أثير- مكتب صلالة
إعداد: إيمان بنت الصافي الحريبي
يقول الباحث في التاريخ سعيد بن خالد بن أحمد العمري بأن “مقبرة الرباط” تضم مجموعة كبيرة من الشواهد التاريخية التي أثارت اهتمام المهتمين والباحثين في تاريخ ظفار لبحث ودراسة هذه الشواهد ومقارنتها بما ورد ذكره في المصادر التاريخية، وتعود بعض أعمال المسح والتوثيق لمضامين هذه الشواهد إلى فترة الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم.
وأضاف العمري بأن عددًا من المستشرقين والرحالة الأجانب اهتموا بدراسة الشواهد في مقبرة الرباط ومن هؤلاء صموئيل مايلز وهنري جون كارتر في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي وعالم الآثار الأمريكي وندل فيليبس سنة 1952م. ومع فجر النهضة المباركة، أولت الحكومة الرشيدة اهتماما بهذا الموقع من خلال الدراسات التي قامت بها وزارة التراث القومي والثقافة آنذاك للمواقع الأثرية في ظفار، ففي سنة 1977م قامت بعثة باولو إم كوستا بدراسة موقعي البليد والرباط، كما قامت ندوة الدراسات العمانية عام 1980م بدراسة تمهيدية عن النقوش الإسلامية في مقابر صلالة ومرباط.
وقام الأستاذ أحمد بن محاد المعشني بعملية مسح ميداني ما بين عامي 1998م-2008م للنقوش الإسلامية في المقابر الأثرية بظفار بشكل عام ومقبرة الرباط بشكل خاص وتم توثيق نتائج المسح والدراسة في بحث بعنوان (نقوش تاريخية من ظفار: شواهد القبور الإسلامية).
وفي فترة الخمسينيات تم نقل بعض الشواهد الأثرية في الرباط لعرضها في متحف لندن بالمملكة المتحدة من بينها شاهدا قبر الملك الواثق إبراهيم بن الملك المظفر يوسف بن رسول المتوفى سنة 711ه وقبر الشيخ محمد بن أبي بكر بن الشيخ سعد تاج العارفين المتوفى سنة 714ه وقد تم استعادتهما في الآونة الأخيرة في المتحف الوطني بمسقط.
ومن بين الشواهد التاريخية في الرباط شواهد تعود لحكام الدولة الرسولية التي حكمت ظفار في القرن الرابع عشر الميلادي ومنها شاهد قبر الملك المغيث بن الملك الجواد بن الملك الواثق الذي يعود تاريخه إلى سنة 746ه وشاهد قبر الملك الفائز بن الملك الجواد ويحمل تاريخ وفاة سنة 765ه وقد ذكرهما ابن بطوطة عندما زار ظفار في القرن الرابع عشر الميلادي، كذلك تضم مقبرة الرباط الأثرية شواهد لعدد من أمراء الدولة الرسولية ووزرائها وأعيانها في تلك الفترة ومنها على سبيل المثال شاهد قبر “الأمير سابق الدين يوسف بن تاج الدين إسماعيل” -توفي سنة 776ه- وشاهد لقبر “الأمير بدر الدين إيدغمش الواثقي” -توفي سنة 718ه-، وشاهد قبر “الأمير شجاع الدين عمر بن طرنطاي” -توفي سنة 766ه- وهو الذي ذكره ابن بطوطة عندما زار ظفار سنة 748ه باسم “سيف الدين عمر أمير جندر التركي الأصل”.
كما توجد في مقبرة الرباط شواهد بعض فقهاء ظفار الذين ورد ذكرهم في المصادر التاريخية مثل “الفقيه أحمد بن محمد بن عبد المولى الأصبحي” و”جمال الدين محمد بن عمر الأموي النحوي” قاضي ظفار ووزير الملك الواثق المتوفى سنة 709ه، وتوجد شواهد أخرى تحمل أسماء مثل “الناخوذا محمود الهنوري” يحمل تاريخ وفاة سنة 761ه و”الخطيب إسماعيل النهروالي” تعود للفترة نفسها، ومن الشواهد التاريخية المهمة في الرباط شاهد لقبر الشيخ مدافع بن أحمد المعيني المتوفى سنة 618ه ذكره بهاء الدين الجندي (ت 732ه) في كتاب “السلوك في طبقات العلماء والملوك”.
وتقع في الجانب الشرقي من مقبرة الرباط الأثرية شواهد تعود إلى القرن الحادي عشر الهجري منها شاهد قبر السيد العلامة عقيل بن عمر (عمران) باعمر المتوفى سنة 1062 من علماء ظفار ورد ذكره في عدد كتب التاريخ والسير، جدير بالذكر أن ابن بطوطة أشار إلى مقبرة الرباط عندما زار ظفار عامي 730ه و 748ه وتحدث عن زاوية الشيخ أبي محمد بن أبي بكر بن عيسى وتربة سلف الملك المغيث بين بساتين المدينة.
وتصنف مقبرة الرباط ضمن المقابر الإسلامية التي تعود إلى العصر الأيوبي والمملوكي ويعدها محمد عبدالستار عثمان في كتابه “مدينة ظفار بسلطنة عمان دراسة تاريخية أثرية معمارية” من أهم المقابر الإسلامية التي حفظت فنون الخط والنقش في الوطن العربي، وقد تعرض الموقع لمؤثرات زمنية وعمرانية تسببت في اندثار أجزاء كبيرة منها وتقدر المساحة المتبقية في الجانب الشمالي الغربي نحو 150م × 350م، وتتميز الشواهد التاريخية بجمالية النقش واستخدام الخطوط الأنيقة ويلاحظ تزيين الشواهد بأشكال وزخارف نباتية مع حواشٍ جانبية مطرزة بنقوش ونحت متقنة تحمل آيات قرآنية وأدعية دينية وأبيات شعرية مع اسم المتوفى مسبوقًا بألقاب وعبارات تبين مكانته ومآثره، وقد نصبت بعض الشواهد فوق مصاطب حجرية مرتفعة تحمل نقوش إسلامية متنوعة مما يدل على الثقافة الدينية السائدة في المجتمع في تلك الفترة.