فضاءات

د.سالم بن سلمان الشكيليّ يكتب: إنها مسقط وليس سواها يا مَن خُدِعت بلندن

د.سالم بن سلمان الشكيليّ يكتب:  إنها مسقط وليس سواها يا مَن خُدِعت بلندن
د.سالم بن سلمان الشكيليّ يكتب: إنها مسقط وليس سواها يا مَن خُدِعت بلندن د.سالم بن سلمان الشكيليّ يكتب: إنها مسقط وليس سواها يا مَن خُدِعت بلندن

أثير- د.سالم بن سلمان الشكيليّ

نعم إنها مسقط تلك العاصمة القابعة بين الجبل والبحر، سداب والبستان في أقصى شرقها ومعهما مسجد الخور بجانب قصر العلم العامر الزاهي بهندسته المعمارية الفريدة يروي في صمت الشيوخ الكبار قائلًا: هنا الحضارة والتاريخ هنا المجد والشموخ، تناظرها قلعتا الجلالي والميراني لتطمئنها أن كل شيء يسير بانتظام وحسن، وفي الغرب منها تقع منطقة روي عصب المال والاقتصاد، تليها منطقة الوطيّة و سيح المالح بما تمثله من عراقة في التاريخ الوجودي للكائن البشري، على هذه البقعة من وطننا الحبيب عمان، ثم بعد ذلك القرم والخوير والغبرة والعذيبة وهي كلها معالم وطنية بارزة، لتتلاقى مع ولاية السيب التي تحمل بين كفيها مفتاح التاريخ العماني في لحظات عديدة من حلقاته، فيما تصحو وتنام اليوم وكأنها ملتقى أو تجمع لأطياف الشعب العماني من كل محافظات السلطنة .

مسقط ببياضها وزرقة بحرها، وحيوية نهارها وأمان وهدأة ليلها، بعظمة تاريخها، وعزة أمجادها وشعلة نشاط قاطنيها، أحب إليّ وأعز وأكرم آلاف المرات، يا من تزعم أنك تنادي وتدافع عن الحرية، من لندن وباريس وبرلين وكل بقاع العالم، حتى على فرض أنّ مسقط جفتك كما تزعم لسبب أو لآخر – وهي يقينًا لم ولن تفعل ذلك – ستظل مسقط وأخواتها من ولايات السلطنة الأخرى في القلب والروح والعقل، ولن تأخذ مكانها أي عاصمة أو مدينة من مدن العالم، ولا يُشرّفني التباهي كما فعلت أنت بوجودك في لندن حتى أنّ الكرسي الذي كنت تجلس عليه أثناء المقابلة كاد يلفظك من عليه، تبرمًا منك ومن نشوتك وفرحتك التي كانت أقل ما توصف بأنها مصطنعة، ومع كل الذي قلته بشأن بلدك أيها الأخ فإنّ عمان وأي ولاية من ولاياتها الواحدة والستين لن تسمح أن تُعكّر صفو أحد من مواطنيها حتى وإن كان جاحدًا وعاقًا لها مثلك كما كنت تتفاخر بعقوقها من خلال حديثك .

ظهر في إحدى القنوات الفضائية من التي تدّعي مساندة الحرية، وهي ليست إلا بوقًا لإثارة الفتن يدفع إليها من استهوتهم الغوغائية لتعم حالة عدم الاستقرار، والتلهّي بفبركات إعلاميّة صبيانيّة صاخبة بالصوت العالي والموسيقى النشاز على الأسماع، في حين يظل تأثيرها لا يُبارح غرفة الاستوديو. عرّفت مقدمة البرنامج وكما عرّف هو كذلك بنفسه أنه معارض عماني يدافع عن الحرية في بلاده، ونستبق الحديث أولًا وثانيًا وأخيرًا بأنه لا مصادرة لرأي ولا نضن على أحد بالاختلاف معنا، فمن لا يؤمن بالاختلاف وبحرية الرأي يكن قد تحجّر عقله واستبدّ برأيه، و ضاعت بصيرته وتاهت حكمته، ولكن لا بدّ أن يبقى هذا الاختلاف وحرية الرأي تحت مظلة السماء العمانية و العلم العماني الشاهدة ألوانه وشعاره على عظمة الأمة العمانية واستيعابها لكل الأطياف والمكونات الوطنية، فسلْ سيوح الطيبات والرحمات والمسرات والشامخات تنبئك باليقين.

لقد بدا على الأخ التناقض الفج في حديثه، وأضرب مثالًا على ذلك، في وصفه للشعب العماني بخصوصية تامة في كل شيء حتى في تركيبة وطبيعة نظامه السياسي، إذ ذكر أن العمانيين لا ينظرون إلى الحكومة على أنها حكومة، وإنما مجرد فريق يُسيّر شؤون الحكم وهو قول له دلالات أكثر ديمقراطية في الفقه السياسي والدستوري، فعلى حد وصفه فإنّ الشعب هو الصاحب الفعلي للسلطة الذي يملك كل شيء، ولا أدري ما إذا كان محدثنا يُدرك ما يقول حقًا ويفقه معناه سياسيًا، وأظنه أراد أن يعكس حقيقة طلوع الشمس من الشرق، لكنه ذهب من حيث لا يدري إلى التأكيد بأن لا مطلع للشمس إلا من الشرق.

قال إنّ الحريّة هي التي دفعته لاختيار لندن، فعلى حد زعمه أنّ الحريّة في وطنه مسلوبة، أمّا هناك حيث يُقيم الآن فالحرية متاحة ومكفولة للجميع بما لا يوجد في أي عاصمة أخرى، مسكين أنت أيها الفاضل فقد خُدعت بالشعارات والمزهريّات البرّاقة التي ما تلبث أن تنكسر عند أول لفحة هواء. مسكين أنت حيث لا تعلم وغيرك إنما أبقتكم التي تزعم دواءها ليوم سوف تستخدمكم فيه ورقة مساومة فإن نالت ما تريد باعتكم بأرخص الأثمان.

مسكين هذا الذي خُدع بلندن، أيَظن أنها ستتركه هكذا!، لا والله أنها ستحبس عليه أنفاسه من حيث لا يدري، فمثل هذه العواصم لا تترك من أدخلتهم في محابسها يسرحون ويمرحون دون حسيب ولا رقيب، بل سترصد حركاتهم وسكناتهم، وستتبادل عواصم أوروبا كلها ملفاتهم والمعلومات المجمّعة عنهم، كما يتبادل البائع والمشتري السلعة والثمن، لا يهمّهما فلان أو علان فالمصلحة أولى وأبقى بالنسبة لها.

إنّ حرية الرأي والتعبير عنه، لا تكون كما فهمها الأخ، بإثارة الفتنة والتحريض على الفوضى وعلى شق الصف، وحرية الرأي والتعبير عنه، لا يكون بتقويض دعائم الأمن والاستقرار، حرية الرأي والتعبير عنه، لا يكون بسب وشتم وتجريح قومك وأبناء جلدتك. نعم حرية الرأي والتعبير عنه يكون بطرح الأفكار والآراء المجردة وبموضوعية تامة ودون صراخ أو صوت عالٍ، حتى تسمعك الأطراف الأخرى.

لن يكون الحديث هنا عن وسائل الإعلام الرسمية فهذه من المعلوم ولاؤها للسلطة في كل بلدان العالم، ولكن الحديث يكون عن وسائل الإعلام الخاصة وهي كثيرة في الوقت الحاضر وفيها كتّاب كثر يكتبون وفق قناعاتهم وليس بإملاء من أحد، ومن يقول بعكس هذا عليه إقامة الحجة والدليل، وبحسب معرفتي فانّ مقالات عدة ناقشت قضايا وطنية عليها خلاف سواءً في السياسة أو الاقتصاد أو في التعليم أو في الصحة، وكان لأصحابها آراء جريئة على خلاف توجهات الحكومة، والرحبي والعريمي والمعمري والحمداني والعلوي والمطاعني وبا حجاج وكاتب هذا المقال وغيرهم، سيظلون شهودًا على حرية الحرف والكلمة.

‏أعود لأقول بأنّ حرية الرأي ليست حرية مطلقة وإنما يجب أن تقف عند حدها إذا اصطدمت بحريات الآخرين، وهي ليست حرية القدح والذم واللمز والغمز والتجريح، إنها حرية محكومة بالقانون والدين والأخلاق ، ومن قال بخلاف هذا فكأنه يريد أن يستبيح أعراض الناس وكراماتهم وهذا ما لا يمكن أن يقبله رجل حر، فالخصوصية العمانية التي اعترفت بها لا تقبل مثل هذا النوع من الحرية المفرطة الزائفة، وإذا أردت التأكد من هذا القول الذي ربما يبدو غريبا في ظاهره، عليك فرز المجتمع وسترى بأم عينيك وجود شريحة كبيرة منه ترفض بالمطلق الإفراط في التعاطي مع هذا النوع من الحرية، ولا تستغرب إن وجدت من يطالب الدولة بالتدخل لكبح جماح الحصان المنفلت عن عقاله. ‏

شخصيًا لست مع لجم الحريات تحت أي ذرائع أو مبررات ما دامت في المعقول الذي لا يشق الصف الوطني، ولا يدعو إلى فرقة أو فتنة أو شقاق أو ينادي إلى الهمجية والاعتداء على الحرمات والممتلكات العامة، فيختلط الحابل بالنابل، وتضيع هيبة الدولة، ويفقد المجتمع نعمة الأمن والأمان والاستقرار.

عمان أيها الأخ لا تستحق منكم ما تفعلونه اتجاهها، فقد كانت لكم أرضًا تمشون وتمرحون عليها، وسماءً وظلًا تستظلون بها، وحنانًا كحنان الأم لرضيعها، ودفئًا في البرد وجنة في الحر، فبعتم الذهب بالرخيص، واشتريتم المعدن بالغالي، فماذا تركتم لغيركم من ثقافة وأدب وحكمة ومعرفة!، لطالما زعمتم أنكم مسكتم بتلابيبها، ماذا ستقولون للأجيال القادمة إذا هي حاكمت أفعالكم وبيعكم لوطنكم.

اسمحوا لي أيّها الأخوة أن أقول لكم وأنتم العارفون، بأنّ الوطن لا يُختزل في شخصية أو فرد أو مسؤول اختلفنا معه او اختلف معنا في موضوع معين، وكاتب هذا المقال وقع مع أحدهم حينما جنّ جنونه وفقد عقله ومات ضميره فاتخذ مني موقف العدو اللدود، وحاربني أينما اتجهت ، ومع ذلك قلت لنفسي بأنّ عبدالله هذا ليست عمان الوطن وإنما فرد واحد، لا يستحق مني غير نظرة احتقار وازدراء لموقفه وفعله، أما الوطن أكبر وأعظم من كل شخص أو مسؤول، فلا يُعوّض ببديل عنه حتى ولو أتيتم بالعشرات من العواصم أو البلدان، راجعوا أنفسكم وقناعاتكم وحكّموا العقل والمنطق، وانظروا إلى عمان بعين المحب وليس بسواها، لا تغدروا بها ولا تطعنوها في خاصرتها، ولا تعينوا المتربص والحاقد لها، وستظل عمان أمًا وأبًا ووطنًا للجميع، وستجدون عمان الأم التي تستقبل وليدها الغائب عنها ؛ تستقبلكم بشوق وحنان وفرحة ، وأنا على يقين بأن هؤلاء النّفر من قومنا سيعودون إلى رشدهم، كما عاد غيرهم من قبلهم .

وختامًا فإنني أتوجه إلى كل عماني وعمانية ومقيم ومقيمة على أرض المحبة والسلام، وإلى كل المسلمين في رحاب المعمورة بالتهنئة الخالصة بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك، سائلاً الله عزّ وجلّ أن يتقبل صيام الجميع وأن يجزيكم خير الجزاء على صالحات أعمالكم ويعيد هذه المناسبة عليكم بالصحة والعافية وكل عام والجميع بخير.

Your Page Title