موسى الفرعي يكتب: مسوّدة على طاولة معالي د. علي السنيدي

موسى الفرعي يكتب: مسوّدة على طاولة معالي د. علي السنيدي
موسى الفرعي يكتب: مسوّدة على طاولة معالي د. علي السنيدي موسى الفرعي يكتب: مسوّدة على طاولة معالي د. علي السنيدي

أثير – موسى الفرعي

أثير –

موسى

الفرعي

 

قد تعلمنا في هذا الوطن المعطاء دروسا في كل جوانب الحياة، ومن بين ذلك كله النقد البنّاء الذي لا يُراد به سوى المصلحة العامة للأرض والإنسان وذلك بإيجاد الحلول وطرح البدائل وليس نقدا لوجه النقد فقط، وتعلمنا من جلالته معنى الحرية وجوهرها وأن نقاتل دفاعا عن آرائنا وعدم السماح لأي كان بمصادرة أفكارنا، ومن هذا المنطلق أبدأ الحديث عن كلمة معالي د. علي السنيدي وزير التجارة والصناعة بصفته العملية وليس إنسانه، فلو كان مجرد حديث على طاولة مقهى لتبخر وانتهى بانتهاء السهرة، ولكن أن يصدر من مسؤول كمعاليه فهنا ترسم فاصلة لاستكمال الحديث.

 

لقد جاهد جلالة السلطان حفظه الله ورعاه من أجل التعليم وراهن على التقدم والنمو بقدر ما نهتم بالمسيرة التعليمية والمخرجات الجامعية، وحدد مقاصده ووجهته ومساراته على أرض العلم والمعرفة، وقد عمل منذ لحظاته الأولى على مفصل العلم وأولاه اهتماما خاصا لإيمانه الشديد أن الثقافة البيئية واليومية تُكسب الإنسان الخبرة الحياتية ولكن حين يجري العلم في عروقها تكون أكثر إنتاجا وأشد تأثيرا وهذا ما يتبين لنا من خلال خطابه السامي عام 1970م، حيث قال من بين ما قال: “ومن هنا تنشأ الحقيقة بأن تعليم شعبنا وتدريبه يجب أن يكون بأسرع وقت ممكن لكي يصبح في الإمكان في المدى الأبعد، حكم البلاد بالعمانيين للعمانيين”. ومضى بالمسيرة المباركة منذ سبعينيات القرن المنصرم ليقول بعد أربعين عاما في كلمته بمناسبة افتتاح المركز الثقافي بجامعة السلطان قابوس عام 2010م: “لطالما أكدنا على أهمية العلم والمعرفة وضرورة متابعة مستجداتهما بكافة السبل المتاحة بذهن متقد على أساس من التدبر والتجربة لأخذ الصالح المفيد وترك ما لا طائل من ورائه، بل إننا نسعى إلى تحفيز الهمم للإضافة الجيدة في هذا المجال فمهما اجتهد المجتهدون يبقى ما وصلوا إليه شيئا يسيرا أمام بحر العلم الواسع”.

 

” تحفيز الهمم” + ” العلم النافع”، لم يقلل جلالته من قيمة الأكاديميين ومن أهمية العلم كما فعل معاليه بقوله: “لا تعتمدوا على الشهادة اللي يعطيكم  إياها الدكتور علي البيماني وجماعته”، فالشهادة الأكاديمية بالنسبة لمعاليه لا تتجاوز سوى كونها عربون معرفة أنك تفكر وتحفظ، وأن العالم الخارجي وما يحدث فيه بعد التخرج مختلف تماما، وسواء كان وصفا دقيقا للواقع من عدمه، وسواء جاء هذا التعبير على محمل الجد أو الهزل فأي تقزيم لهؤلاء الأكاديميين الذين كلفوا برئاسة الهرم الثقافي والتعليمي في عمان، وأي انتقاص من قيمة شهادة تحمل اسم جلالته وليس الدكتور علي البيماني أو غيره، وأي إحباط تحمله هذه الكلمات للطاقات التي تعلق عليها الآمال والتي أكد جلالته بأهمية مشاركتهم في عملية البناء والتغيير بشرط الكفاءة والإخلاص للوصول إلى حكم البلاد بالعمانيين، وما استمرار جلالته في اهتمامه الخاص بالتعليم إلا لاستمرار عملية تجديد الدماء في المناصب الحكومية والخاصة، وإن كان ما يحدث خارج الحرم الجامعي مختلفا تماما عما يشهده واقع الحياة فلتغلق أبواب الجامعة إذن وليتفرغ كل هؤلاء الشباب العماني الطموح للمشاريع الصغيرة والمتوسطة شريطة أن تسهل لهم هذه العملية من قبل الوزارة المعنية بذلك، ولا ترشُّ أمام خطواتهم العراقيل والتعقيدات التي أدت بكثير من الموظفين الذين تفرغوا من وظائفهم الحكومية ليجدوا السبيل التجاري مغلقا، فما كان منهم سوى التنازل عن ذلك والعودة إلى ما كانوا عليه، كما أن منطق معاليه يدعونا إلى التفكير بإرساء المناقصات إلى الخارج ودفع الملايين لهم لأن “شهادة الدكتور علي البيماني وجماعته” لا قيمة لها.

 

 

إن العالم يا معالي الوزير الموقر لا ينصلح بالنحالين أو النجارين أو البائعين المتجولين وحدهم فقط، وعملية القيادة لا تكتفي بعدة رجال بل إن عملية القيادة الحقيقية تشمل كل العمانيين بلا استثناء، وأستغرب كيف يقدم معالي علي السنيدي على هذا الطرح الذي يتناقض جملة وتفصيلا مع رؤية جلالة السلطان حفظه الله ورعاه التي قامت على رفع مشاعل العلم والحرية واشتراك العمانيين كلهم في عملية البناء وسعيه للوصول بالمستوى التعليمي حتى أعلى المستويات حيث قال عام 2005 بمناسبة الدورة الثالثة والثلاثين للمؤتمر العام لليونسكو: “إننا نولي التعليم جل اهتمامنا ونسعى لتطويره وتحسينه ورفع مستواه وتحديث المعارف وتعميقها وإثرائها وتكييفها مع عالم دائم التغير، انطلاقا من الأهمية التي توليها السلطنة لتنمية الموارد البشرية، وترسيخ منهج التفكير العلمي وتكوين أجيال متعلمة تشارك في عملية التنمية وتتعامل مع المتغيرات والمستجدات المحلية والعالمية بكل كفاءة واقتدار”.

 

بمثل هذه الرؤية قامت عمان وتقدمت وانتقلت من أعمق نقطة في الظلام إلى أعلى مستويات النور، بمثل رؤى جلالة السلطان تنتصر الأمم لأنه يؤمن أن الحضارة لا تقاس إلا بمثقفيها ومتعلميها، أما انهيار أمة ما لا يكون إلا بتفشي الجهل وتمكنه من مفاصلها ومن أقليات تضحك وتصفق لكلام كالذي جاء به معالي علي السنيدي الموقر.

لقد حرص جلالته على نشر العلم والمعرفة الذي ترجمه اهتمامه البالغ بتنفيذ العديد من المشاريع العلمية والثقافية على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، إضافة إلى إنشاء كراسي وأستاذيات وزمالات علمية باسمه في العديد من الجامعات العلمية المرموقة، وعلى كل المسؤولين في عمان ألا يفسدوا هذا العمل الجبار والأمل الخلّاق بمثل ما جاء به معالي علي السنيدي، وأن يتخلقوا بصفات جلالته ورؤاه التي تسعى دائما إلى الانتصار أو الانتصار، لا تسمحوا بمفردة هزيمة أو سقوط في القاموس العماني الخالص الذي أعده جلالته طيلة هذه الأعوام وشارك فيه العمانيون تجارا، مهندسين، سياسيين، عمالا، أطباء ومثقفين.. والبقية تأتي.

أخيرا: لا بد أن تقوم جامعة السلطان قابوس بتخصيص دورات تدريبية وورش عمل لبعض المسؤولين في فن الخطاب كي لا يقعوا بسبب الارتجال غير المحسوب أو المسؤول في أخطاء فادحة لا تليق بعمان ولا بإنسانها ولا تتسق مع نسقها المنتصر لهما دائما، وذلك لا يعد عيبا فكلنا نحتاج ذلك، كل حسب مجاله وتخصصه فالعلم متطور دائما ومفتوح على سماء غير منتهية.

*صورة الموضوع: أثناء افتتاح جلالته للمركز الثقافي بجامعة السلطان قابوس في عام 2010م

Your Page Title