مسقط -أثير
يقع حصن قريات المنيع بولاية قريات الواقعة جنوب شرق مدينة مسقط وهي إحدى ولايات محافظة مسقط وأكبرها مساحة، ويعد واحدًا من المباني المعمارية الحربية المهمة لأنه يشكل بتصميمه فنًا معماريا وهندسيا متميزا وشاهدا أثريا وتاريخيا على ثراء التراث المعماري والحربي العُماني، وهو أحد الحصون التي تم إنشاؤها بصفة أساسية لتكون ضمن إطار الأنظمة الدفاعية المستقلة وآليات الحماية القوية ضد الأعداء التي تتجسد في قوة جدرانه معماريا وأسلوب عناصره ممثلة في برجه الحربي وشرافاته ومزاغله وساحته الأمامية، فضلا عن أسلوبه المعماري المميز في جودة تقسيم حجراته الداخلية وساحته وممراته.
ويقع الحصن بمنطقة السوق في ولاية قريات، ويعود تأسيسه إلى عهد السيد “حمد بن سعيد البوسعيدي” عندما كان واليًا على قريات، بحلول القرن الثالث عشر الهجري، التاسع عشر الميلادي، إبان حكم السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي على عُمان، فيما يقع المدخل الرئيسي له بمنتصف الواجهة الشرقية كما يتقدمه مدفعان بالأركان وساحة أمامية كانت تنطلق منها الجنود.
التخطيط المعماري
يتألف التخطيط المعماري لحصن قريات من مساحة مربعة المسقط منتظمة الأضلاع تتراوح مساحته معماريا (25.50متر× 25.50متر) فيما تصل مساحته بالأمتار إلى (650.25مترا مربعا)، يتوسطه صحن أوسط مكشوف تصل أبعاده (20.10متر طولا×7.65متر عرضا) لتصل مساحته الكلية إلى (153.76مترا مربعا).
قسم المبنى داخليا إلى قسمين يفصل بينهما الفناء الأوسط، يقع القسم الأول بالجهة الشمالية الشرقية وهو القسم الخاص بالاستقبال والاستشارة، والذي يتألف معماريا من حجرة للاستقبال (البرزة) تقابلها حجرة صغيرة جنوبا، يلي ذلك غربا فناء صغير أبعاده ( 5.75م×3.20م) تفتح عليه حجرتان الأولى شمال الفناء والأخرى جنوبا، فيما يلي ذلك جنوبا ضمن هذا القسم فناء آخر صغير تتوسطه بئر وتفتح عليه حجرة تحفيظ القرآن، فيما يتألف القسم الثاني الواقع بالجهة الجنوبية الغربية وهو القسم الخاص بالحياة المعيشية، من خمس غرف احتوت على غرف للنوم ومجلس للنساء والأطفال ومخزن للتمور وأخرى لإعداد الطعام.
الاستراتيجية المعمارية للمبنى
يمتاز حصن قريات “كونه عمارة دفاعية ذات طابع مدني” بالعديد من السمات الفنية والمعمارية التي جعلت منه مصدرا حيويا معبرا عن جودة الذوق المعماري العُماني في هذا النوع من الأبنية، فقد تم تقسيم المبنى داخليا إلى قسمين اثنين، امتاز القسم الأول الذي سُمي “بقسم الاستقبال” والذي احتوى على أربع حجرات وفناء صغير، استعملت هذه الحجرات لشؤون استقبال الشكاوى من العامة والاجتماع بأهل الحل والعقد، فاستعملت الحجرة الأولى ” البرزة ” للاستقبال، تليها جنوبا الحجرة الثانية التي تعد مكملة لها في استقبال الناس، يلي ذلك جهة الغرب حجرتان يفتحان على فناء أوسط صغير، الأولى شمالا خاصة بالوالي، والثانية جنوبا الحجرة الخاصة للتشاور في المسائل التي ترد، وحتى يتم ذلك اختيرت هاتان الحجرتان لتكونا بعيدًا عن جو ” البرزة ” المملوء بالعامة من الناس.
وللفصل ما بين قسم الاستقبال والمرفقات الداخلية الخاصة بوحدات الإعاشة فقد شرع المعماري في الفصل بين القسمين عن طريق الفناء الأوسط الكبير، الذي يُعد بمثابة ساحة داخلية ساعد بشكل حيوي على سهولة الحركة والمرور إلى جميع مرفق الحصن، هذا إلى جانب تلطيف درجة الحرارة عن طريق مرور الهواء الطلق من خلاله والخروج من النوافذ أو الكوات العلوية التي تتصدر الجدران الخلفية لكافة الغرف والمرفقات.
فيما اصطفت جميع المرفقات الأخرى للمبنى في كلتا الجهتين الغربية والجنوبية، ابتداءً من غرفة ” مجلس النساء” أقصى الشمال الغربي لتكون مرفقا حيويا لاستقبال النساء حيث تدخل النساء إلى هذا المجلس عن طريق فتحة مدخل بالفناء الكبير الأوسط بالجدار الشمالي منه حتى تكون بمأمن بعيدة عن مجلس الرجال أقصى الشرق ممثلة في وحدات الاستقبال، كما اصطفت الحجرات الباقية إلى جوار مجلس النساء بامتداد الجهة الغربية ناحية الجنوب والتي تألفت (من غرف للنوم، والأطفال، ومخزن للتمور، وتحفيظ القرآن، وأخرى لإعداد الطعام)، ولإمداد الحصن بالمياه فقد شكلت البئر المصدر الرئيسي لذلك والتي تتوسط الفناء الصغير الثاني أقصى الجنوب الشرقي من المبنى.
كما اشتمل الحصن على كافة المرفقات المدنية اللازمة للحياة المعيشية، فقد تم تأمين الحصن دفاعيا ممثلا في اتخاذ البرج الجنوبي الشرقي قاعدة أساسية لصد أي هجوم متوقع فقد احتوى الطابق الثاني من البرج على مجموعة من فتحات إطلاق النيران، كما تم تأمين المدخل عن طريق سقاطة لرمي المواد الكاوية أعلى فتحة المدخل بالواجهة الشرقية، فيما احتوى المبنى في الجزء العلوي عبر السياج الحجري المحيط بالجهات الأربع من الحصن، على عدد كبير من المزاغل الحربية للرمي والقنص، ويتضح ذلك جليا في احتواء المبنى على مدافع حديدية تتقدم كتلة المدخل بالجهة الشرقية، حيث تعد هذه الجهة من أكثر جهات الحصن تعرضا للأخطار.
وبذلك تحققت النظرية الدفاعية في مبنى الحصن ممثلا في البرج الجنوبي الشرقي، والمزاغل، والسقاطة، والشرفات الحربية، والأبواب الخشبية السميكة، والمدافع الحديدية، فضلا عن بناء المبنى بكتل حجرية ساعدت على تقوية الجدران، إلى جانب اتسامه بالطابع المدني ممثلا في جميع المرفقات الحيوية المعيشية، وبذلك حققت هذه الأبنية الدفاعية بجانب توفيرها للحماية دورا حيويا في التكيف والتميز مع متطلبات الحياة المعيشة لكونها تمثل مرتكزا حيويا لشؤون الحكم والإدارة ومتطلبات الحياة المدنية.
مكونات المبنى
المدخل: يقع المدخل الرئيسي للحصن بمنتصف الواجهة الشرقية، ويتألف معماريًا من فتحة تصل أبعادها إلى (1.63متر عرضا × 2.44متر ارتفاعا) يغلق عليها مصراعان من الأبواب مصنوعان من خشب الساج أبعادهما متساوية يصل قياس المصرع الواحد إلى (80. سم × 2.10 متر) تعلوه وزرة خشبية زخرفية، يعلو ذلك عقد مدبب يرتكز على جانبي جدران الواجهة.
حجرة الاستقبال:
تتألف معماريا من مساحة مستطيلة القطاع تصل أبعادها إلى (7.65متر×3.15متر) فيما يصل ارتفاع جدران الحجرة إلى ما يقارب الخمسة أمتا، وترتفع أرضية هذه الحجرة عن مستوى الردهة والحجرة المقابلة لها بمقدر(35.سم) ويتخلل الجدران ثمانية تجويفات حائطية (روزان) تحتوي خمس منها على فتحات نوافذ والثلاثة الأخرى مغلقة، وزعت بمعدل ثلاثة بالجدار الشرقي فتح بها ثلاث فتحات للنوافذ أبعادهما متساوية ( 1.10 متر× 75,سم) يغلق عليها دلفتان من الخشب أبعادهما متساوية يصل قياس الدلفة الواحدة (35.سم×95.سم).
الفناء الأوسط الكبير
يتوسط الحصن الفناء الأوسط المكشوف، الذي يفصل بين القسم الشمالي الشرقي (الاستقبال) وبين القسم الجنوبي الغربي الممثل في الوحدات الداخلية وغرف الإعاشة، ويشكل الفناء الأوسط ركيزة مهمة ضمن خصوصيات التخطيط المعماري لحصن قريات، لكونه يتولّى العديد من الوظائف الحيوية، فتكمن أولى وظائفه في تسهيل حركة المرور الداخلية من القسم الشمالي الشرقي إلى القسم الجنوبي الغربي الخاص بوحدات الإعاشة وجميع المرافق الحيوية ومكونات الحصن داخليا، كما يعمل على سهولة مرور التيارات الهوائية والضوء والإنارة إلى جميع الغرف والملحقات وخروجها من النوافذ وفتحات الإضاءة التي تعلو جدران الغرف وجميع الملحقات التي تطل على هذا الفناء، ويتألف تخطيطه من مساحة معمارية مستطيلة الشكل تصل أبعادها إلى (20.10متر طولا ×7.65متر عرضا) لتصل مساحته الكلية إلى (153.76مترا مربعا) فيما يصل ارتفاع جدران الفناء من مستوى أرضيته المبطنة بطبقة من الحجارة إلى أسفل مستوى السياج الخشبي المحيط به من الأعلى حوالي ( 4.90 متر ارتفاعا) يعلوه سياج خشبي يصل ارتفاعه لـ (90.سم) يحيط به من الجهات الثلاث الشرقية والغربية والجنوبية.
القسم الجنوبي الغربي (قسم الإعاشة)
ويتألف التخطيط المعماري للقطاع الجنوبي الغربي الخاص بوحدات الإعاشة الداخلية للمبنى من شكل حرف (L)، ويطل القطاع الجنوبي بحجرتين، تفتح الحجرة الأولى الشمالية على الفناء الأوسط بفتحة باب وهي حجرة إعداد الطعام، تليها غربا الحجرة الثانية والمطلة على السقيفة خمسية العقود بفتحة مدخل وهي المسماة بمخزن التمور.
فيما يتألف الضلع الغربي من ثلاث حجرات مختلفة المساحة هي (حجرة الأطفال، وحجرة النوم الرئيسية، وحجرة مجلس النساء) وتطل هذه الغرف جميعا على السقيفة بمداخل أبواب والتي تشرف بدورها على الفناء الأوسط بخمسة عقود مدببة ترتكز على دعامات مستطيلة القطاع.
العناصر الدفاعية بحصن قريات (برج الحصن)
يشكل البرج الدفاعي الواقع بالجنوب الشرقي من حصن قريات عنصرا دفاعيا مهمًا ، لكونه يتولى عملية الإشراف والدفاع على جهتين يمثلان أهمية كبيرة بالنسبة لموقع الحصن، فمن خلال موقعه المميز يشرف على الجهة الرئيسية الشرقية والساحة الأمامية ومنصتي المدافع، فضلا عن المحافظة على الجهة الجنوبية والساحة الخاصة بها الواقعة أسفل البرج.
ويتألف التخطيط المعماري للبرج من مساحة دائرية الشكل يصل ارتفاعها (10 أمتار) فيما يصل محيطه الخارجي إلى (19.35 مترا)، يتألف من طابقين معماريين الأول مصمت والثاني به فتحات إطلاق النيران، تعلوه ساحة دائرية الشكل مكشوفة يصل ارتفاعها إلى (2.70 متر) تتخلله فتحات المزاغل وتعلوه الشرافات
الشرافات الحربية
تمتاز الشرافات الحربية بحصن قريات بهيئتها العلوية هرمية الشكل، التي أعطت للحصن منظرا جماليا وزخرفيا ظهرت جليا على السياج الحجري الذي يعلو الواجهات الأربع والسطح العلوي للبرج، وقد أكسبت الحصن طابع القوة والصلابة من حيث شكله الدفاعي الخارجي، وتتألف الشرافات من كتلة حجرية مربعة الشكل تصل أبعادها ( 25,سم × 25,سم) يعلوها هيئة مثلثة الشكل يصل ارتفاعها إلى (5,سم) ليكون الشكل العام للشرافات يتألف من هيئة هرمية يصل ارتفاعها لـ (30,سم) وعرضها (25,سم) المسافة بينهم (20,سم) وجدت الشرافات مصطفة فوق السياج الحجري المحيط بالواجهات الأربعة للحصن، كما وجدت بالسياج الدائري العلوي للبرج الجنوبي الشرقي
السقاطات
توجد السقاطات بأغلب الحصون والقلاع العُمانية أعلى فتحة المدخل مباشرة، وذلك لحماية المدخل من أي عملية، حيث كانت ترمي مواد كاوية على من يقترب من المدخل، وتوجد السقاطات في حصن قريات ممثلة في فتحة مستطيلة تعلو المدخل خلف العقد العلوي مباشرة، كانت تصب منها المواد الكاوية، على من يقترب من المدخل، وذلك عن طريق هذه الفتحة المتصلة بسطح الحصن من الأعلى.
مادة البناء
بني الحصن بواسطة قطع حجرية صغيرة الحجم اقتطعت من الصخور، فضلا عن استخدم الجص والصاروج العُماني في عملية البناء، فيما تمتاز جدرانه بسمكها وذلك تفاديا للقطع الصغيرة التي هي أقل في الثبات من الكتل الكبيرة الحجم، كما استخدم في سقفه أخشاب النخيل والساج والكندل وطبقة من الحصير المصنوع من سعف النخيل.