فضاءات

د.عبدالله باحجاج يكتب: منطقة أثرية عمرها أكثر من أربعة قرون .. هل تُهدم من أجل التطوير السياحي؟

د.عبدالله باحجاج يكتب: منطقة أثرية عمرها أكثر من أربعة قرون .. هل تُهدم من أجل التطوير السياحي؟
د.عبدالله باحجاج يكتب: منطقة أثرية عمرها أكثر من أربعة قرون .. هل تُهدم من أجل التطوير السياحي؟ د.عبدالله باحجاج يكتب: منطقة أثرية عمرها أكثر من أربعة قرون .. هل تُهدم من أجل التطوير السياحي؟

أثير- د.عبدالله باحجاج

عندما أريد ” الترويح ” عن النفس من الضغوطات الحياتية ، كأن أجد فيها – أي النفس – منغصا أو قلقا أو اهات ، وما اكثرها في عصرنا ، لم اجد نفسي الا وأنا في المناطق القديمة في صلالة أو الحافة .. التي تحتفظ ببيوتها ومساجدها الاثرية ذاكرة مجتمعنا المحلي ، رغم ان بعضها سقطت والأخرى آيلة للسقوط ونوع ثالث يقاوم من أجل البقاء رغم وجود أن الدولة أنشئت مؤسسات تعني بهذه الكنوز .

والزائر لها ، سيشعر بإحساس غريب ، وهو ان هذا المكان يرجع بك الى القرون الماضية ، وتحديدا الى أكثر من أربعة قرون ، وبعض المصادر ترجعنا الى القرن العاشر الهجري ، هو شعور عابر لهذه الازمنة اذا ما تمكن الفرد منا من تجريد نفسه من جدليات الأمكنة القادم منها ، وانشغالاته بلقمة العيش ، وسلم نفسه لعبق وتجليات البيوت والمساجد الاثرية.

والنظرة السريعة لصور البيوت والمساجد القديمة لمنطقة الحافة – كتلك التي اوردناها في هذه المقال – سينتابنا الشعور نفسه ، وكلما تعمقنا أكثر فيها -أي الصور – سيزداد عمق رجوعنا لحقب الأجداد ، وعلى الفور سنتعرف على مستوى معيشتهم ، وانماط علاقاتهم الاقتصادية والروحية ، وتطويع الجانب الهندسي للبيوت والمساجد بيئيا بصورة مدهشة – كما سيتجلى ذلك لاحقا – .

وقد يخرج القارئ بعد هذا الانفتاح الذهني التاريخي على المكان ذاته ، بالتساؤل التالي : هل هذه البيوت والمساجد الاثرية لا تزال قائمة ؟ وهنا ستكون الإجابة صادمة ، ليس في وضعها الراهن الذي هو بين من تهدم نتيجة الإهمال وبين أن بعضها آيل للسقوط ، وانما في ما يراد لهذه المنطقة الاثرية التاريخية من هدمها وإقامة على انقاضها مدينة سياحية حديثة .

وهذه المعلومة قد استقيناها من مصادر عديدة مؤخرا ، وهي في طور ما قبل تنفيذها ، وهي تعني التنصل عن الاتفاق السابق الذي ينص على بقاء بعض البيوت ومساجدها سواء بإعادة ترميمهما أو إعادة بناؤها وفق نسقها أو نسختها الاثرية ، لكي تشكل مع المستحدث السياحي ثراء سياحيا ، يحافظ على الماضي ويعاصر الحاضر ، فمن يعطي للشركة الحق في التنصل عن هذا الاتفاق ؟ وهل يحق لها أو من يكون وراءها اتخاذ مثل هذا القرار الذي هو يعد قرار دولة في المقام الأول والأخير .

وفكرة هدم منطقة تاريخية بذلك العمق التاريخي ، واستحداث مدينة سياحية حديثة ، ينم عن فكر تخطيطي أو تطويري عنده مشكلة كبيرة مع الموروثات ربما يكون وراءه جنون نفعي يجب أن يكبح جماحه ، مهما كانت مبرراته التطويرية ، فالحافة تستحوذ على بيوت اثرية موغلة جدا في القدم ، وتتوفر على الخصائص التاريخية والفنية .. ما يجعلها تكتسب الصفة الوطنية بامتياز .

ليس من صلاحية اية شركة أو وزارة أو مواطن ان يستفرد بمثل هذا القرار الخطير ، فذلك معناه محو الذاكرة ، وبالتالي ، فهذا قرار دولة ، يغل يد الهدم ويلزمها بالانصياع الى عدم التفريط بالذاكرة المكانية ، خاصة وان عملية المزاوجة بين الصالح ” سياحيا ” من الموروثات ، والصالح ” سياحيا ” من متطلبات العصر ، تحتمها الحاجة السياحية نفسها ، وتميزها كمنتوج في اطار منافستها الإقليمية والعالمية، فكيف نستغني عن هذه الميزة السياحية الجاذبة ؟

ويضعنا التفكير بهدم هذه المنطقة الاثرية امام إشكالية كبرى ، تفتح نفسها بصورة تلقائية ، وهي غياب الدليل الارشادي للتنمية العمرانية والاقتصادية في بلادنا ، فلو كان هذا الدليل موجودا ، فسيكون حالكما للتطورات والتحولات الراهنة والمستقبلية بصورة عامة .

لو كان موجودا ، لما مسخت التصاميم المعمارية التاريخية من عملية إعادة بناء الكثير من مساجدنا الاثرية ، لو موجودا ، لما يتجرأ الفكر التخطيطي على هدم البيوت والمساجد الاثرية في الحافة ، وإقامة على انقاضها مدينة سياحية وتجارية معاصرة .

والشفافية تجعلنا القول بأن الوعي المؤسساتي يحتل منزلة دنيا من وعي بعض النخب الاجتماعية ، لكنه يظل وعيا محدودا ، وقد لاحظنا الوعي النخبوي في كيفية المحافظة على الموروثات الاثرية ، كمسجد عقيل بصلالة الشرقية الذي تعبر عنه صورتا المسجد قديما ، وهو يتوسط حي سكني اثري ، ويرجع انشاء هذا المسجد الى القرن الحادي عشر الهجري ، وحديثا ، وتحديدا عام 2018 اعيد بناؤه وتوسعته بنفس نسقه وهندسته المعمارية التاريخية – كما يتجلى ذلك من خلال الصورتين ، فتأملوا الروعة – كما تظهره احدى الصورة المرفقة – وهذا يفترض أن يكون وعيا مؤسساتيا وليس وعي نخب ، وأكبر تعبير عن وعي المؤسسات سيكون مجسدا في الدليل الارشادي لو كان موجودا .

وكل من زار بعض الدول التي لها عمق تاريخي ، كالمغرب مثلا ، سيرى كيف وظفت الرباط هذه المورثات سياحيا ، ومراكش القديمة نموذجا ، ولماذا نذهب بعيد ، فالدوحة وسوق واقف نموذجنا الخليجي ، فقد اصبح مزارا سياحيا جاذبا للقطريين وكل من يزور الدوحة على مدار اليوم ، فكيف نرفض توظيف هذه الموروثات في نهضتنا السياحية الجديدة ؟

هل التطوير السياحي في منطقة الحافة على وجه الخصوص لا يتناغم مع توظيف مفردات حضارية واثرية لن تقدر بثمن ؟ لن نجد هناك من إجابة عن هذا التساؤل سوى ان وراءها ارادات فردية ، يغلب عليها الفردانية في قضايا وطنية ، تمس حقوق الأجيال ، ولا يجوز للجيل الحالي التصرف فيها .

الكل يقف مع مشروع تطوير الحافة سياحيا ، فهذا استثمار واعد سيعم خيره ليس محافظة ظفار لوحدها ، وانما لعموم البلاد ، لكن لا يجب أن يحمل صفة الثورة ضد هذه المنطقة الاثرية والاستراتيجية الواقعة على المحيط الهندي والتي بها منطقة البليد التاريخية التي كانت كانت مركزا تجاريا وثقافيا في ذلك الزمن .

ومما تقدم ، نقترح بصورة عاجلة الآتي :

الإسراع في الدليل الارشادي الذي يعد خارطة استرشاديه ملزمة للتنمية العمرانية والاقتصادية في بلادنا ، بحيث يمنع الاجتهاد والفردانية ، ويعبر عن عقل الدولة الحضاري والمعاصر ، ويجعل الذاكرة العمانية تعيش في مسيرتها الزمنية المتعاقبة في تلازمية منسجمة وفق قاعدتنا الشهيرة ” لا افراط ولا تفريط ” وما يفكر حاليا لمنطقة الحافة التاريخية هو قمة التفريط بها على حساب الافراط في الحداثة .

وحتى يعرف الدليل الارشادي النور ، نتمنى اشراك الرؤية الاكاديمية في مثل هذه المشاريع ، فكلية الهندسة مثلا في جامعة السلطان قابوس يمكن الاستفادة من خبرات اطرها المؤهلة حتى استصدار الدليل الارشادي ، حيث ان وجودها في مثل هذه المشاريع المهمة ستمثل الحلقة المفقودة ، والضامنة للتوازن بين ضرورات المحافظة على التراث والتعاطي مع العصر .

فغياب تمثيلها ” الإلزامي ” ستكون الغلبة للتفريط ، فهناك بيوت اثرية بمثابة كنوز – كما تظهرها الصور – ينبغي أن توظف إيجابيا لصالح تطوير المنطقة سياحيا ، حتى مساجدها التي يجري التفكير الان في هدمها أو بعضها ، تعكس رؤية الأجداد في بنائها ووراء المسافات الفاصلة بينها حكمة .. نترك الأجيال وغرور السائحين تسبح بهم الى تلكم الأزمنة– بصرف النظر عن الرؤية الشرعية من عملية هدم المساجد – .

وأخيرا ، فإن الحفاظ على البيوت الاثرية ، وإعادة احياء التي سقطت خاصة تلك التي لها حمولة تاريخية وجماليات فنية ، ينبغي ان يكون ضمن المشروع السياحي لمنطقة الحافة – كما كان متفق عليه – وان يوظف في اطار ان تكون هناك مدينة اثرية ببيوتها ومساجدها الفنية والمعمارية ، يمكن استخدامها لإقامة الفعاليات الثقافية والمؤتمرات والندوات والمسابقات الفكرية المتنوعة .

نتمنى ان يعاد النظر فورا في فكر الهدم الجانح نحو التفريط بهذه المنطقة التاريخية بامتياز ، والانتصار للمبدأ الذي يؤطر التنمية في بلادنا ، وهو ” لا افراط ولا تفريط ” ولذلك لدواعي سياحية نفسها ، فلابد من اعمال العقل في الصناعة السياحية الحديثة ، وجعل عدم التفريط بالقديم حاكما الزاميا لها .

ومؤخرا ، زار المناطق القديمة بعض الخبراء والمختصين ، وتفاجأوا ببيوتها ومساجدها الاثرية ، واكدوا على ما أكدته كل المصادر والمراجع على ان وراءها – أي هذه البيوت والمساجد – أسس فكرية وتخطيطية تتناغم مع الظروف البيئة للمنطقة واتجاهاتها الأربع ، حيث يتم مراعاة حرارة الطقس واتجاهات النسيم البحري والرياح الشمالية ، يتضح ذلك من فتحات الأبواب والنوافذ واتجاهها ، ومواقع دورات المياه .. انها ذاكرة الامة ، وهذه الذاكرة امانة ملقاة على عاتق الفرد والجماعة والدولة ، ورغم ذلك لابد من التساؤل التالي : من يحافظ على هذه الذاكرة من حالة التجريد والاغتراب التي جنحت الان بصورة مفاجئة ؟ ومن يؤمن بأهميتها السياحية ، وعنصرية الجذب السياحي فيها ، عليه التحرك فورا لوقف هدم هذه المنطقة التاريخية التي عمرها اكثر من أربعة قرون ، وندعوكم مجددا في التأمل العميق المجرد في نماذج الصور التي اخترناها بعشوائية بحثية ، لكى تنضموا الينا في قضية تجريم الهدم والاعلاء من مبدأ ” لا إفراط ولا تفريط ” والله المستعان .

Your Page Title