أثير- المختار الهنائي
لم يكن يتصور أحدهم بأنهم سيقعون في يوم من الأيام في دائرة المسرحين والمهددين بقطع أرزاقهم، ولم يعتادوا سماع تسريحات لموظفين يعملون في قطاع الاتصالات، خصوصًا وأن هذا القطاع يعد من أكثر القطاعات تنظيمًا في السلطنة ، إلا أن تلك الدائرة ضاقت عليهم كثيرًا، وأصبحوا أمام أبواب الخذلان؛ الخذلان الذي لم يستطع أن يحقق لهم الأمان الوظيفي، بالرغم من كثرة “جهات الاختصاص” التي تعمل على حل هذه المعضلة التي تعصف بشباب عمانيين.

منذ شهر أكتوبر الماضي تابعت “أثير” وبتأنٍ شديد، قضية شباب عمانيين كان التسريح عن العمل يلوح لهم في الأفق، وما إن مرت الأيام حتى أصبح قريبًا منهم يلامسونه كل ساعة، فهناك غصة تلاحقهم بعد سنوات قضوها في العمل، العمل الذي لم يثنوا جهدًا فيه يجدون أقدامهم اليوم خارج أبوابه، بعد أشهر من الشد والرد مع الجهات المرتبطة مع موضوعهم.
قصة شباب يعملون في قطاع الاتصالات بعضهم بدأ رحلة العمل بمشاريع أوريدو مع شركة أريكسون عمان (الشركة المنفذة لمشاريع بناء شبكات الاتصالات لأوريدو في ذاك الوقت) منذ أكثر من 10 سنوات وعندما خسرت أريكسون عمان عقدها مع أوريدو لصالح شركة هواوي انتقلوا للشركة الجديدة حسب المادة 48 مكرر من قانون القوى العاملة، ومع توسع العمل بالشركة كان عدد الفريق يزيد وينقص وتعددت العقود مع شركات مختلفة، وهي شركة هواوي للاستثمارات الفنية، والشركة الوطنية المتحدة للاتصالات، وشركة التفكير المبدع، وشركة الجدار المعماري، وهي شركات تعمل في أبراج شبكات الاتصالات في الشركة العمانية القطرية للاتصالات أوريدو .

وبعد أن قامت الحكومة مؤخرًا بإنشاء الشركة العمانية للأبراج بهدف بناء كافة محطات الاتصالات والبنية التحتية لها، وهي أحد أذرع المجموعة العمانية للاتصالات ، قامت الشركة العمانية للأبراج بتوقيع اتفاقية شراكة مع الشركة العمانية القطرية للاتصالات “أوريدو” لبناء المحطات الجديدة الخاصة بها، تماشيًا مع توجيهات الحكومة، وبعد وقف إجراءات استخراج تصاريح البناء الخاصة بأوريدو، قامت الشركة بإشعار هيئة تنظيم الاتصالات بموضوع نقل 16 موظفًا عمانيًا يعملون معهم لسنوات طويلة في مشروع اكتساب المواقع وبناء المحطات الخاص بأوريدو، وطلبت نقلهم إلى الشركة العمانية للأبراج كونها هي من ستملك المشروع وستقوم بعملية بناء أبراج الاتصالات لكافة الشركات المشغلة في السلطنة، وذلك بناءً على المادة (48) من قانون العمل، التي تنص على “التزام صاحب العمل الذي آل إليه المشروع كليا أو جزئيا بتشغيل القوى العاملة الوطنية وذلك بنفس المزايا والحوافز المالية.”

في البداية استجابت الشركة العمانية للأبراج مع العاملين لعمل مقابلات لنقلهم وذلك في شهر أكتوبر الماضي، وكانت المقابلات من أجل تقسيم آلية العمل وتوزيع العاملين وليست مقابلات توظيف، لكن المفاجأة بأن عرض العمل هو لنقلهم وتوزيعهم على ثلاث شركات مختلفة لمقاولين من الباطن وبعقود محددة المدة، وليس نقلهم إلى الشركة العمانية للأبراج بالرغم من أنهم سيلتزمون بالعمل الكامل والتام في العمل مع الشركة بشكل مباشر، وهو ما يخالف المادة 48 من قانون العمل.
علِم الاتحاد العام لعمال السلطنة بالقضية وبدوره قام بالتواصل مع الشركة العمانية للأبراج لفهم حيثيات الموضوع ولإثبات واقعة انتقال المشروع وطلب نقل العاملين بشكل مباشر دون أي أطراف أخرى من الباطن؛ لأن مشروع بناء المحطات آل بالكامل من الشركة العمانية القطرية للاتصالات “أوريدو” إلى الشركة العمانية للأبراج حسب توجيهات هيئة تنظيم الاتصالات، إلا أن طلب الاتحاد تم رفضه بحجة عدم انتقال أي مشروع من أوريدو وإنما الشركة دخلت السوق كمستثمر جديد إلى جانب الشركات العاملة بقطاع الاتصالات، وقام الاتحاد بالاجتماع أيضًا مع هيئة تنظيم الاتصالات وأوريدو، والتنسيق في الفترة الماضية مع وزارة القوى العاملة لنقل العاملين وحماية حقوقهم .

كل تلك الجهود لم تثمر عن أي نتيجة تثلج صدر هؤلاء الشباب بالرغم من تدخل القوى العاملة ممثلة في المديرية العامة للرعاية العمالية بناءً على شكوى من شركة هواوي التي تطالب بتطبيق المادة 48 مكرر من قانون القوى العاملة، وتم ضم جميع الأطراف على طاولة الاجتماع وهي وزارة القوى العاملة والاتحاد العام للعمال وهيئة تنظيم الاتصالات والشركة العمانية للأبراج والشركة العمانية القطرية للاتصالات أوريدو وشركة هواوي ورئيس نقابة عمال شركة هواوي، مع وجود ممثلين عن العاملين.
انتهى الاجتماع بعدم ثبوت انتقال المشروع، وقررت وزارة القوى العاملة التأكيد على بقاء العاملين في شركة هواوي ونقل كافة العاملين إليها، وقد وقع جميع الحاضرين في الاجتماع على المحضر وامتنع ممثلو شركة هواوي عن التوقيع لعدم موافقتهم ولتأكيدهم على انتقال المشروع مرة أخرى، غير أن الوزارة كانت مصرّة على تنفيذ ما في المحضر وتم إنهاء الاجتماع.
منذ ذلك اليوم والشباب يتعرضون لضغوطات وقف الرواتب حتى ساعة كتابة هذا الخبر، كما تم إشعار خمسة عاملين في الأسبوع الماضي بإنهاء خدماتهم وتسريحهم من الشركة الوطنية المتحدة للاتصالات، بالرغم من أن القضية تداولتها أروقة الجهات المختصة منذ أشهر إلا أنها لم تتمكن من حل المشكلة، وحتى اليوم ما يزال بقية الموظفين في ترقب لحل قضيتهم، أو انتظار رسائل إنهاء الخدمات بعد سنوات قضوها في العمل بقطاع الاتصالات، وبالرغم من أن المسؤولين في أوريدو أكدوا عليهم بأن الشركة لم توقع العقد مع شركة الأبراج إلا بعد تأكيد الموافقة على نقل جميع الموظفين العمانيين وبشكل مباشر إلى الشركة العمانية للأبراج بمباركة هيئة تنظيم الاتصالات، إلا أن تلك الوعود تلاشت ولم تكن سوى مجرد إبر مخدرة.
الشباب العمانيون لم يثنوا جهدًا من أجل الانتهاء من هذا الموضوع المقلق وتوجهوا اليوم لمقابلة سعادة الدكتور حمد بن سالم الرواحي الرئيس التنفيذي لهيئة تنظيم الاتصالات الذي أكد متابعته للموضوع خصوصًا وأنه -حسب تصريحه- بأن المشروع انتقل إلى الشركة العمانية للأبراج وسيجتمع غدا مع شركتي الأبراج وهواوي حول الموضوع .
كما توجه الشباب لمقابلة سعادة خالد المعولي رئيس مجلس الشورى ووعدهم بكتابة رسالة عاجلة إلى معالي وزير القوى العاملة وإلى معالي وزيرة التقنية والاتصالات، وإلى سعادة الرئيس التنفيذي لهيئة تنظيم الاتصالات لتطبيق مادة 48 من قانون العمل.
اليوم نحن أمام قصة جديدة لمسرحين عُمانيين في قطاع كان الأغلب يعتقد بأنه الأكثر تنظيمًا في ظل وجود هيئة مختصة تعمل مع جهات مختلفة، خصوصا وأننا مقبلون على نقلة نوعية في قطاع الاتصالات مع وجود وزارة مختصة في التقنية.