عزة بنت محمد الكميانية- روائية عمانية
تحدثنا في الحلقات السابقة من سلسلة هذا المقال عن بعض مطالب أولياء الأمور (إلغاء الواجبات المنزلية والمشاريع وتخفيض ساعات التعليم وتطوير المناهج ومرافق المدرسة وتوفير الغذاء الصحي والنقل المريح للطلاب) واليوم نتحدث عن طلب آخر تتجاهله وزارة التربية والتعليم أيضاً!
الكثير من أولياء الأمور يطالبون وزارة التربية والتعليم بفصل البنات عن الأولاد في صفوف الحلقة الأولى، ولا أعلم إلى متى ستظل وزارة التربية والتعليم تتجاهل هذا الطلب المهم، وهو طلب معظم أولياء الأمور وكذلك المعلمات اللاتي يدرسن صفوف الحلقة الأولى من الصف الأول إلى الصف الرابع، وإن كان لدى وزارة التربية والتعليم شك في أن معظم أولياء الأمور والمعلمات يطالبون بذلك فلتطرح استفتاء يشارك فيه الأهالي والمعلمات لكي تعلم حجم الضرر من اختلاط الأولاد والبنات حتى لو كان في الصفوف الأولى، علماً بأنني كنت من المعارضين لهذا الطلب، وكنت أتساءل لما يريدون فصلهم وهم لا يزالون أطفالاً؟ وكنت أظن أن المتشددين دينياً هم الذين يطالبون بذلك دون أن يكون هناك سببٌ يستدعي هذا الفصل، سوى فصل الإناث عن الذكور الذي لم يفرضه الإسلام إلا بعد البلوغ، ولكن بعدما بحثت في الموضوع، واستمعت للمعلمات والأمهات عن المشاكل التي تحدث بسبب الاختلاط، وكذلك استمعت من الطالبات أنفسهن، وبعضهن كبرن وأصبحن يدرسن في مدارس البنات، لكن لا زلن يتذكرن حفلات التعذيب التي كان يقوم بها زملاؤهن الذكور، وأغلبها شد الشعر بقوة، أو غرس القلم في وجوههن وأيديهن!
لذلك الفصل بين الذكور والإناث في المدرسة هو الحل الأفضل لتدارك تلك المشكلات، أما شكوى الأولاد المتكررة -الذين كبروا وأصبحوا الآن يدرسون في مدارس الأولاد أو الجامعة- أنهم كانوا يتعرضون للظلم دائما، وأن العقاب كان يلحق بهم دون البنات، وأن أغلب البنات كن يفتن عليهم إذا صدر من أحدهم خطأ، مما يكون العقاب عليهم شديدا، فطبيعة الذكور تختلف عن الإناث اللاتي يحببن النظام والهدوء، بعكس الذكور، ولذلك كن لا يتساهلن عن أخطائهم فيخبرن المعلمة بكل شيء، ثم يأتي الانتقام من الأولاد لماذا أخبرتِ وهكذا، وحتى لو كانت الفتاة هي المخطئة وقام الطالب بضربها فإن العقاب يكون للطالب، هكذا بحسب شكوى الطلاب، ربما لأن المعلمات يصبحن متحيزات للبنات لأنهن يعلمن أنهن ضعيفات وهادئات، بينما الولد غالبا يكون فوضويا ومشاكسا، ولذلك فإنه ينظر إليه بأنه المخطئ دائما!
إذاً يجب الفصل بينهم في المدارس لتجنب هذه المشاكل التي تحدث كل يوم، فإحدى الأمهات أخبرتني أنها ذهبت للمدرسة في وقت الفسحة فوجدت المعارك الضارية التي ضحيتها البنات، أخبرتني أنها رأت فتاة صغيرة وقد علقت من ظفائرها في النافذة، وأخرى تصرخ أنهم سرقوا نقودها، وتلك الأم ذهبت للمدرسة لتشتكي من الطلاب المشاغبين الذين يسرقون نقود ابنتها كل يوم ويتركونها تجوع حتى تعود للبيت، هذا غيضٌ من فيض، غير الأمور غير الأخلاقية التي تصدر من الطلاب، والتي تحال القضية في كل مرة للإخصائية الاجتماعية، ولولا الاختلاط لما وجدت تلك المشكلات.
وقبل مدة تم تداول مقطع صوتي طريف لأم وأب يتشاجران، لأن أم البنت كانت تشتكي من سلوك ابن أحد المشاركين في مجموعة الواتساب – أولياء الأمور لطلاب صف في مصر- فقد كانت الأم تشتكي أن ولده يُقبّل ابنتها كل يوم، بالرغم من شكواها للمدرسة دون فائدة، ولأنها اشتكت لوالديه من قبل في الخاص ولم يستجيبا لها، فما كان لديها حل سوى عرض المشكلة في العام، فرد الأب بغضب: (اللي عنده معزة يربطها!!) ويبدو من رده أنه نبَّه ابنه لعدم فعل ذلك دون أن يستطيع منعه.
وقد أخبرتني إحدى المديرات أنها بعدما استلمت مهام الإدارة في المدرسة التي تعمل فيها، قامت في بداية الفصل الدراسي الأول بفصل البنات عن الأولاد، فظل الأهالي يتوافدون للمدرسة ليشكروا المديرة على الخطوة الجريئة والرائعة التي أقدمت عليها، كانت بحسب ما أخبرتني تجربة رائعة فعلا، فقد شعرت المعلمات بالراحة من النظام الجديد، وكذلك الطالبات والطلاب، فهي كما تقول: ” خلط الأولاد والبنات في الصفوف يسبب ضغطا نفسيا كبيرا على المعلمات؛ لأن الأولاد هم الذين تصدر منهم الفوضى والمشاغبات، فعندما تدخل المعلمة صفا فيه بنات لوحدهن ترتاح قليلا من الضغط، وبذلك تأخذ قسطاً من الراحة الجسدية والنفسية، ثم تذهب لصف الأولاد حيث يكون الضغط الواقع عليها أكبر، بالرغم أنهم هدأوا قليلا بعدما ابتعدوا عن البنات، وبدأوا يشعرون بالراحة، والبنات ارتحن كثيرا من مشاغبات الأولاد أيضاً، وكانت الأمور تسير بشكل جيد، وهم يدرسون في نفس المدرسة إنما الفصل في الصفوف وحسب”.
وعندما سألتها: ما دامت التجربة ناجحة لما أعدتم الوضع كالسابق وخلطتهم البنات والأولاد في الصفوف مرة أخرى؟!
أجابت بحسرة: ” لأنهم في المديرية رفضوا ذلك، وكانوا يرسلون لنا باستمرار الأوامر لكي نعيد الوضع لما كان عليه، وهم يقولون: لو علمت وزارة التربية والتعليم بالأمر ستكون مشكلة كبرى. لم يتركونا حتى خلطناهم من جديد، وأعدنا كل شيء كالسابق في الفصل الثاني!! فخلطهم في المدرسة متعب جدا لأننا نظل نراقب ونوجه باستمرار، ونخشى أن تحدث أمور لا أخلاقية، فيجب أن نكون منتبهين دائما، بينما لو تم الفصل سنرتاح من كل ذلك”.
وقالت أيضا: “هناك انتقادات ومطالبات كثيرة من الأهالي، ولكن ليس بأيدينا فعل شيء، حتى التوصيات التي نرفعها لوزارة التربية والتعليم لا يعمل بها”.
سألتها عن الانتقادات: مثل ماذا؟!
أجابت: ” مثلا في كل سنة نستلم من الوزارة ورقة تحتوي على معلومات تتعلق بحافلة المدرسة، وهي عبارة عن سلسلة من الأسئلة إن كانت الحافلات صالحة للاستخدام أم لا، مثلا: هل تحتوي الحافلة على أجهزة تكييف أم أن أجهزة التكييف معطلة، فتكتب المعلمة – وغالبا المديرة أو نائبتها من تقوم بهذا الإجراء- معطلة وهكذا، ولكن في بداية العام الدراسي يتفاجأن بتجديد العقد لصاحب تلك الحافلة التي لا تصلح إلا لنقل البهائم، ثم يأتي الأهالي للشكوى من الحافلات السيئة للمديرة ولمعلمات المدرسة!”
تلك المديرة فضلت التقاعد في سن مبكر- فهي في بداية الأربعينات – لأنها كما تقول: ” للأسف إذا طالبنا بأي تعديل أو حتى تنظيم مدرستنا بأنفسنا تتدخل المديرية في المنطقة وتفشل كل شيء!!”
وكل من يعارض الفصل بين الجنسين سأقول له شيئا: الفصل مطلب مهم ليس في المدارس وحسب إنما حتى في الكليات والجامعات، فقد أثبتت الدراسات أن الفصل بين الجنسين في التعليم يؤدي إلى ارتفاع مستوى الطلاب، وتركيزهم في الدراسة عوضاً عن تركيزهم بالاهتمام بالجنس الآخر الذي يشتت الذهن، وقد شاهدت قبل مدة مقطعا تسجيليا يتحدث فيه أحد الأساتذة في مدرسة (أوتاجو) البريطانية عن أهمية الفصل بين الجنسين، وأن ذلك أدى لزيادة التحصيل الدراسي لدى الطلاب، فقد أنشئت المدرسة التي يُدرِّس فيها لتعليم الذكور، فكانت النتائج مبهرة، كما أن هناك دولا أخرى دأبت على إنشاء مدارس خاصة بالذكور وأخرى للإناث، كالصين مثلا بحيث بلغ عدد هذه المدارس بالمئات، وكذلك بريطانيا وأمريكا، ” ففي عام 2010م نشر الموقع الإخباري الأميركي (سي إن إن) خبراً تحت عنوان: (الطلبة الأميركيون في الصفوف المختلطة يحصلون على علامات متدنية) وذُكر فيه: أن إدارة الرئيس قد منحت مديري المدارس العامة في البلاد حق فصل الصفوف بين الجنسين، حسب ما يرونه من المصلحة التربوية للطلاب والطالبات، وهذا يعد أكبر تعديل يطال النظام التربوي في أميركا منذ عقود كثيرة، واستندت الدوائر التربوية الأميركية في موقفها هذا، إلى تقارير إحصائية أثبتت حصول الطلاب في الصفوف غير المختلطة على علامات أعلى من نظرائهم في الصفوف المختلطة، وقد أشار تقرير صدر في أبريل 2011م عن وزارة التربية والتعليم الأميركية إلى أن عدد المدارس الحكومية غير المختلطة بلغ 223 مدرسة، بمعدل زيادة سنوية قدرها 300٪، وبلغ عدد الولايات التي تقدم تعليماً غير مختلط 32 ولاية أميركية، وفي دراسة لمجلة (نيوزويك) الأميركية، قالت إنه عندما يدرس الطلبة من كل جنس، بعيداً عن الآخر، فإن التفوق العلمي يتحقق، ففي التعليم المختلط أخفقت البنات في تحقيق التفوق في المجالات العلمية، وقد عرضت الجمعية الأميركية لتشجيع التعليم العام غير المختلط دراسةً أجرتها جامعة (ميتشغن) الأميركية في بعض المدارس الكاثوليكية الخاصة المختلطة وغير المختلطة، تفيد الدراسة أن الطلاب في المدارس غير المختلطة كانوا أفضل في القدرة الكتابية وفي القدرة اللغوية، وفي أستراليا أجريت دراسة على 270 ألف طالب وطالبة، تبين فيها أن طلاب التعليم غير المختلط تفوقوا سلوكياً وأكاديمياً على طلاب التعليم المختلط، وقد أكدت الدكتورة كاولس شوستر خبيرة التربية الألمانية، أن توحيد نوع الجنس في المدارس، يؤدي إلى استعلاء روح المنافسة بين الطلبة، أما الاختلاط فيلغي هذا الدافع، وقد أجرى معهد أبحاث علم النفس الاجتماعي في مدينة بون بألمانيا دراسة قبل سنوات على المدارس المختلطة وغير المختلطة، فتبين أن طلبة المدارس المختلطة لا يتمتعون بقدرات إبداعية، وهم محدودو المواهب، قليلو الهوايات، وإنه على العكس من ذلك، تبرز محاولات الإبداع واضحة بين طلبة مدارس الجنس الواحد غير المختلطة، وفي دراسة أخرى بمعهد (كيل) بألمانيا، تبين بعد الفصل بين الطلاب والطالبات أن البنات كن أكثر انتباهاً، ودرجاتهن أفضل كثيراً قبل فصلهن عن الطلاب”.(العالم يتجه لمنع الاختلاط في التعليم/صحيفة البيان/25 مارس 2012م).
فقد أدى الاختلاط في المدارس في كثير من دول العالم إلى مشاكل كارثية، ففي بريطانيا مثلا قرأت خبرا هذه السنة أنه بعدما فشلت إدارة المدارس بمنع العلاقات المحرمة بين الطلبة، لم تجد الحكومة حلا سوى توزيع الواقي الذكري مجانا على الطلبة، بحيث يستلم كل طالب في بداية العام الدراسي بطاقة تمكنه من سحب أي عدد من الواقي الذكري من (كابينات) خاصة وضعت في كل المدارس الثانوية المختلطة!!
وبالتأكيد حينما نتحدث عن الفصل في المدارس الحكومية في بلدنا فإن المشكلة تختلف عن الفصل في الجامعات أو في المدارس في الدول الأخرى – لأن الاختلاط في الصفوف الأولى وحسب- لكنها تتشابه في بعض الأوجه، فتشتيت الذهن لوحده يعد سببا رئيسا للفصل بين الجنسين، وقد ذكرت أعلاه بعض الأسباب الأخرى التي تحتم علينا ضرورة الفصل.
الجزء الأول:
https://ath.re/2IshP6P
الجزء الثاني:
https://ath.re/2Iyvucz
الجزء الثالث:
https://ath.re/2P4KelM
الجزء الرابع:
https://ath.re/2ymY9fV
الجزء الخامس:
https://ath.re/2CiRsyY