمبراطوريته المترامية الأطراف والتي كانت ولا تزال تحتضن الجميع.



فلا غرابة أن نجد السلطنة في عهد نهضتها وحاضرها كان لها دور كبير في محاولات الوفاق لحل كارثة الحرب العراقية الإيرانية والتي كانت مشكلة حقيقية في المنطقة مطلع الثمانينات، والإسهام بشكل فعال في دعم حق تحرير الكويت ومساعدتها للتخلص من الجيش العراقي في مطلع التسعينات، كما أنها تدعو دوما بسلطانها إلى التهدأة في أزمات الشرق أوسطية الكبرى كالملف النووي الإيراني، والأزمة الخليجية الراهنة ورفض حرب اليمن ، وإلخ من أمثلة كثيرة تدلل في هذا الجانب بوقتنا الحاضر .

لذا ووفق كل هذه المعطيات تجد العمانيين يتألمون جدا في أي نزاع يحصل في الأمة ولو كان بعض أطراف هذا النزاع قد اعتدى على البلاد ولم يسلم منه العباد.
وتذكر المصادر التاريخية وتحديدا في عهد الانقسام الذي كان حاصلًا في عُمان بعد توقيع معاهدة السيب بين السلطان تيمور بن فيصل البوسعيدي والإمام محمد بن عبدالله الخليلي في عام 1920م والذي أصبح بموجبه حكم عمان مناصفة بين السلطان والإمام، نشب بعد فترة من ذلك الحرب الدموية بين أمير نجد عبدالعزيز آل سعود، وحاكم الحجاز الشريف علي بن الحسين، وكانت أوضاع الأمة الإسلامية في تلك الأنحاء في حالة مزرية وإضافة أخرى لنكبات العرب.
ورغم أن سلطة نجد كانت تعتدي على الحدود العمانية ناحية البريمي وضواحيها في عدة فترات إلا أن السلطان تيمور بن فيصل حينما علم بهذا الصراع في مكة والحجاز ترك كل هذه الخلافات حاله من حال الإمام الخليلي وأهل عمان جميعهم لمصلحة وحدة الأمة الإسلامية، فبعث السلطان لهم مبعوثه الخاص المجاهد الليبي الشيخ سليمان باشا الباروني الذي قاد معارك التحرير ضد المستعمر الإيطالي في ليبيا وتم نفيه بعدها حتى استقر في عمان برفقة السلطان والإمام، وأصبح مستشارا لهما ويمثل بالنيابة عنهما في العديد من المهمات والمحافل، كهذه المهمة التي أوكله فيها السلطان تيمور بحمل رسائله الداعية للصلح والسلام بين جميع الأطراف المتنازعة في الديار المقدسة لشعورهم بأهمية ذلك من أجل السلام، فكتب السلطان تيمور رسالته الأولى لأمير نجد يخاطبه فيها بكل لطف ومحبة يقول فيها :
” من تيمور بن فيصل .. إلى حضرة صاحب العظمة سلطان نجد وتوابعها أخينا عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود لا برح في رقي وإجلال .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
أخوكم يحمد الله الواحد الأحد بحال يسركم، ويرجو من الله أنكم بحال يسر إخواننا المسلمين، ومنذ برهة من الزمن انقطعت بيننا المكاتبات الودية فعساه الشاغل خيرا.
أما الباعث على طرفنا هذا الودادي هو أن حامله جناب الشيخ الجليل عندنا سليمان باشا الباروني أحد رجال الإسلام ومن علماء مذهبنا قصد السفر إلى مركز عدلكم الذي أضاءت أنواره أقصى ممالك الإسلام، فلزم تجديد مراسلات الصداقة وروابط المحبة بيننا، ولا شك في أنها لا تتغير.
وبهذه المناسبة أتشرف أن أصرح لعظمتكم بأننا في كدر وأسف عظيمين من استمرار الحرب حول بيت الله الحرام بين إخوان مسلمين كل منهم يعظم البيت المقدس ويحترمه، نسأله تعالى أن يوفق الجميع إلى الوصول إلى طريقة حل تحقن الدماء وترضي أهل الإسلام جميعا.
وحيث إن حامل كتابنا هذا هو على ما نحن عليه من الكدر، كلفناه بأن يعرب لعظمتكم عن أحاسيسنا الدينية توضيحا لما كتبناه هنا، فالمرجو اعتماد كلامه في هذا الصدد فإنه الثقة الأمين، ولا شك في أن لكم الخبرة التامة فيه وفي أمثاله، وله تفانٍ وتضحية في كل ما يتعلق بإصلاح حال الأمة الإسلامية.
وفي الختام أتمنى دوام علائق المودة الخالصة وقبول احترامي..
رمضان سنة 1343هـ”.






وفي المقابل بعث السلطان مع الباروني رسالته الثانية في التوقيت نفسه للشريف علي بن الحسين أمير الحجاز يقول فيها :
” من تيمور بن فيصل إلى حضرة صاحب الشرف العالي أخينا الملك الشريف علي بن الحسين المحترم دام إقباله وإجلاله السلام عليكم ورحمة الله ..
أما بعد فإن أخاكم يحمد الله جل شأنه في عز من فضله تعالى يرجو أنكم في صحة تامة مؤيدين بروح من مالك الملك متوجين بالفوز في كل حركة فيها راحة إخواننا المسلمين آمين.
حامل كتابنا هذا هو الوجيه المحبوب لدى الدولتين المحترم الشيخ سليمان باشا الباروني أحد علماء مذهبنا ومن رجال الإسلام المعروف لديكم شخصا وعملا متوجه إلى ساحة ملككم مضحيا خدماته فيما فيه مصلحة الأمة الإسلامية ولديه إخلاص كامل لسيادة والدكم والدنا، وقد أصبناه كتابنا هذا لينوب عنا في عرض إحساساتنا وتألمنا العظيم مما لا زلنا نسمعه من استمرار الحرب حول حرم الله المقدس بين إخوان مسلمين كلهم يدينون بتعظيم بيت الله الحرام وشعائره المقدسة فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
نسأله تعالى أن يلهم الجميع ما فيه حقن الدماء وسرور العالم الإسلامي ووقاية الأماكن المقدسة من كيد الكائدين، وحيث إن الحامل المذكور لرسالتنا من الثقاة الأمناء عندنا فلا حاجة إلى التوصية على اعتماد ما يبديه لديكم من الفكر فيما فيه الصلاح، كما نلتمس من جلالتكم التنزل إلى تسهيل ما يعسر عليه في هذا السبيل فإنه وأمثاله الذين حاربهم الدهر ولا يزال حربا لهم ممن يجب أن تسهل السبل أمامهم ليقوموا بخدماتهم الخيرية الإسلامية.
وفي الختام أرجو دوام اتصال حبل المودة المتين وقبول احترامي الخالص والسلام..
رمضان 1343هـ”..




ومن ناحية أخرى أوصى الإمام محمد بن عبدالله الخليلي مستشاره الباروني بنفس وصايا السلطان تيمور بن فيصل للمتخاصمين في مكة والحجاز، وقال في رسالته :
” من إمام المسلمين بعمان محمد بن عبدالله الخليلي .. إلى جناب المجاهد في سبيل الله الغيور في دين الله أخينا الشيخ سليمان الباروني وفقه الله ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
حيث إن العالم الإسلامي في اضطراب واهتمام بقضية الخلافة والأماكن المقدسة، فقد تقرر على ما بلغنا مؤتمر لأجل ذلك، فإنا نكلف جنابك باسم الأمة العمانية أن تحضر هذا المؤتمر الذي سيعقد لهذا الغرض السامي في مصر أو غيرها من البلاد الإسلامية، وليكن رأيك في مسألة الخلافة مطابقًا لقواعد الشرع الصحيحة وهي لا تخفى عليك.
أما مسألة الأماكن المقدسة فليكن رأيك فيها مبنيًا على حمايتها من عبث العابثين بها ووقايتها من تسلط كل يد أجنبية عليها مهما كانت مقاصدها وصبغتها، وقد استحسنا جدا تكليف السلطان إياك بالتوجه إلى الحجاز مندوبًا من طرفه وحاملا كتب نصيحة منه إلى المتحاربين حول بيت الله الحرام، فنعم الرأي رأيتماه فإن المسألة من أهم ما يجب أن يهتم به كل مسلم وإننا لا نزال في شغل من ذلك، والمنتظر من جنابك موافاتنا بالأخبار الصحيحة بدون فاصلة، والله تعالى نسأله أن يوفقك والمسلمين أجمعين إلى ما فيه خير دينهم ودنياهم آمين..
رمضان المعظم 1343هـ “.




ومن هذا المنطلق نجد أن عمان عبر التاريخ تمثل دومًا نصيحة الأمة للسلام مهما كانت الأوضاع في البلاد، ولكن المصلحة العامة ومصلحة الأمة الإسلامية والسلام العالمي كانت ولا تزال هي نصب أعين أهلها ومن يحكم ويتولى مسؤوليتها.

المراجع :
1- الدور العماني في وحدة الامة، بقلم مجموعة من الباحثين، تحرير أ.د/ وليد فكري فارس – عثمان محمد عثمان – صالح بن سليمان الزهيمي – سلطان بن مبارك الشيباني ، الطبعة الأولى – 2016م، الناشر ذاكرة عُمان – سلطنة عمان – مسقط، توزيع مكتبة خزائن الآثار – سلطنة عمان – بركاء.


2 – الهاشمي، سعيد بن محمد، مصادر التاريخ العماني الحديث والمعاصر / دراسة مسحية وصفية، الطبعة الأولى 2017م ، دار الفرقد للطباعة والنشر والتوزيع دمشق – سورية.

*صورة الموضوع من شبكة الإنترنت

Your Page Title