د. فوزية البدواوية- روائية عُمانية
أنقل للقارئ الكريم عبر “أثير” قصةً من كتابي “غارقون في الخطيئة”، وهي تتحدث عن قضية مهمة.
“نحن لا نكتب بسلبية… نحاول ترجمة الواقع فحسب!”
القصة التي مرّت عليّ اليوم من أسوأ القصص، وأغربها على الإطلاق. بل إنها لا تخطر على بالِ أحد. وهل يضحّي الشخص بأغلى ما عنده من أجل المال؟!
نفوس مريضة متمسكة بحب الدنيا، يسيّرها الشيطان إلى الرذيلة وهي مغمضة العينين، عمياء عن رؤية الحق. ألم يُخلق الإنسان مخيّرا في هذه الدنيا لا مسيّرا، فكيف يختار العبودية؟ لا أقصد العبودية لله، ولكن العبودية بمعنى أن يكون عبدًا لشهواته، ورغباته. ألا يستطيع ترويض نفسه التي تدفعه للشر. أتعلمون؟
لو تحدّثت من الآن إلى الغد فلا أظنّكم ستفهمون قصدي، فقط دعوني أزيح لكم الستار على تفاصيل هذه الجريمة في حق النفس والأهل، بل المؤامرة البشعة حتى تروا الفساد بأعينكم، وتشعروا بشعور الحسرة نفسه الذي يسكن داخلي الآن.
وردني اتصال في وقت الضحى من أُمٍّ تتهم أحد الشباب بأنه قد اختطف ابنتها من الكلية، وقد كان من الأصحّ أن تقول إن ابنتها قد خرجت مع أحد زملائها، وقد كان حديثها كالآتي:
– لقد أوصلتُ ابنتي قبل نصف ساعة للكلية، والآن أنا أتصل بها لأنها قد نسيت دفاترها في السيارة، لكنّها لا تردّ على مكالماتي، فتملّكني الخوف على ابنتي، واتصلتُ بإدارة الكلية حتى ينادوها لي من القاعة الدراسية، لكني تفاجأت بأن ابنتي لم تحضر المحاضرة من الأساس، مما دفع مدير شؤون الطلاب لفتح كاميرات الكلية، وهنا كانت الصدمة. ابنتي تتجول الآن مع زميلها في شوارع المدينة.
– ما اسم ابنتك؟
– عزّة
– وما اسم زميلها ؟
– أحمد
– أخبرينا عن رقم السيارة ونوعها ولونها.
– كاديلاك سوداء اللون بلوحة رقم XX ورمز X
– حسنا سنتولى المهمة.
وبعد بضع دقائق تم الكشف عن مكان وجود السيارة. إنها تقبع في مواقف أحد الفنادق. لا بدّ من الاتصال بزميل الفتاة حتى يزورنا للتحقيق، وعندما أجاب الزميل على هاتفه دار الحوار الآتي:
– أحمد؟
– نعم. من معي؟
– المحقق من مركز الشرطة. لديك ربع ساعة فقط حتى تأتي بحضرة من معك إلى قسم الشرطة.
– لا يوجد أحد معي.
– بل يوجد. ربع ساعة فقط.
– حسنًا.
أنا أعلم أنه سيحاول التحايل، لن يستسلم بهذه السهولة. ولهذا أرسلت أحد أفراد الشرطة لمراقبتهم.
وبالفعل اتصل كل منهما على زميله، فقادت زميلتها سيارة الكاديلاك في حين أنه غادر الفندق مع زميله، لكن كليهما ذهبا إلى مركز الشرطة، خطّة مكشوفة!
هنا كانت الأم غاضبة فصفعت ابنتها على مرأى من الجميع، وبعد إجراء الفحص الطبي تم إثبات الأمر، لحظة ألم، وحسرة على وجه هذه الأم التي ربّت وسهرت وتعبت، ثم يضيع تعبها في لحظة ضعف من ابنتها، بل لحظة غباء!
أنا نفسي لا أستطيع وصف المشهد، ولا أريد أن أراه في إحدى بنات العائلة أو الجيران، ستر الله علينا وعلى الجميع. ولكن بما أنّ عزة قد تجاوزت سنّ الثامنة عشرة من عمرها، فالبلاغ مرفوض من والدتها، ويجب على عزّة نفسها أن تُقدّم البلاغ. ومع أني قد شرحت الأمر للأم إلا أنها ترفض أن تتنازل عن قضية ابنتها، وشرفها الذي هُتك إلا مقابل مبلغ مالي لا يقلّ عن عشرة آلاف ريال. ولكن الصدمة ليست هنا، الصدمة عندما عادت الفتاة بعد دقائق وقد تشاجرت مع أمها، تشكو إلينا أن القصة كلها كانت مؤامرة بالاتفاق مع والدتها، فهي قد اختارت لها هذا الشاب للخروج معه؛ لأنها تعلم أنه ابن رجل أعمال ثري ومشهور، وكانت قد دبّرت لها مواعيد سابقة للخروج مع شبّان آخرين من أجل المال.
ربما هو دافع المال نفسه الذي دفع هذه الفتاة لأن تشي بأمها وتضحّي بها، كما كان هو الدافع نفسه الذي دفع الأم لأن تضحّي بابنتها وشرفها. وبعد التحقيق اعترفت الأم، وتم سجنها لتنال عقوبتها.
وبعد هذه القصة لا أملك المزيد لقوله. لا أملك سوى قول: “حسبي الله ونعم الوكيل” على كل أم فاسدة تسعى إلى فساد أبنائها، فليست كل أمّ تستحق أن تكون أمّا.