أثير- موسى الفرعي
“إنه رجل يملك مفاتيح لكل المشكلات العالقة حين تطلب الأطراف منه ذلك” هكذا أجابتني الصحافية الأمريكية جوديث ميلر حين سألتها منذ أعوام عن انطباعها بعد اللقاء الذي أجرته مع صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم حفظه الله ورعاه.
نعم إنه رجل النور بامتياز إذ لا يعمل إلا تحت ضوء الشمس لكل ما يحقق السلام الشامل والمصلحة العامة، لا سيما ما يتعلق بقضيتنا العربية الإسلامية ” فلسطين “، إلا أن التزويق الإعلامي هو آخر ما يفكر به، فهو يعمل بما يمليه عليه دينه وإنسانيته وكرامة أمته، يرى الحق بواقعية كاملة ووعي شمولي لمجريات الأحداث وموازين القوى، لم ينزل الحق الفلسطيني قيد أنملة وما زال في صف المدافعين عن كرامتهم الدينية والاجتماعية منذ حرب الكرامة التي شاركت فيها عمان في 6 أكتوبر وانتصرت الجيوش العربية حينها وعبرت خط برليف وقناة السويس وعبرت الهزيمة إلى النصر بفضل الله على العدوان الإسرائيلي وحتى آخر شبر يمكن أن يقف عليه الإنسان للدفاع عن هذا الحق، غير “أن من يسمع ليس كمن يرى” هكذا علق معالي يوسف بن علوي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية بعد زيارته للقدس، وها هي الأيام تجيء بالرئيس الفلسطيني محمود عباس وبعده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليحلوا ضيوفا على أرض المحبة والسلام.
منذ لقائي بالصحافية الأمريكية جوديث ميلر بجملتها تلك والأيام تقدم للعالم بأسره صحة ما قالته ، نعم إنه رجل يملك مفاتيح لكل المشكلات العالقة حين يطلب منه الأطراف ذلك، لأن منهجه واضح وصريح وهو عدم التدخل في شؤون الآخرين وعدم السماح للآخرين بالتدخل في شؤوننا، والشواهد كثيرة كإيران وسوريا واليمن، إلا أن المصالح والأهواء الشخصية لدى بعض الأنماط القيادية في المنطقة العربية بشكل خاص والعالم بشكل عام هي ما تخلق مناخا صالحا لتفاقم المشكلات، فهناك من غاياته ومصالحه تبرر وسيلته حتى وإن داس على حقوق الآخرين وآدميتهم وكرامة أمة بأسرها، والإعلام العربي والعالمي يفضح يوما بعد يوم تلك الألاعيب التي تقضى بليل والتي تسقط الأقنعة المتصهينة واحدا تلو الآخر.
إن زيارة الرئيس الفلسطيني ورئيس الوزراء الإسرائيلي لا يمكن أن تتم على أرض السلام إلا بتقديم ضمانات كافية لجلالة القائد حفظه الله بنجاح عملية الدفع بعملية السلام في الشرق الأوسط بين الجانبين دون الانتقاص من القضية والحق الفلسطيني، فهو من الحكمة التي تلجأ إليها كبرى دول العالم وتترك على طاولته أهم الملفات السياسية، ليس حديث الوجود السياسي أو مراهقا أو جابيا، ولا يرجو من أي حراك مصلحة تجرها خيانة ولا طمعا تدفعه سيول دماء، لكنه يقف في صف الإنسان ويحلم بالسلام ويتعامل كما قلنا بواقعية كاملة ووعي شمولي بموازين القوى ونتائج الأشياء، وقد جاءت هذه الزيارة مسبوقة بزيارة معالي يوسف بن علوي للقدس وأعقبها بزيارات تدرس القضية الفلسطينية بشمولية كاملة، وبعد أن توقف الحوار بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لثلاث سنين كان لابد من وجود عاقل ومتزن يمكنه أن ينهي حالة الجمود واليباس، وجود يتمتع بثقة دولية عالية فكانت عمان لما لها من إيمان في قلوب الجميع وثقة بحكمتها ومناصرة السياسة العمانية للقضايا والإشكالات العاجلة وبشكل خاص القضية الفلسطينية باعتبارها مبدأ أساسيا ومعنى وجود، وهو ذات النهج الذي تعتمده عمان في مصر وليبيا والجزائر وتونس واليمن، فلا أجندات خارج النهج العماني الذي اكتسب ثقة العالم به وسعى بالعالم كله إلى مسقط.
إن التطبيع مع إسرائيل مصطلح يطلقه الجاهل على ما لا يعلم، وتتقنه بعض القيادات التي تعمل في الظلام ضد القضية الفلسطينية، أما الموقف العماني فهو مع القضية الفلسطينية ويعمل لأجلها ودعم جلالته يكون لصالحها فلم يسخّر دعما مهما تعددت أشكاله ضد الفلسطينيين على غرار ما يفعله البعض، بل إن الدعم العماني مستمر بجميع أشكاله لفلسطين أرضا وإنسانا وهذا ما أقر به الرئيس السابق ياسر عرفات، والرئيس محمود عباس والقيادات الفلسطينية، ذلك لأن انتصار عُمان للقضية والتدخل لدفع عملية السلام بين الجانبين عمل يقام تحت ضوء الشمس وعلى مرأى ومسمع من الإعلام الدولي، فلم تكن عمان من العابرين لدهاليز الظلام في أي يوم سبق، وما هذه المناصرة إلا تقديرا للوضع الراهن الذي يمر به الفلسطينيون بعد توقف الدعم الأمريكي عبر الجمعيات الأممية وبعض الدول العربية للأسف لدعم الموازنات الفلسطينية، وما تشهده غزة في هذه الأيام.
إن عمان مهيأة دائما لأن تقوم بأي دور يكون من شأنه تحقيق قضية السلام، وتحاول بهذه المناصرة أن تكسر جمود الحوار بين الطرفين.
من بقي من القادة العرب ليُسمع لهم، كم من الإيمان بقي لدى فلسطين بنصرة القادة العرب وقدرتهم على الانتصار للفرد الفلسطيني، إن العالم كله بساسته وإعلامه مأخوذ بقضايا لا ترقى إلى مستوى القضية العربية الكبرى، وفقدت فلسطين حقها حتى من هذا الانتصار اللغوي فقط، ولو كان هذا الحراك كما يشهده العالم لفلسطين لقضي الأمر منذ زمن، فكم من القتلى يسقطون في فلسطين واليمن وغيرها من البلاد، ولكن في ظل هذا السقوط السياسي والانحدار الإعلامي والتجاهل التام للقضية الفلسطينية، يظل الأمل معلقا بهذا القائد الحكيم الذي لم يبق سواه بفضل الله لتعلق عليه الشعوب آمالها، وكما استطاع أن يوقف حالة الصدام بين الإيرانيين والأمريكيين وحقق المستحيل الذي ورد على لسان أحد الأمريكيين حين قال لم أتصور في يوم ما أن أعبر باب قاعة عبر منها الإيرانيون، ولم يعرف العالم حينها باستخباراته كلها أمر الحوار بين إيران وأمريكا أو 5+1 إلا بعد أن قضي الأمر وأصبحت مسقط أرض تحقيق المستحيل، ولكن جلالته اليوم يجمع القضية الفلسطينية وطرفها إسرائيل على طاولة الحوار غير المشروط بين الطرفين، وهذه المرة على مرأى الإعلام كي يقول للعالم كله بأن فلسطين ليست قضية شخصية بل عامة تتعلق بكل فرد على سطح هذا الكوكب فكيف بنا كعرب مسلمين، وأن العاطفة الوقتية حسنة على أن لا تنسينا القضية الكبرى أو تقصيها قليلا من همنا، هكذا علينا أن نقيس الأشياء بعقل متزن تزينه العاطفة وليس بعاطفة مؤقتة يغيب عنها العقل.
فليسقط من يشاء وليطبع مع إسرائيل من شاء فكل إناء بما فيه ينضح، أما عمان بقيادة آخر الحكماء وأنبلهم قابوس بن سعيد ستظل مؤمنة أن فلسطين جزء لا يتجزأ من كرامتها فما يكسر في فلسطين زجاج نافذة إلا وتكسرت معه آدميتنا وعروبتنا، هذا ما تيقنا منه في عمان ولم يعد ذا معنى لدى الكثيرين، وطالما هناك شعب يموت تحت الحصار ودولاب دماء مستمر فكل المحظورات مباحة دون أن يكلف ذلك سقوطنا الإنساني، وطالما هناك ثقة يمكن للنفس البشرية أن تطلقها فقد أسكناها جميعها في شخص هذا القائد الحكيم وإنسانه العالي.