تاريخ عمان

تفاصيل عن مسقط في رحلة روتشنبرغر 1835

تفاصيل عن مسقط في رحلة روتشنبرغر 1835
تفاصيل عن مسقط في رحلة روتشنبرغر 1835 تفاصيل عن مسقط في رحلة روتشنبرغر 1835

أثير- تاريخ عمان

تلخيص: د. محمد بن حمد العريمي

 

نظرًا لأهمية عمان التاريخية على مر العصور، وموقعها الجغرافي المهم، ودور أبنائها الحضاري في مختلف المجالات، فقد كانت محطة للعديد من الرحّالة العرب والأجانب الذين زاروها ووصفوا جوانب عديدة من ملامح الحياة بها، وأبرزوا العديد من مظاهر التفوق والتقدم التي أسهمت في بروز الحضارة العمانية.

ومن بين الكتب التي تناولت عمان كتاب “قصة رحلة حول العالم في سنوات 1835، 36 ،37 متضمنة حكاية بعثة دبلوماسية إلى سلطان مسقط وملك سيام” للكاتب الأمريكي ويليام صمويل روتشنبرغر، وتم نشره في لندن عام 1837.

والمؤلف كما يذكر الدكتور هلال الحجري في مقدمة ملحق “مراجعات” عدد أكتوبر 2015 هو طبيب أمريكي التحق بالهيئة الطبية العسكرية للولايات المتحدة الأمريكية عام 1826 وتقاعد منها برتبة عميد عام 1871، جاء إلى عمان سنة 1835 ضمن طاقم البارجة (البيكوك) التي بعثت سنة 1835 من قبل الرئيس الأمريكي أندرو جاكسون لإقرار اتفاقية التجارة والصداقة التي وقعتها الولايات المتحدة مع السيد سعيد بن سلطان.

خصص روتشنبرغر ستة فصول من كتابه لعمان بما فيها زنجبار في ذلك الوقت، من بينها الفصل السابع الذي يتضمن وصف الوصول إلى مسقط ووصف جبالها المتوّجة بالقلاع والأبراج، وزيارته للسلطان، ووصف حاشية السلطان، ومدينة مسقط ومرافقها المختلفة، كما تناول الفصل الثامن وصفا لمطرح وأسواقها والسلع المعروضة فيها، وخصص الفصل التاسع للحديث عن كرم السلطان واستضافته لهم، كما وصف مائدة الطعام، وأنواع المأكولات والأدوات.

يقدم الكتاب بشكلٍ عام وصفا لأوضاع عمان بشكلٍ عام، ومسقط بشكلٍ خاص في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وأبرز ملامح الحياة بها، كما تتزامن مع رحلةٍ أخرى قام بها رحّالةٌ آخر هو ويلستد الذي تناولنا زيارته في تقريرٍ سابق.

 “أثير” تستعرض جوانب مما أورده المؤلف في كتابه من معلوماتٍ عن عمان، وذلك بالاعتماد على ترجمة الباحث الهندي الدكتور أورنك زيب الأعظمي لها في دراسته “مسقط كما شهدها روتشنبرغر. دراسة نقدية تحليلية”.

 “أثير”

لمحة عامة عن الرحلة

تبتدئ هذه الرحلة بإشارة إلى كتابة الإهداء إلى صديق للكاتب، أعانه في سير الأرض، وهو Sauel George Morton, M.D، سكرتير مراسل لأكاديمية العلوم الطبيعية، ثم تأتي مقدمة ذكر فيها الكاتب السبب وراء سيره هذا، واسم الباخرة التي ركبها، وهي Peacock، التي قادها C. K. Stribling بالمرافقة لـA. S. Campbel، ومشتملاتِ الرحلة، ومصادرَها، وحالةَ الرحلة، ونفعَها للناس، وأن الكاتب اتخذ جانب الموضوعية في الكتابة، والبلاد التي زارها، ومن الصفحة 62 يأتي ذكر رؤية مسقط وجوها، فيذكر فيه الكاتب خليج مسقط الصغير، الذي رآه في التاسع والعشرين من سبتمبر، وبعدما دخل الكاتب مسقط هُدِيَ إلى سلطانها، الذي وعدهم بكل معونة يمكن توفيرها من قِبَله؛ وذلك لأن السلطان كان ظهيرًا لحكومة الإنكليز إلى حد بعيد، ويدل عليه ما وجهه إليهم من أنواع المعونة العسكرية والمادية.

مسقط، موقعها وسكانها

ما قدمه من المعلومات إنما هو مما شهده بالصدفة، أو خطر بباله خلال الزيارة، فأول ما رآه هو القلعة المنيعة مع العديد من الأبراج فيها، ثم دخل الخليج الصغير الذي هو محاط بالصخور، والمدينة هي مثل الزاوية الصخرية، وبها قصر السلطان ودار الضرائب، إن مسقط تبدو أسخن مكان في العالم؛ لأجل كثافة سكانها؛ فعداد الحرارة يتراوح ما بين 90 و115 حتى خلال شهري يناير وفبراير، وأما في شهري يونيو ويوليو فلا تقدر غاية العداد، ويشرف ميناء مسقط على جزيرة صغيرة، وفي المدينة قلاع عدة، بنى معظمَها البرتغاليون؛ للدفاع عن أي هجوم مفاجئ، ووجودُ الباخرات والمراكب بالميناء يدل على أن مسقط مركز كبير للتجارة حتى الآن، والمدينة محاطةٌ بالصخور، ومحمية من كل جانب بالجدران الضخمة، إلا أنها لا خندق بها.

وتصل كثافتها السكانية إلى أكثر من عشرين ألف نسمة بمن فيهم العرب والبانيان، وقليل من الإيرانيين، ولكن لا يوجد فيها أي أوروبي ولا نصراني، وأزقة المدينة ضيقة، وهي تضج بالناس في كل وقت، ولا تجد أحدًا منهم بدون خَنجَر أو رمح أو سيف، إلا أنهم لا يحملون هذه الأسلحة لأجل عموم النزاع والقتال فيهم، بل إنها حُلِيٌّ لهم أكثر من أنها آلات للدفاع أو القتال.

وسوق مسقط (Bazaar) تشتمل على الأزقة الكدرة الضيقة، ولها أكشاك، يملكها البانيان، ترتفع عن الأرض قدرَ أقدام الناس، وهي محشوة بقدر كبير من أنواع الأسباب والبضائع.

والسجاجيد مفروشة من الشوارع حتى البيوت؛ لكي تمنع الشمس والمطر من إلحاق أي ضرر بالتجار وبضائعهم، ومن العجب العجاب أن كل نوع من البضائع تجدها في دكان واحد، هذه الأكشاك أربابها البانيان، إن هذه السوق مشابهة لسوق الريف؛ حيث تجد كل نوع من الدكاكين في سوق واحدة، فتجد بها محلقي الرؤوس، كما تجد بها عطارًا يجلس بالعقاقير، وبائعًا للغنم في زاوية من زواياها، وهلم جرًّا.

وخلال الزيارة وقع نظر السائح على الأكواخ خارج أبواب مسقط، فهو يصورها كما يلي: “وهناك جماعة من الناس يسكنون خارج أبواب المدينة في الأكواخ التي صُنعت من القصب والحصير، وقد وجدنا هنا اثنين أو ثلاثة من “الكوف” الخشنة تمكن مقارنتها بالأقفاص، الجدران مصنوعة من القصب السميك، أو القصب المقسم المشتبك بعضها ببعض، والسقوف مغطاة بقش مصنوع من سعف النخيل، وأما الأثاث والتجهيزات فهي مشتملة على المناضد الخشبية للضيوف، التي يجلسون فيها”

كما تحدث الرحّالة عن وجود مزارع في محيط مسقط قائلا: “وهناك شتى المزارع في ضواحي المدينة، يتم ريُّها بالبئر التي يحفِرُها الناس على نفقاتهم، والتي يوصون بها للناس بعد موتهم، ويمنح لهم السلطان ثَورًا وخادمًا، ويتوجب على كل منتفع من المياه دفعُ ضريبة من القمح”.

وعن الحلوى العمانية تحدث الرحالة “وفي مكان وجدتهم صانعين الحلوى في إناء ضخم من النحاس، كانت تحرك فيه المكونات بآلات خشبية، إنها تغلى بأيدي العرب العراة، الذين كانت تسيل عروقهم من جراء عملهم الشاق. تعد الحلوى غذاءً مفضلًا، مصنوعًا من السكَّر، واللوز، والزبدة، أو السمن، وكانت هذه المكونات كلها تُخلَط بشكل صحيح”.

المجتمع العماني

تحدث الرحّالة روتشنبرغر مرارًا وتكرارًا عن العرب وميزاتهم خلال حديثه عن الأشياء الأخرى، كما أشار السلطان إلى بعض خصائصهم، فالعرَب كما وصفهم “ينقسمون إلى الحضر والبدو، ولا فرق بينهما إلا في أشياء معينة، إن لهم قدًّا ورأسًا صغيرين، هم عادة يلبسون الملابس البيضاء، والعمامة، إلا أن عمامة أسرة السلطان تختلف عن عمامة الآخرين هيئة ولونًا، لونهم أسمر، وشبابهم ضامرون، إنهم يشرَبون القهوة، ويعتنون بأنساب إبلِهم وأفراسهم كما يعتنون بأنسابهم هم، إنهم مفطورون على الفخرِ، والسَّخاء، وقلة الكلام”.

“والبدوُ منهم يهيمون هنا وهناك مع خيمتهم، ولا يمتلِك ثريُّهم إلا نخيلًا أو نخيلين، أعينهم فاطنة، وأخلاقهم ذات فظاظة، وهم أجمل نسل وأحسنهم على وجه الأرض، إنهم يعتبرون أنفسهم أحرارًا؛ فلا يكترثون بأي قانون، عادتهم سلب الأموال، وهم أميل إلى القتال منهم إلى الأمن، إنهم لا يعتادون على المفاوضات؛ وذلك لقلة الحضارة فيهم، إنهم ماهرون في استخدام الأسلحة، إن شابًّا منهم يقدر بسيفه على أن يدفع عشرة رجال متسلحين هاجمين عليه من الأمام، وهكذا فنرى أن الأسلحة قد أصبحت مثل الحلي لديهم، فهم أيضًا يحملون الأسلحة للزينة”.

ولم يكثر الرحّالة من وصف النساء العمانيات في رحلته ربما لأنه لم يرهنّ كثيرا في الأسواق وذلك لأن القرآن قد أمرهن بالقرار في البيوت، وعندما يخرجن يخرجن مقنعات، ولا يبدين وجوههن إلا قليلًا نادرًا؛ ولذا فلم يسَع الرحالة أن يبين عنهن بصراحة إلا ما سمع عن الآخرين، فيقول راويًا عن أحد العمانيين:

“النسوة يقضين أوقاتهن كلها في تعطيرهن، وتلبسهن، وتزيينهن، إنهن مولعات بالملابس، وهن، عادة، أكثر الناس صرفًا للأموال، وتبذيرًا لها، فيتوجب على زوجة رجلٍ من الأعيان أن تمتلك أربع أردية كشميرية؛ إحداها خضراء، وأخراها زرقاء، وثالثتها حمراء، ورابعتها بيضاء، وفوق تلك لا محيص لها من أن تلبس خاتمًا من الجوهرة الأصلية في كل إصبع لها، ولا تجد امرأة إلا وهي تلبس حليًّا مبلغها من ألفي دولار إلى سبعة آلاف دولار بالمناسبات الخاصة،….”

تفاصيل عن مسقط في رحلة روتشنبرغر 1835
تفاصيل عن مسقط في رحلة روتشنبرغر 1835 تفاصيل عن مسقط في رحلة روتشنبرغر 1835

التزام العرب بالواجبات الدينية

أشار الرحّالة إلى أن أهالي مسقط معظمهم مسلمون مؤمنون بتوحيد الإله ورسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فهو يقول: “ومن أشد ما شهدته من إرشادات دينهم ميزة معاملاتهم الأساسية بأنه لا شيء مانع إياهم عن أداء الصلاة في الوقت المحدد، فالمسؤول الذي زارنا على متن الباخرة، قبل وصولنا هنا، لم يتخلف في أداء صلاة الظهر، وفي الساعة الرابعة مساءً أدى صلاة العصر، إنه كذلك لم يتردد في التصريح بها، وأن ساعة الصلاة قد حانت، ومن ثم نشر عمامته على سطح الباخرة متوجهًا نحو مكة، وشرع يصلي فيركع ويقعد مثلما شهده هو في المسجد النبوي الشريف”.

التعليم

مما ذكره الكاتب الرحّالة أن التعليم لا يصل إلى مستوى عالٍ في نطاق حكم السلطان، فالأطفال لا يعلمون إلا قدر ما يقدرون به على القراءة والكتابة وتلاوة القرآن الكريم، وأما الأغنياء فهم يرسلون أولادهم إلى مومباي وكولكتا، وفي بعض الأحايين إلى فارس للتعليم والتربية، الأطباء ينالون علم الطب في الدولة الأخيرة (فارس)، …، وقد وجدت في بيت بعض الأعيان روايات إسكوت وكوبر (Scott & Cooper)، وحتى الآن لم تعرف مسقط المطبع، الذي يعد أروع وأهم سبب للعلم والحضارة، وهذا مؤسف للغاية؛ فالناس يعدون السلطان (السيد سعيد بن سلطان) شلالًا متدفقًا من البركة والمنافع للرعايا”.

التجارة

وقد كانت التجارة، كما يقول روتشنبرغر، تعمل عملها بين مسقط والبلاد الأخرى عن طريق البحر الأحمر، وساحل إفريقيا الشرقي، وخليج فارس، وموريشيوش، وعديد بلاد الحارات، مثل: الهند والصين، وتوجد هناك شركة للتأمين، كافة أعضائها البانبان، ويؤمن لديها كافة تجار مسقط مراكبهم التي يستخدمونها في الغوص على اللؤلؤ، فتلج البحار وتخرج الجواهر من أعماقه.

كما ذكر روتشنبرغر أبرز الصادرات حيث ذكر أن مسقط كانت تصدر العديد من الأسباب والبضائع والأمتعة، بما فيها القمح، والتمر، والخيول، والزبيب، والسمك المملح، والمجوف، وقهوة المولطو، وأنواعًا من الأدوية، ومنتجات شرق إفريقيا، ومستخرجات البحر الأحمر، ومنتجات شمال شرق جزيرة العرب، إضافة إلى منتجات البلاد المجاورة لإيران، التي كانت على طريق فارس (إيران).

 روتشنبرغر 

م

وكذا كانت مسقط تستورد الأسباب والبضائع والأمتعة؛ كالأرز، والبضائع القطنية، والصوفية، والحديد، والرصاص، والسكر، والبهارات، وكذا الأواني المصدرة عن طريق خليج فارس، التي كانت تباع في أسواق البصرة، وإيران، وكذا تستورد مسقط صمغ الكوبال، والعاج، ودروع السلاحف، وجلود الكركدن (وحيد القرن)، وقرونه، وشمع النحل، وزيت اللوز، وجلود الثيران، والعود، والصمغ العربي، وحبوب الدخن، والسمن من شرق ساحل إفريقيا وكولومبو، وكذلك القطن من أمريكا، ولم توجد أواني أمريكا في أسواق مسقط إلا قليلًا، وعلاوة على ذلك كانت تستورد الجواهر من البحرين، وعطر الوردة والياسمين من القسطنطينية.

الأسواق

لم يصف الرحالة إلا قليلًا عن الأسواق، ولكن يبدو من دراستها أن الدكاكين كانت مثل الدكاكين المتوفرة في الأرياف؛ حيث تجد كل شيء في سوق واحدة، وحيث ينعدم أي مبنى جميل، كما لم تتخصص الدكاكين ببيع بضاعة محددة أو متاع خاص، مثل دكاكين الملابس، أو دكاكين الخضراوات، أو دكاكين اللحم، فيقول: “ففي معظم الدكاكين الصغيرة (الأكشاك) لم أجد إلا صندوقًا كبيرًا من خشب موضوعًا في مبنًى حجري، وقد وجدنا هنا العديد من البلوش يصقلون شفرات السيوف، التي يرفعونها بسرعة من الأرض بأقدامهم، وفي ذات الوقت يتم تلميعها، هنا جلس القرفصاء في صيدليته شخصٌ طويلٌ بأصابع نحيفة، فارشًا أدويته على الأرض يزن مقادير دوّنت في وصفة”.

 “

وأما البضائع والأمتعة التي كانت تُباع وتُشترى في هذه الأسواق، فهي كانت – كما يقول الرحالة – ضمن سوق أخرى: “البضائع المعروضة للبيع في هذه الأسواق كانت مشابهة لتلك التي شاهدناها في أسواق مسقط، وهي القلائد، والأساور، ومنتوجات القطن، وعصي الأنتيمون، وبراعم الورود، والشباشب الجلدية، وأوراق وثمار نبات السنا، وغيرها من البضائع والمنتوجات”.

السلطان

يصف الرّحالة روتشنبرغر السلطان سعيد بن سلطان بأنه من أولئك الحكام الذين لهم ميزات وخصائص، إنه مفطور على الشجاعة والتقوى، قد حج لبيت الله الحرام، وهو مولع بالعلم وإحيائه، طُبع على السخاء كعادة العرب القدامى، للسلطان وأفراد عائلته عمامة خاصة لا يلبسها أحدٌ غيرهم، ولهذه العمامة أهمية كبرى، وهي التي تميزهم عن غيرهم، السلطان يلقب بـ”الإمام”، وله زوجتان بجانب أكثر من عشرين أمة من مختلف البلاد، له سبعة أولاد ولا ابنة له.

كما يعطي الرحّالة إشارات عن قصر السلطان بوصفه” قصر السلطان نموذج جميل للبساطة، فلا يوجد فيه الكثير من أسباب الزينة، فعندما تدخل القصر تجد شجرة الليمون تستقبلك، والسلالم مصنوعة من الخشب، في بعض الجدران خرائط للحرب والأشياء الأخرى، الخدام يلبسون الملابس البيضاء مع الخناجر الثمينة في الحزام الذهبي، إنهم يقومون على جانبي الممر حفاة، وحفاةً يدخل الديوانَ كل الناس، حتى السلطان وأولاده، إنهم يسلمون على عادة العرب المسلمين: “السلام عليكم”.

دعا السلطان روتشنبرغر ورفقاءه على المأدبة، فيصف الرحّالة هذه الدعوة كما يلي: “عندما وصلت كان الطعام موضوعًا، ومن عادة السلطان أنه لا يجلس مع المدعوين إلى الطعام حتى يتناولوا ما قدم لهم بدون أي تكلف؛ لذا يرافق المدعوين في هذه الدعوة مسؤولون آخرون، كانت السجادات الفارسية موضوعة على الفرش، وأما الخوان فكان من شعر الإبل، استوردت الصحون من فرنسا، والعرب لا يستخدمون أدوات الأكل مثل الشوكة، بل هم يأكلون بأيديهم؛ حيث إن أصابعهم تقوم مقام الشوكة؛ ولذا لم يكن على المائدة شيء من هذه الأدوات، ويقدم العرب لضيوفهم طعامًا أكثر من اللازم، وهو طعام يكفي لمائتي رجل إنكليزي أكول، كانت المأدبة مكونة من تيسين محشوين بالتمر والإجاص والكاجو، وكلها كانت مطهية، وأما الكيك مثل اللوزينج فكان علوه قدر بوصة، وقد صنع من الأرز والحليب، بعضها أبيض، والبعض الآخر أصفر مثل الكيك الحلو أو الخبز الحلو، ووضعت في صينية، وكان هناك أيضًا المانجو والعنب والتفاح، وقد قدمت القهوة في فناجين مصنوعة من الصين على صوان، وفي كل صينية ثلاثة فناجين، وبعد تناول القهوة جاء الخدم بمناديل مبللة في العطر الوردي لكل ضيف، كما جاؤوا بأباريق من العطر الوردي، وبعدها دخل السلطان وغادرنا القصر”.

القوة البحرية

وصف روتشنبرغر القوة البحرية للسلطان بأن لها راية حمراء فاقع لونها، تتكون من 75 سفينة كبيرة، بنيت على ساحل مالابار، وهي تقدر على حمل أربعة بنادق إلى ستة وخمسين بندقًا، وقد تعلم ضباطه الكبار في مومباي أو كولكاتا، وسفنه منضبطة بشكل فعال.

المحكمة

أما التفاصيل عن معدل الجرائم ونوعية الفصل عنها وكيفية المحاكم في الدولة، فنوفرها في ضوء ما ذكره روتشنبرغر: “كانت السرقات قليلة نادرة في المجتمع العماني، لكن كانت تقع بعض النزاعات المحدودة، التي لم تكن تتجاوز إلى الحرب والقتال”، وهذا يعني أن المجتمع العُماني في تلك الأيام كان آمنًا لا ظلم فيه ولا عدوان، فلا خوف فيه ولا حزن.

كما يشير الرحّالة إلى طريقة العدل ووجود المحكمة في المجتمع العماني: “السلطان يبقى مشغولًا في بلاطه لوقت طويل في الاستماع إلى الالتماسات وإقامة العدل في القضايا المتعلقة بالجرائم، فكافة الدعاوى المتعلقة بالممتلكات ينظر فيها أربعة قضاة، لا يوجد في المحكمة محامون، ويمكن للمتخاصمين أخذ المشورة من أصدقائهم وإخوانهم، ولا يعمهم السرقة، إلا أن نماذج التشابك توجد بالكثرة، لكنها يقضى عليها في الموقع ذاته باللجوء إلى الخَنجَر أو السيف؛ فالقتل جريمة عاقبتها الموت، إلا أن يرضى أولياء المقتول بأخذ الدِّيَة التي تصل في العادة إلى ألف دولار، وكذا المبارزة لا يعرفها المجتمع”.

المراجع

1-  الأعظمي، أورنك زيب. مسقط كما شهدها روتشنبرغر، شبكة الألوكة.

2-  الحجري، هلال بن سعيد. ملحق مراجعات، جريدة الرؤية،أكتوبر 2015

Your Page Title