ستيفن هوكينج
الخارق الأسطوري ..رمز في زمن الخنوع
محمد الهادي الجزيري
العزيمة الفولاذية وجهة وواجهة هذا النصّ، الغاية من كتابته انتشال كلّ مريض وطريح الفراش من كبوته والنهوض به نحو الحياة، نعم إنّ الناظر في الدنيا بشكل عميق يتبين له أنّ لنكبته حلول في حين أنّ معظم الأمراض الأخرى خطيرة ..ولا شفاء منها ..إلاّ من أراد له الله الشفاء ممّا ألمّ به، فالسعيد من يحمد الله على كلّ شيء ..ويهنأ بالعيش حتّى آخر نفس….
لعلّه أهمّ فيلم شاهدته في حياتي وعلّمني كيف يكون الإنسان واقفا ضدّ كلّ ما يعترضه من أمراض ومصائب ومحن ..إنّه فيلم الأسطورة ستيفن هوكينج الذي رأى كلّ المحيطين به أنّه لن يحيا طويلا بسبب المرض الذي ألمّ به ، لكنّه عاش طيلة 76 سنة.. وكان أن لفظ نفسه الأخير في 14 مارس 2018 ، ونال الدكتوراه وغيرها من الشهائد والتكريمات وفعل ما لم يفعله الأسوياء العاطلين عن الحياة.
أمّا الداء فتمّ تشخيصه بمرض انتكاسي ، وكان قد شبّ في جسده اليافع فلم يعد يجيد النطق والمشي ..وكانت حالته سيئة..لكنه قاوم الألم ونظرة المجتمع إليه ..، وتفوّق في دراسته بفضل آنسة ( صارت زوجته )ونخبة من الخيرين ممّن آمنوا به وبموهبته الفذّة…فقد صار من أفضل المشاهير والعلماء وتحصّل على درجة باحث عالمي ورائد في الفيزياء وأمست كتبه تُباع بشكل غريب ومذهل ..وتُعدّ الأكثر مبيعا في العالم …
ولكن لنبدأ من أوّل كما يقال ونكتشف مسيرة هذا الرمز الذي تحدّى مرضه وقال : لا للاستسلام والخنوع ..، فبفضل إصراره انتخب في الجمعية الملكية ـ الأكاديمية العلمية الرئيسية في بريطانيا وهو في سنّ 32 وهي استثنائية بالنسبة له، وكان قد ركّز على المفاهيم الرياضية الجديدة التي طوّرها الفيزيائي أينشتاين بالرغم العجز الذي يدبّ فيه ..، فقد بدا للعالم ضعيفا ومتعبا إلى درجة أن جميع المحيطين به اعتقدوا أنّه من المستحيل الوصول إلى أفضل درجة علمية ..، ولكنّه أنجز كلّ أفكاره بمعية زوجته الفاضلة ..التي من ضمن ” معجزاتها ” أنها أنجبت له ثلاثة أطفال ..وكانت تعني بهم وبه ..فهو عاجز عن الحركة ولا يقوى سوى على الابتسام ..كما استعان في فصل من حياته بشاب يعمل في كنيسة الحي ..على القيام بأفعال أمست صعبة عليه ..وكان قد اشترى كرسيا متحركا وناضل من أجل أن يقتني حاسوبا ذكيا يسمح له بالكلام الآلي ..، إذ أنّه في عام 1987 أصيب بالتهاب رئويّ منعه حين شفي من المرض من صلاحية الكلام ..فكان ما ذكرناه له ولزوجته التفكير في جهاز يسمح له بالكلام الآلي ..فبفضله استطاع أن يعبّر عن نفسه وأن يكتب الكتب التي غزت العالم وبوّأته المكانة التي يستحقّها ……
لقد قضّى قرابة العشر سنوات دون أن يتمكن من الكتابة ، وحين استخدم لوحة المفاتيح استطاع الكلام وإن كان آليا، فلكي يتواصل مع زوجته والآخرين كانت الوسيلة الاستثنائية تكمن في توجيه عينه ( إذ أنّه عاجز عن الحركة ) نحو إحدى حروف الأبجدية على لوحة أمامه ..ويجمع الكلمة حرفا فحرفا إلى أن يكوّن جملة ..لا شكّ أنّ هذا العمل شاقّ ومدمّر للأعصاب لكن من كان مثل ستيفن هوكينج يعرف ما يريد وقدره أن يؤمن بذاته ..، والحقيقة أنّ التكنولوجيا أنصفته فقد كان يحرّك يدا واحدة وساعده الحاسوب على تفسير وتوضيح خطابه….
حقيقة حرصت على سرد حياة هذا الرجل..لنتعلّم منه قدر ما نستطيعه ..وكما قال المتنبي جدّنا العظيم في قولته الشهيرة:
” وإذا كانت النفوس كبارا ــ تعبت في مرادها الأجسام “