أثير- د.محمد بن حمد العريمي
للعُمانيين علاقة طويلة مع البحر كانت تتقلب بين مشاعر الحب والكره؛ الحب لما كان يمثله البحر لهم من وسيلة للحصول على الخيرات ومصادر العيش والرزق من خلال ما يأخذونه معهم وما يأتون به من بضائع وسلع ومنتوجات، والكره لما كانوا يعانونه من أهوالٍ ومصاعب يكاد يدخل بعض قصصها في دائرة الأساطير والمأثورات الشعبيّة.
وفي زمنٍ لم تكن فيه كثيرٌ من وسائل الملاحة الحديثة قد توافرت؛ استفاد ربابنة البحر من وسائل وأدوات ملاحة عديدة كانت موجودة لدى أممٍ سابقة، وطوروا بعضها كي تعينهم على الإبحار والتنقل بين الموانئ والمحطات المختلفة، ومن بينها الإسطرلاب، وآلة الكمال، والديرة (البوصلة)، والفرجار، والتقاويم، والرحمانيّات، و(الناليّات)، والروزنامات وغيرها، وظهر لدينا في منطقة الخليج ربابنة كثر أسهموا فكريًا في تطوير بعض هذه الأدوات وكان لهم إسهامٌ واضح في علم الملاحة أمثال أحمد بن ماجد، وابن ماطر، وناصر بن علي الخضوري، وجمعة بن مسلم القعدوي، وسعيد بن محمد الغيلاني، وحمدان بن سليم المخيني، وعلي بن مبارك المخيني، وسعيد بن حمد العريمي، وابن قطامي، وعبد الوهاب العسعوسي، وصالح العجيري، وغيرهم الكثير أسهموا بشكلٍ واضح في تطور حركة الملاحة العربية والخليجية.
والروزنامة في أبسط تعريف لها هي التقويم التاريخي للأيام، وكان ربابنة السفن يحتفظون بدفاتر وسجلات يدونون فيها أبرز الأحداث التي تصادفهم منذ خروج السفينة من الميناء في بداية الرحلة، وانتهاءً بعودتهم إليه في نهايتها، مرورًا بالمحطات والموانئ التي يتوقفون بها، وهذا السجل يعرف بالروزنامة البحرية.
وكان هذا السجل يتضمن العديد من المعلومات المهمة المتعلقة بالرحلات المختلفة التي تقوم بها السفينة، بل هو سجل حي للأحداث اليومية، يشتمل على كل ما يحدث على ظهرها أو حولها، كأنواع البضائع والسلع المصدّرة والمستوردة، والتعاملات التجارية مع التجار الآخرين، وحركة الرياح، وخطوط سير الرحلات، والتحديات المختلفة من عواصف وأنواء مناخية، أو موت أو إصابة أحد طاقم السفينة أو الركاب، بل قد يعد مرجعا قانونيا يعود إليه (سنّة البحر) عند الحاجة إلى الفصل في بعض القضايا والخلافات التي تحدث بين طاقم السفينة .
كما تعد الروزنامة مادة علمية دسمة للباحثين؛ لما تتضمنه من مصطلحات عديدة، ولما تحتويه من معلومات يمكن أن تكشف لنا عن الأوضاع الاقتصادية والسياسية للحقب الزمنية التي ظهرت فيها.
· الصورة من إرشيف الباحث الشيخ حمود بن حمد الغيلاني.
· شكر للباحث خالد بن علي المخيني .