د. محمد عبدالله القدحات- قسم التاريخ، جامعة السلطان قابوس
عاشت عمان مرحلة تاريخية حرجة في أواخر عهد النباهنة، فدخلت البلاد في حروب أهلية طويلة الأمد، انعكست سلبا على حياة العمانيين وسبل عيشهم، فدُمرت الأفلاج وأُهملت الأرض التي تعد مصدرا أساسيا لحياتهم الاقتصادية. في الوقت نفسه استغل الطامعون (البرتغاليون) تردي الأوضاع وسيطروا على المناطق الساحلية، ومن خلالها تحكموا بالتجارة والمؤانئ التي كانت مصدرا آخر للحياة الاقتصادية للشعب العماني.
أمام هذه التطورات كان لا بد من مخلص للبلاد والعباد، فكان اختيار العلماء بمشورة من الشيخ خميس بن سعيد الشقصي لناصر بن مرشد ليكون إماما وزعيما لعمان وكان ذلك سنة 1034هـ\ 1624م .
كان الإمام الجديد يحمل هِمّة الشباب، فحمل على عاتقه وبدعم من العلماء وزعماء الكثير من القبائل الحمل الثقيل وبدأ خطواته نحو التوحيد والتحرير، لكن القدر لم يمهله، فانتقل إلى جوار ربه، فوقع اختيار العلماء على سلطان بن سيف ابن عم ناصر بن مرشد مؤسس دولة اليعاربة. وقد اكتسب الإمام الجديد خبرة سياسية وعسكرية في عهد ابن عمه، فكان يتولى قيادة الجيش. بويع له في اليوم الذي مات فيه الإمام ناصر بن مرشد في يوم الجمعة العاشر من ربيع الآخر سنة 1059هـ \ 1649م
سار الإمام سلطان على نهج ابن عمه في توحيد عمان وتحرير سواحلها من البرتغاليين، فقد كان بين الإمام ناصر بن مرشد والبرتغاليين هدنة، وحينما تولى الإمام سلطان بن سيف الإمامة نكث البرتغاليون العهد مراهنين على أنه لن يكون بقوة سلفه، مما سيؤدي – حسم رأيهم – إلى زعزعة الجبهة الداخلية، وبالتالي انشغال السلطان الجديد بمشاكله الداخلية عنهم، مما دفع سلطان اليعربي لحربهم.
وكانت أولى خطوات السلطان الجديد تحرير مدينتين ساحليتين كانتا تحت الاحتلال البرتغالي، هما: مسقط ومطرح. وبعد أن حرر مسقط ومطرح، لم يكتف الإمام بهذا الحد بل أخذ يعد العدة لمواجهة البرتغاليين في المحيط الهندي وشرقي أفريقيا، فهزمهم في معركة الديو الشهيرة في الهند، وقيل إن الإمام استخدم الغنائم التي حصل عليها من هذه المعركة في بناء قلعة نزوى التي استغرق بناؤها حوالي اثنتي عشرة سنة، ثم اتجه الإمام إلى شرقي أفريقيا، فحرر كلوة وممباسا وزنجبار، فأصبحت عمان في عهده قوة رائدة في المنطقة
لم يهمل سلطان بن سيف الأوضاع الاقتصادية لا سيما الاهتمام بالأرض وموارد المياه، فجعل همه الأكبر إحياء الأرض. أشار الشيخ السالمي إلى الجهود التي بذلها سلطان بن سيف في عمارة عُمان، فقد كانت تعاني قبيل عهده من جدب وقحط شديدين” حتى يبست الأنهار، وأجمع كل من ترجم للإمام سلطان اليعربي على تفانيه في خدمة وطنه ومواطنيه فقالوا:” واعتمرت عمان في عهده وازدهرت، واستراحت الرعية في عصره، وربح التجار في دولته، ونمت الثمار ورخصت الأسعار، وكان متواضعا لرعيته، ولم يكن محتجبا عنهم، وكان يخرج في الطرقات بغير عسكر” (السالمي، تحفة الأعيان، ج2، ص49)
وأشار ولكنسون إلى أن الوضع الزراعي في عمان قد شهد في عصر اليعاربة لا سيما في عهد سطان بن سيف ازدهارا واسعا نتيجة لاهتمام أئمة اليعاربة بالزراعة، وتوفير ما تحتاجه وخاصة المياه، فشقوا الأفلاج وخاصة في عهد السلطان سلطان بن سيف. إضافة الى جهود الحكومة المركزية في مساعدة المجتمعات المحلية في تطوير العمل الزراعي (ولكنسون، الأفلاج).
وقد وصف السيابي دور سلطان بن سيف في العمارة، فقال:” عامرا للديار، وحافرا للآبار، غارسا للأشجار؛ ليعيش ضعفاء المسلمين الأتقياء الآبار، ابتغاءَ مرضاة الملك الجبار”( السيابي، عمان عبر العصور، ج3، ص230).
لذا نجده يضع سياسة عملية لتوفير المياه من خلال الاهتمام بشق الأفلاج تسهم في دعم خطته الاقتصادية، وأول خطوة في هذا المجال اختياره مجموعة من الخبراء في هذا المجال، وتكليفهم بالقيام بمسح شامل للمناطق العمانية التي تشتهر بوفرة مياهها الجوفية، وخصوبة تربتها، فوقع الاختيار في البداية على أربعة مواطن: وادي الرستاق، ووادي ضنك بمنطقة الظاهرة، وادي عندام، ومنطقة جعلان (العبري، البيان، 73)
وأشار ولكنسون إلى مدى التحسن الذي شهدته الحياة الاقتصادية في عصر اليعاربة، لا سيما النشاط الزراعي، وكان ذلك نتيجة لاهتمام أئمة اليعاربة بهذا المجال الذي هو العماد الرئيس لحياة العمانيين، فعملوا على توفير ما تحتاجه وخاصة المياه، فشقوا الأفلاج وخاصة في عهد السلطان سلطان بن سيف، يضاف إلى ذلك جهود الحكومة المركزية في مساعدة المجتمعات المحلية في تطوير العمل الزراعي ( ولكنسون، 1992م ، ص53).
ومن صور اهتمام الإمام في تشجيع الزراعة في بلاده، استجلاب الكثير من أنواع الاشجار التي تلائم أرض عمان وزرعها في أماكن مختلفة من البلاد. ويشار إلى أنه غرس 30 ألف نخلة من نوع المبسلي، وغرس من شجر النارجيل 6 آلاف شجرة، وطعم زراعته بأشجار الورس والزعفران التي جلبها من خارج عمان ( السالمي ، 2000، ج2، ص100). كما عمد إلى توسيع موارد بيت المال بشراء الكثير من الأرضي المزروعة ( الرواحي، 2003 ، ص59).
وفي عهد الإمام سلطان أنشئت العديد من القرى والبلدات الزراعية منها حمرا العبريين، وقد وصل عدد النخيل فيها قرابة 6000 نخلة، وكذلك بركة الموز التي بلغ عدد نخلها 15000 نخلة بأنواعه المختلفة ( الشكيلي، 2017 ، ص64).
وبعد حياة حافلة بالأحداث كانت وفاة الإمام سلطان بن سيف في السادس عشر من ذي القعدة سنة (1090هـ \1669).