فضاءات

د. سالم بن سلمان الشكيلي : أَزمةُ مَبادئ إنسانية تطل على العالمِ

د. سالم بن سلمان الشكيلي : أَزمةُ مَبادئ إنسانية تطل على العالمِ
د. سالم بن سلمان الشكيلي : أَزمةُ مَبادئ إنسانية تطل على العالمِ د. سالم بن سلمان الشكيلي : أَزمةُ مَبادئ إنسانية تطل على العالمِ

أثير- د. سالم بن سلمان الشكيلي

يَتأذى سقراط، وأفلاطون، ومونتسكيو، وجون لوك، وروسو، وهوريو، وفيدل، بل تتأذى الإنسانيةُ كُلها مما يحدثُ، وسيحدثُ لمبادئ وقيم، نظّرَ ودافع عنها أولئك المفكرون العِظام، وضحّت الشعوب مِنْ أَجلِها، واكتظت السجونُ والمعتقلات بالمنادين بها. وقبل هذا وذاك فإنّ الأديان السماوية كلها وخاصة الدين الإسلامي، سبق هؤلاء كلهم في تقرير هذه المبادئ السامية.

مبادئ استقرت في الضمير الإنساني عبر حقب تاريخية طويلة، وبعد معارك فكريّة عميقة، ومساجلاتٍ نظريّةٍ شهيرة، حتى ترسخت تلك المبادئ، وآمن بها الحكام، وأصحاب السلطة قبل الشعوب، فاحتُرمت وقُدست، فهي تمس الإنسان في حقوقه، وحرياته كافة، سواءً بصفة مباشرة أو غير مباشرة.

مبادئ ستنتصر في نهاية المطاف، وإن انتهكت في بعض الدول العربية، وغير العربية في بعض الأحيان، الشورى أو الديمقراطية… الانتخابات … مبدأ الفصل بين السلطات… مبدأ سيادة الدول … حقوق الإنسان… سمو الدستور … جمود الدستور … وغيرها من المبادئ الأخرى.

الديمقراطية تعيش أزمة حقيقية، ففي الدول الغربية، وأمريكا تكمن أزمة الديمقراطية في عدم المساواةِ بين الأفرادِ، وسيطرة أصحابُ الثروةِ ورؤوسِ الأموالِ، وغياب العدالة الاجتماعية، وظهور نظام العولمة بشكل عام، أما في العالم العربي خصوصًا والعالم الثالث عمومًا، فأزمة الديمقراطية أعمق وأصعب، منها سيطرة الحزب الواحـد، وعـدم تداول السلطـة، بل عـدم إيمـان النُخبـةِ السياسيةِ بالديمقراطية من أصلها ما داموا هم قابضين على السلطة، هذا إلى جانب انعدام المساواةِ، وغياب العدالةِ الاجتماعية، وما يترتب عليهما.

الانتخابات في بعض الدول، لا تعبّر عن إرادة الشعوب الحقيقية، وإنما تُعبّر عن السياسيين وأصحاب النفوذ، والسلطة ورؤوس الأموال، ناهيك عن التزوير والتلاعب في الانتخابات بشكل فاضح ومكشوف، ففي بعض الدول قام الموتى من قبورهم وذهبوا إلى التصويت حسب التوجيه الصادر لهم، فلما انتهوا من أداء الواجب عادوا إلى قبورهم، أضف إلى هذا العديد من طرق التزوير والتلاعب الأخرى.

مبدأ الفصل بين السلطات هو الآخر، يعاني من أزمة مستعصية على الحل، لم يعد مبدأ المساواة بين السلطات قائمًا، غاب دور البرلمانات كما كان يجب، وهيمنة السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية، فغاب العدل واختل ميزان الحياة ، فلا رقيب ولا حسيب، لا على هذه، ولا على تلك. ولعلّ أوضح أزمة في الوقت الحاضر، أزمة سيادة الدول، إذ انتهكت هذه السيادة من دول كبرى وصغرى ، فتحكمت هذه الدول في الدول المغلوب على أمرها بالمال والنفوذ والسلاح، فيطيحون بنظام حكم هنا، ويثبتون نظامًا آخر، يتحكمون في اقتصاد تلك الدول؛ فيقيمون مشروعًا ما ويعطلون مشروعًا لا يأتي على هواهم ولا يخدم مصالحهم شخصيًا، وعلى الرغم أني رجل قانون لا يُفترض أن أقول هذا الذي سأقوله ولكن سأقوله عن قناعة وهي أني كفرت بهذا المبدأ بعد الذي شهدناه في الفترة الأخيرة من انتهاك صارخ ومفضوح في سيادة العديد من الدول.
حقوق الإنسان وما أدراك ما حقوق الإنسان، التي باتت في خطرٍ شديدٍ، حياته منتهكة، حريته مسلوبة، كلمته ممنوعة، رأيه مصادر، هاتفه مخترق، يحذر من صديقه قبل عدوه، يتهيأ له من ظله أنّ أحدًا خلفه يراقبه، أما إذا كان نصيبه أحد المعتقلات المشهورة بالأسماء المشبوهة بالتعذيب، فلعل يوسف عليه السلام عندما كان في غياهب الجب أوفر حظًا من هؤلاء، الذين ينتظرون مصيرًا غير معلوم، إما موتًا وإما فرجًا من عند الله القدير.


سمو الدستور يعني علوه على ما عداه من قواعد قانونية أخرى، سمو الدستور يعني احترام الكافة له حكامًا ومحكومين له، والالتزام بأحكامه، وعدم مخالفة أو تعطيل أي نص من نصوصه، فهل باتت الدساتير اليوم كذلك، أترك الإجابة في هذا الشق للقارئ الكريم.

جمود الدستور هو الآخر يعني صعوبة، وشدة، واختلاف إجراءات تعديله عن إجراءات تعديل القوانين العادية، مسكين هو الدستور، ومسكين جمود الدستور، فلا جمود ولا يحزنون، دستور يُعدّل في دولة ما في عشرين دقيقة في مسرحية هزلية، يحضرها خياط ليفصل التعديل حسب المقاس المطلوب، ودستور آخر يحظر التعديل في بعض نصوصه، ولم يجف بعد حبر المداد الذي كتب به، فيضرب بمواد الحظر عرض الحائط، فيعزمون على خرق الدستور شاء من شاء، وأبى من أبى، ونتيجة الاستفتاء مضمونة.

وهنا تفرض الأسئلة نفسها، هل العالم كله مقبل على عودة الطبقية القائمة على الثروة ورؤوس الأموال؟ هل العالم مقبل على الاستبداد السياسي وقمع كل مخالف؟ هل سقطت المبادئ كلها وتهاوت مع الطوفان القادم من بعيد؟
لا إجابات واضحة ومحسومة، لكنني أظن أنّ المرحلة الحالية ستطول، في ظل انهزام وتراجع تلك المبادئ التي استقرت في ضمير الإنسانية، بعد كفاح طويل ومرير، وإذا كان هناك من يرى في بعض المنظمات التي تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان وحرياته، فهذه المنظمات تُسِيّرها السياسة وتُسيطر عليها رؤوس الأموال فمن يدفع أكثر فهو في مأمن أكثر، والله يلطف بعباده.


Your Page Title