فضاءات

د.سالم الشكيلي يكتب: من يدفع أكثر ، يسمع اللحن الذي يريد

د.سالم الشكيلي يكتب: من يدفع أكثر ، يسمع اللحن الذي يريد
د.سالم الشكيلي يكتب: من يدفع أكثر ، يسمع اللحن الذي يريد د.سالم الشكيلي يكتب: من يدفع أكثر ، يسمع اللحن الذي يريد

أثير- د.سالم الشكيلي

دهاليز السياسة كثيرة ومتشعبة ومتعرجة ، لا يخبُر مداخلها ومخارجها صغار العقل والسن ، ولا حديثو عهدٍ بالعمل السياسي ، مَن يتطفّلون عليها ، فيعتقدون أن حبْوَهم في معامعها ومهامها ضرْبٌ من الجهبذة أوتوها هم لا غيرهم ، فيتوهمون القدرة على خوض غمارها .

السياسة في مجملها الآن – وآسفُ على قول هذا اللفظ – لعبة قذرة لأنها لا تقيم وزنا للقيم ومعايير الأخلاق ، تتغيّر بتغير المصالح ، إلا عند العرب فهي تتغير بتغير الحاكم أو بتغير مزاجه الشخصي ، إلا نادرا ، والسياسة المقصودة لا تقتصر على ما يظهر في العلن ، فما خفي وغير معلن أكثر وأشدّ مرارة مما هو ظاهر في العلن .

ربما كانت السياسة في الماضي ، تحترم القيم وتراعي معايير الأخلاق على الأقل في حدودها الدنيا ، وظلت السياسة إلى وقت قريب هي الموجّه لاقتصاديات الدول ، مما أتاح قدرا يسيرا من الثبات النسبي ، ولكن لم يعد يحكم السياسة اليوم إلا المصالح ، ولعبة المصالح هذه متشعبة ومتداخلة ولا يمكن حصرها في الماديات فقط ، حتى بات ينطبق عليها القول “من يدفع أكثر يسمع اللحن الذي يريد”

ويبدو أننا كعرب لا نفقه لعبة العمل السياسي ، حتى داخل أسرتنا العربية ، فنحن نجعل من عناصر الأحقاد والضغائن ، وأوهام الرئاسة على الكل ، وحجم الثروة ، والاعتقاد الواهم أن حلول مشاكلنا السياسية محفوظة في حروز في أماكن عند من للعرب كارهون ، وعلى نعمة النفط الموجودة لديهم حاسدون وطامعون ، وأصبح المتخاذلون من المحلّلين والمثقفين ممّن تَبنّوا هذه الفكرة يلوكون ويروّجون لها في كل ندواتهم ومقالاتهم ولقاءاتهم في وسائل الإعلام المختلفة ، وهي الأسس التي نتعاطى بها السياسة في عالمنا العربي .

وعلى ذلك عندما يلُمّ بالوطن العربي مُلِمّةٌ ما ، ترى الحكام العرب يتقاطرون على العاصمة واشنطن ، والعواصم الأوروبية الأخرى ، كتقاطر عربات القطار على محطة السكة الحديد ، وذلك لأخذ الوصفة من طبيب أو أطباء لا يعملون وفق الأصول الأخلاقية ، وإنما وفق مصالحهم ووفق منطق من يدفع أكثر يسمع اللحن الذي يريد ، ولو فكّر هؤلاء القادة قليلا وبشيء من الحكمة وتغليب المصالح القومية ، لوجدوا الوصفة التي يبحثون عنها في العواصم العربية ، لا في عواصم غيرهم .

وإذا قلبنا دفاتر الماضي ، فلن نجد حلا أمريكيا ، أو روسيًا أو أوروبيًا ، فكّ أو أنهى مشكلة عربية واحدة ، نعم نسمع دوران الرحى من خلال التصريحات وبيانات الشجب ، لكن لا نرى طحينا ، وإنّما نرى سمّا زعافًا ينثر على هذه المشكلات لتزداد ضراوة أكثر ، وتعقيدًا أشدّ؛ فمشكلة فلسطين العربية على حالها رغم قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة ، فأمريكا لا تريد حلا لهذه القضية غير تركيع العرب لمطالب وشروط العدو الإسرائيلي ، القوّات الأمريكية دخلت الصومال وعربدت فيها ، ثم خرجت منها وتركتها فريسة للصراعات الداخلية ، وهي حتى اليوم تتقاذفها أمواج الشرّ من كل جانب ، ويكاد حالها يقول يا حسرتا على ما فرطنا في هذا البلد من أمن وأمان ، ثم جاء الدور على العراق وحصل ما حصل وليس خافٍ على أحد ، وها هي العراق موطن الحضارات يعيش حالة من الصراعات الدينية والمذهبية البغيضة ، ووصل الأمر إلى البكاء على زمنٍ ولّى وانقضى، ليأتي الدور على سوريا وقد أسهم بعض العرب في تأجيج أزمتها ودفعت المليارات بالأصالة وبالنيابة عن الغرب كله ، وعلى مقدار الدفع نسمع التصريحات ، فهي تعلو عند الدفع وتخفت كلما قلّ الدفع ، ومن ينظر إلى مآل الحال في سوريا يمقت السياسة ومن يمارسها بطيش ورعونة وهي المؤامرة التي كنا نرددها طوال السنوات الماضية ، لكن هذه المرة بعضٌ من العرب وكثير من أهل سوريا ، هم الذين نسجوا خيوطها ، ثم تركوها لقمة سائغة لكل الحالمين بدمار عروس الشام وبهجتها .

وإذا عرجنا إلى ليبيا ، فالحال يغني عن السؤال ، أطراف تتصارع على السلطة ، وكل طرف مدعوم بالمال والسلاح من أطراف عربية لصالح أجندة غربية متعددة الأطراف ، لتبقى ليبيا غارقة في بحر من ظلمة الفرقة والشتات ، ثم اليمن وما أدراك ما اليمن السعيد الذي أصبح بحق غير سعيدٍ كما كان ، حرب ضروس على مسمع ومرأى من الكل ولا أذن تسمع ، ولا قلب يخشع ، وكأن الآذان قد صُمّت والقلوب انعدمت منها الرحمة والشفقة ، فلا صراخ طفل يشفع ، ولا توسّل أمّ ينفع ، ولا بؤس عجوز يمنع ، فقد طغى صوت وضجيج الصواريخ والمدفع ، وذلك سببه من يدفع أكثر يسمع ويرى ما يريده من ألحان تشجي غرورهم الذي تمادى حتى بات لا يشبع ، حتى عُدّت مأساة اليمن واليمنيين أكبر مأساة في تاريخ البشرية .

إنّ هذا الطيش السياسي ، والطفولة العقلية من بعض قادة العرب ، معتمدين على معادلة من يدفع أكثر يسمع ما يريد ، لن تسعفهم إلى مالا نهاية ، فالشعوب في هذه المرحلة بالذات تعي وتفهم ما يدور حولها ، وهي أولى بثرواتها من الذين يضحكون على الذقون ، ولأموال العرب ناهبون ، فوالله لو وزعت هذه المليارات على شعوب هذه الدول ، لما بقي جائع أو معترّ أو صاحب حاجة ، بل أصبحت هذه الدول كما كان حال الدولة الإسلامية في عهد عمر بن عبدالعزيز . وقد يأتي يوم فتكون سلعة الدفع هذه بائرة لا تجد لها سوقًا لا في الغرب ولا في الشرق.
من حق كل عربي أن يتساءل : إلى أين نحن ذاهبون ، وما المصير الذي ينتظرنا ؟ نحن الآن اثنتان وعشرون دولة ، لم نستطع توحيد كلمتنا مرة واحدة ، فهل ستتوحد عندما يصل العدد – لا قدر الله – إلى الثلاثين أو الأربعين ، بفعل فاعل منّا ، يسعى إلى تمزيقنا مع سبق الإصرار والترصد .


من حق كل عربي أن يتساءل : ماذا يُراد بهذه الأمة ؟ ألم ترْتوِ الأرض من الدماء التي سالت وما زالت تسيل ، ألم يكفِ هذا العدد من المهجرين والمشردين من ديارهم ومنازلهم ؟ وماذا سيكون مصيرهم ؟ ثم ألا يكفي هذا الدمار في العديد من البلدان العربية وكيف سيُعاد البناء ؟ ومن حق كل عربي أن يسأل هؤلاء المتعطشين للدماء : ألم ترتوِ حماقاتكم بعد ؟ ومن حق كل عربي أن يسأل هؤلاء المولعين بالحروب ماذا جنيتم وماذا استفدتم ، وهذا الذي تفعلونه وما زلتم تفعلونه، لخدمة من ؟ بالله عليكم نبئونا بتأويل كل هذه الأسئلة إن كان لديكم ما تقولون ، ولن تقدروا على قول الحقيقة وعلى مكاشفة شعوبكم ، وعندئذ لن تنفع معادلة من يدفع أكثر يسمع ما يريد بسبب انتهاء صلاحيتها حتى أنها لتكون لحنًا نشازًا مقرفًا كأفعالكم الكالحة ، التي باعت واستباحت الكرامة والدم العربيّين ، فيا ويلكم حينها من شعوبكم التي سوف لن ترحمكم ، قبل أن يصير أمركم إلى الله ، وهناك ستجدون الشهداء والأم الثكلى ، والذين تسببْتم في تشريدهم وإذلالهم ؛ ليشهدوا مع أيديكم وأرجلكم التي ستنطق شاهدة على أفعالكم .

إن حالتنا العربية الراهنة ، لا أقول كما نحن معتادون على قوله ، لا تُسر صديقا ولا عدوا ، نعم هي لا تُسر الصديق ، لكنها بدون أدنى شك تُسر العدو وتُسعده أيما سعادة ، حال دولنا العربية الآن محزن ومبكٍ ومضحك في الوقت نفسه ، فافهموا يا أولي الألباب .

Your Page Title